الدين والشريعةمقالات

قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (101)

بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* ألتناسل الإنساني (2)
– التناسل الإنساني في القرآن
يقول الكاتب الباحث الناقد موريس بوكاي تحت هذا العنوان الذي جاء في الصفحة رقم: (232) إن تكوين فكرة عن محتوى القرآن في هذا الموضوع ليس بالأمر اليسير، وتكمُن الصعوبة في ذلك في أنّ المقولات الخاصة بالتناسل الإنساني متفرّقة على مساحة القرآن، ولكن ليست هذه هي الصعوبة الكبرى، فأكثر ما قد يُضِل الباحث هنا أيضًا هو مشكلة المُفردات.
– الواقع أن ترجمات وتفسيرات بعض الفقرات التي ما زالت منتشرة في عصرنا تُعطى لرجال العلم الذين يقرؤونها فكرة مغلوطة تمامًا عن الإيات الخاصة بهذا الموضوع، على سبيل المثال: تقول معظم هذه التفسيرات بِتشكّل الإنسان ابتداءً من “جلطة دم” أو ابتداءً من “إلتحام” وهذه المقولة لا يقبلها مطلقًا العلِم المتخصص في هذا الميدان، حيث أنه لم يكن أصل الإنسان أبدًا شيئًا من هذا، وهذا ما سوف يظهر لاحقًا في الفقرة التي تُعالج تعشيش البويضة في رحم الأم الأسباب التي من أجلها يقع مستعربون بارزون في مثل هذه الأخطاء، وذلك بسبب افتقارهم إلى الثقافة العلمية.
إن مثل هذه الملاحظات تجعلنا نتصوّر الأهمية الكبرى لاقتران المعارف اللغوية والمعارف العلمية للوصول إلى إدراك معنى المقولات القرآنية عن التناسل.
– يركز القرآن أولًا على التحوّلات المُتوالية التي يمر بها الجنين في رحم الأم حتى نهاية الحمل ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ* ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾ (الانفطار: 6.8) ﴿وقَد خلَقكُم أطوارًا﴾ (نوح: 14) وإلى جانب هذه الملاحظة العامة يلفت نص القرآن الانتباه نحو عدة نقاطٍ خاصة بالتناسل البشري ويمكن تصنيفها كما يلي:
1- يتم الإخصاب بفضل كمية من سائلٍ ضئيلة جدًا
2- طبيعة السائل المُخَصَّب
3- تعشش البويضة المخصبة
4- تطور الجنين
– أما النقطة الأولى وهي:
تمام الإخصاب بفضل كمية من سائلٍ ضئيلة جدًا
﴿خُلِقَ الإنسانُ من نُطْفةٍ..﴾ (النحل: 4)
تأتي كلمة نطفة من فعلٍ يعني سال ونضّ وتُستخدم في الإشارة إلى ما يمكن أن يتبقى في دلوٍ بعد تفريغه، وهي إذن تشير إلى كمية ضئيلة جدًا من سائل، ومن هنا كان المعنى الثاني “قطرة ماء” المقصود هنا قطرة من: “مَنِيٍّ” ذلك أن نفس هذه الكلمة تقترن بكلمة “منيٍ” في آية أخرى ﴿ ألَم يكُ نُطفةً مِن مًنيٍ يُمنى﴾ (القيامة: 37) وهناك آية أخرى تشير إلى أن النطفة المقصودة توضع في: “قرار” وهذا القرار كما هو واضح تمامًا يدل على الجهاز التناسلي ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ (المؤمنون: 13) وتعتبّر صفة “مكين” التي يصف بها النّص القرار فكرة مكان مُتقَرر، وعلى اي حال فالمقصود هو المكان الذي ينمو فيه الإنسان في “جهاز الأم”، ولكن ما يهم هو التأكيد عليه بوجه خاص هو تلك المعلومة عن الكمية الضئيلة جدًا اللازمة للإخصاب وهي تتفق تمامً مع ما نعرفه اليوم من معارف وعلوم حول هذا الموضوع.
وأما المزيد فانتظروه في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى
– مقالة رقم: (1693)
10. صَفَر. 1446 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق