مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية قفل ومفتاح من الفولكلور السوري البنية والكلب الأسود ( حلقة 1 )

أنيس بن هالي

يحكى أن امرأة أقامت عند زوجها سنين كثيرة، لم تحمل فيها، وذات يوم كانت راجعة فيه مع زوجها إلى البيت ليلاً، فمرا بكلب أسود، نبحهما، فجفلت المرأة، وقالت في سرها:‏ “لو رزقني الله بنتاً، لزوجتها لكلب أسود”‏ومرت الأيام، وإذا المرأة تحسّ بآثار الحمل، فأدركت أن الله قد أجاب دعاءها، ولكنها خشيت أن ترزق ببنت، فتضطر عند ئذ للوفاء بنذرها، وكان ما خشيت منه، إذ رزقها الله ببنت، ففرحت بها هي وزوجها، فقد ملأت حياتهما أنساً وبهجة، ونسيت الأم نذرها.‏ ومرت الأيام فكبرت البنت، وأرسلتها أمها إلى الكتاب، لتتعلم القراءة والكتابة، وذات يوم، كانت البنت راجعة فيه من الكتاب إلى البيت، مر بها كلب أسود ونبحها، فخافت، وابتعدت عنه، فتبعها، وقال لها: “قولي لأمك، أوفي نذرك.
ومضت البنت إلى البيت، ونسيت أن تقول لأمها ما قاله لها الكلب، وفي اليوم التالي قال لها الكلب، ما قاله لها في اليوم الأول، ولكنها نسيت أيضاً، وكذلك الحال في اليوم الثالث، وفي اليوم الرابع سألها الكلب لم لا تقول لأمها ما يوصيها به ، فأجابته بأنها تنسى، ووعدته أن تفعل، فحذرها من النسيان، وأعطاها قطعاً من الحلوى، وطلب منها أن تضعها في جيبها، ولما بلغت البنت البيت نسيت أيضاً أن تقول لأمها ما أوصاها به الكلب، ولكن الأم رأت قطع الحلوى في جيب ابنتها، فسألتها عن مصدرها، فذكرت الكلب، وأخبرتها بما أوصاها به، وذكرت الأم نذرها، وحزنت لذلك، ولما جاء زوجها في المساء أخبرته بالأمر كله، فحزن الأب، وقال للأم: “لابد من الوفاء بالنذر”.‏
وبات الأبوان يهيئان نفسيهما لفراق ابنتهما، وكأنهما في كل يوم على موعد مع الكلب الأسود.‏ وذات يوم قرع الباب، فخفق قلب الأم، وأسرعت تفتحه، وإذا الكلب الأسود في الباب، فأدركت قصده، ورجعت إلى البنت، وقالت لها: “تهيئي يا بنتي”، ثم حكت لها ما كان من أمر النذر، فاستجابت البنت، ودخلت على أبيها فودعته، ثم ودّعت أمها، وخرجت إلى الكلب، ومضت تسير إلى جانبه، تاركة أبويها يبكيان.‏ وسار الكلب بالبنت، حتى بلغا خارج البلدة، فطلب منها أن تصعد على ظهره، فصعدت، فطار بها، وحلق في أجواء الفضاء، وهي متشبثة به، وبعد زمن من التحليق سألها: “كيف ترين الأرض؟” ، فأجابت: “مثل صينية كبيرة”، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: “مثل الصحن الكبير”، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: “مثل صحن صغير”،
وعندئذ حط بها، فإذا هي أمام قصر فخم، فرشه من الديباج، وغطاؤه من الحرير، تتصاعد من حوله أبخرة المسك والكافور، وتركها الكلب هناك، وغاب.‏وأخذت تجول في أنحاء الغرفة، مدهوشة لما ترى من أثاث ورياش، ثم أطلت من النافذة، فرأت أمامها فناء واسعاً، في وسطه بركة ماء، تترقرق أمواجها الناعمة، وتسبح فيها الأسماك الملونة، وتتنقل على أطرافها الطيور، وتحيط بها الأشجار المزهرة، من شتى الأنواع، ونزلت إلى حديقة القصر، وأخذت تتسلى وتمرح، حتى كان المساء، فرجعت إلى مخدعها، وقدمت لها الخادمة، بعد عشاء فاخر، فنجان قهوة، فشربته، فأحست بنعاس لذيذ، فأوت إلى فراشها، واستسلمت لنوم عميق.‏

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق