الدين والشريعة
كيفيّة حساب مقدار فدية الصيام في الداخل الفلسطيني(48) {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}

بسم الله الرحمن الرحيم
دار الإفتاء والبحوث الإسلامية(48)- البيان رقم (74)
🟢 الآية الخاصة بالفدية محكمة وثابتة إلى يوم القيامة، وتوجب على العاجز عن الصوم إطعام مسكين عن كل يوم يفطره.
🟢 المذاهب الفقهية لم تختلف حول ثبوت حكم الفدية وهو إطعام مسكين عن كل يوم، وإنما اختلفت بشأن تقدير مقدار الإطعام بناءً على نوع الطعام المتاح وأسعاره في زمانهم وأعرافهم.
🟢 لا يوجد نص يمنع من إعادة تقدير الفدية وفقًا للقيمة السوقية للطعام في كل زمن.
🟢 تقدير الفدية ليس حكمًا تعبديًا قطعيًا، بل اجتهادات زمنية، وبالتالي يمكن تقديرها وفق ظروف العصر.
🟢 نحن في الداخل الفلسطيني48 تقدير الفدية عندنا هو بإطعام مسكين يومًا كاملًا، أي وجبتين كلّ يوم أو قيمتهما، من أوسط الطعام، وهو ما يعادل (30) شيكل وفق القيمة السوقية للوجبات.
🟢 الفقراء غير القادرين على دفع الفدية تسقط عنهم، أو يمكنهم دفع ما يستطيعون، أو يخرجها عنهم غيرهم.
– – – – – –
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
🔹 ذهب العلماء أنّ هذه الآية القرآنية محكمة إلى قيام الساعة، وفيها حكم مثبتٌ من لَدُنْ نزلت إلى قيام الساعة. وتفسيرها بما أنّ صيام رمضان فرض على جميع المسلمين المكلّفين إلّا مَنْ كان مثلًا كبير السنّ، أو مريضًا مرضًا لا يرجى شفاؤه، أو من كان في مثل أحوالهما، ولا يستطيعون الصوم لعذر، ولا يستطيعون القضاء، فهؤلاء عليهم دفع الفدية بدل الصوم. فهذه الآية هي الأصل وهي الحكم الثابت إلى يوم القيامة في حكم الفدية، وهو الإطعام عن كلّ يوم يفطر فيه العاجز عن الصوم مسكينًا واحدًا. وقد ثبت عن ابن عبّاس قوله في هذه الآية: “لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا” [البخاري: 4505].
🔹 من أمثلة ممارسة الإطعام فعليًّا عن سلفنا الصالح، ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في “تغليق التعليق” (4/177 – 178)، بأسانيد صحيحة، أنّه ثبت عن أنس بن مالك أنّه كان في العام الّذي مات فيه لم يستطع أن يصوم رمضان، فأطعم ثلاثين مسكينًا خبزًا ولحمًا، وزيادة حَفنة أو حَفْنتين. وفي رواية عنه: أنّه ضَعُفَ عن صوم شهر رمضان وكبر عنه، فأمر بمساكين فأُطعموا خبزًا ولحمًا حتى أُشْبِعُوا.
🔹 لا يوجد عندنا في الشريعة الإسلامية غير هذا الحكم الأصلي، ألا وهو: المعذور عن الصيام وجب عليه الإطعام عن كلّ يوم مسكينًا واحدًا. ولم يقل بغير هذا واحد من العلماء. فهو حكم ثابت بنصّ صحيح الثبوت، صحيح الدلالة.
🔹 الّذي جرى في المذاهب الفقهية من آراء هو مناقشة تقدير إطعام المسكين، كم يكلّف ماديًّا في زمانهم، كم يكلّف ما يقابله من الموزونات أو المطعومات. فاجتهدوا في تقدير إطعام المسكين في يوم واحد في زمانهم وبيئاتهم ووفق أعرافهم، فقالوا يكلّف مدّ كذا وكذا، أو صاع كذا وكذا. فهم لم يجتهدوا في بيان حكم الفدية، فالفدية عند جميع العلماء حكمها ثابت بالآية، إنّما اجتهدوا في تقدير إطعام المسكين عن كل يوم في زمانهم.
🔹 حينما ورد السؤال على فقهاء المذاهب في زمانهم عن كلفة إطعام اليوم للمسكين، ذهب بعض المالكية والشافعية إلى أنّ مقدار الفدية (إطعام المسكين) مدّ عن كلّ يوم (700غرام)، وكذا ذهب معهم طاووس وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي. وحينما سألوا الحنفية عن المقدار الواجب في الفدية قالوا: هو صاع من تمر (2010 غرام)، أو صاع من شعير، أو نصف صاع من حنطة، وذلك عن كل يوم يفطره، يطعم به مسكينًا، ويقدّر صاع الرز بـ(2650 غرام). وحينما سألوا الحنابلة عن المقدار الواجب، قالوا: الواجب مدّ برّ، أو نصف صاع من تمر (1005غرام)، أو شعير، ويقدّر نصف صاع الرز بـ(1325غرام). وداخل المذهب الواحد آراء متعدّدة، فهم قدّروها وفق ما يرون القيمة السوقية للوجبات في زمانهم لإطعام المسكين عن يوم واحد. وإلّا لماذا اختلفوا بينهم؟ هذه ليست أوزانًا منصوصًا عليها في الدين، إنّما هي تقدير للوجبات، بينما لحكم الفدية نصّ واضح بحسب الآية.
🔹 لا يوجد نصّ في الشريعة يمنع المسلمين من تقدير إطعام المسكين في كلّ زمن وزمن وفق القيمة السوقية للوجبات من أواسط الطعام، أو القيام بإطعام المسكين فعليًّا، أو إرسال وجبتين له من أوسط الطعام عن كلّ يوم يفطره المعذور، أو إحضاره للبيت وإطعامه فعليًّا وجبتي إفطار وعشاء مثلًا. هذا الحكم.
🔹 الاجتهادات الفقهية في تقدير الحكم الأصلي، ألا وهو إطعام الطعام، ليست تعبّديّة، ولا تنزل منزلة القطعيّات، ولم ترد في نصوص الشريعة على أنّها حكم الفدية، إنّما هي اجتهادات في تقدير كلفة إطعام مسكين في زمانهم.
🔹 عامّة العلماء تحدّثوا عن إطعام المسكين يومًا كاملًا، وليس فقط وجبة. ففي المدوّنة للإمام مالك بن أنس: قال: وسألنا مالكًا عن الكفّارة، أغداء وعشاء أم غداء بلا عشاء وعشاء بلا غداء؟ قال: بل غداء وعشاء. وفي المصنف لابن أبي شيبة: عن قتادة: يغدّيهم ويعشيهم. وعن الشعبي قال: غداء وعشاء. انتهى. وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: وأما المقدار في طعام الإباحة فأكلتان مشبعتان غداء وعشاء، وهذا قول عامة العلماء. والأعراف تحدّد اليوم أنّ الإطعام يكون وجبتين، فطورًا وعشاءً، وعند البعض ثلاث وجبات: فطورًا وغداءً وعشاء.
🔹 نحن في الداخل الفلسطيني48 نقدّر إطعام المسكين والّذي هو حكم الفدية بـ (30) شيكل، وفق القيمة السوقية للوجبات. وتقدير الفدية عندنا هو بإطعام مسكين وجبتين كلّ يوم أو قيمتهما، بحسب أوسط الطعام، لأنّ الله تعالى قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، وطعام مسكين في الداخل الفلسطيني48 لا يتحقّق بأن يُعْطى ربع صاع، أي حوالي نصف كيلو من القمح، أو حتى كيلو منه، بل إطعامه بأن تُشبعه ليومه، وهذا إنّما يتحقق بوجبتين. وسيظل حكم التقدير مفتوحًا إلى قيام الساعة، يراعى في قدر الطعام وصفته وقيمته عرف البلد الذي يقيم فيه دافع الفدية.
🔹 ننوّه لطلاب علم الأصول أنّ الفقهاء القدامى أبقوا حكم النصّ الشرعي هو الأساس، في حين جعلوا تقديراتهم لقيمة الفدية (إطعام مسكين عن يوم واحد). ولا ينبغي نحن أن نُهمل النصّ ونجعل من تقديرات الفقهاء القدامى هي الأصل، فنقيّم ما قيّموه في زمانهم لثمن الوجبة أو قيمتها. إنّما نبقى مع النصّ الأصل، ونقيّم في زماننا.
🔹 بخصوص المساكين والفقراء أو المعدمين أو المعسرين الّذين هم من أصحاب أعذار ولا يستطيعون إخراج الفدية، فحكمهم مختلف، وتخاطبهم نصوص أخرى لتجد لهم المخرج، مثل: إذا أتاهم من مال الزكاة يخرجونها، أو يخرجها عنهم غيرهم، أو يُخرجون ما يمكن أن يخرجوه ولو كان قليلًا جدًا حتى أقلّ مما ورد في تقديرات الفقهاء، أو إذا لم يجدوا شيئًا تسقط عنهم.
للتواصل:
الشيخ د. محمد طلال بدران/ مدير دار الإفتاء 0525820522
الإثنين 3/3/2025م – 3 رمضان 1446هـ