مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية قفل ومفتاح من الفولكلور السوري أمير القمر ( حلقة 2 )

أنيس بن هالي

وفي الصّباح نهضت الفتاة على رائحة الأزهار وشدو العصافير ،فأحسّت بالرّاحة ،على الأقل لا تسمع هنا صياح أمها ،وقولها المستمرّ بأنّها لا تصلح لشيئ فما الذى ستفعله لمّا تعلم أنّها تعيش حياة الأميرات ؟ كان الكلب يجيئها بأحسن الطعام وأفخر اللباس، ومواد الزّينة ،ولمّا سألته :لماذا يفعل ذلك ؟ أجابها : ليلة إكتمال القمر سيأتي سيدي ويتزوّجك ،فكوني في أحسن حال ،وكلّ مرّة تحاول الفتاة معرفة من هو سيّده ،وكيف شكله ؟كان يجيبها بأنه جميل الوجه كالبدر، وسيعجبها ،لم يكن أمام الفتاة ما تصنعه سوى تخيّل ذلك الفتى الذي سيأتي للزّواج منها ،لكن السّؤال الذي لم تعرفه هو لماذا إختارها هي من دون البنات ؟ وهل هو من الإنس أم الجنّ ؟ أمضت البنت بقيّة الأيّام وهي تتفرّج على الزّهور،وتدور في القصر، وتعجّبت لأنّه لم يكن هناك أحد لا من الحرّاس أو الخدم ،ولا ترى سوى الكلب الذي يظهر أمامها ثم يختفي كأنّ الأرض إبتلعته ،وفي الأخير عرفت أنّ هناك بابا لا تراه العين ،يدخل منه الكلب ويخرج ،وذلك يجعلها تحسّ بالخوف ،فماذا يوجد خلف ذلك الباب ؟ ومن يضمن لها أنّ مخلوقات مرعبة لن تأتيها في الليل لما تكون مستغرقة في النّوم .
كانت الفتاة لطيفة وجميلة ،وقد زادتها أثواب الحرير والزّينة التي على وجهها فتنة وحسنا ،وصار الكلب يتأخّر في الإنصراف، ويجلس إلى جانبها ،وهو يحرّك ذنبه بسعادة ،وأدركت الفتاة بإحساسها أنّ ذلك الكلب فتى مسحور، ووراءه سر كبير، ولا بدّ أن تعرفه ،وفي الغد تعطّرت ،وطلت شفتيها بصباغ وردي جميل، وجلست تنتظر الكلب ،وكعادته ظهر فجأة أمامها ،وفي يده طبق الطعام والشّراب ،فمسحت على رأسه ،ودعته للأكل معها فتردّد قليلا ،ونظر إليها، لكنّها إبتسمت له ،فلم يستطع أن يقاوم جمالها ،وقال : حسنا لقمة واحدة لا غير، وإلا نالني العقاب الشّديد !!! أطعمته الفتاة ،وقالت له: لقمة أخرى تشتهيها عيناك، ولما أكل ،قالت: واحدة أخرى يتذوّقها لسانك ،وكلّ مرّة تمدّ له الطعام فيأكل. ولمّا شبع، قال لها : أنت في خطر، وبعد يومين سيأتي سيدي ملك الجنّ ويتزوّجك ،و مرّة في الشّهر ليلة إكتمال القمر يتحوّل إلى شاب وسيم، ويتزوج بنتا من الإنس آتيه بها كلّ شهر،وهكذا الحال منذ سنوات طويلة .
أجابت الفتاة: وأين المشكلة في ذلك ؟ ليست هذه أوّل مرّة يتزوّج الجنّ من الإنس !!! أجابها :ليس كل الجن مثل بعض، وهؤلاء عاشوا منذ أقدم الأزمان، وهم يأكلون الناس ،وهذا الجنس قد هرم وتناقصت أعداده لذلك فإن الملك يتزوج من إنسية ليكون لهم نسل جديد ،ولما يكبر الجنين في بطن أمه فستتحوّل إلى طعام له ،ومن أتيت بهنّ كثيرات ،وكلّما تدعو امرأة على إبنتها أحضرها لملك الجنّ. توقّفت الفتاة عن الأكل، وصاحت في ذعر : يعني أني سأموت ؟ أجابها: لا ،وكلّ هذا يجب أن ينتهي ،وبعدما إعترضت عمّا يفعلونه حولني الملك لكلب، لقد عشنا طويلا، والآن إنتهى زمننا،إسمعي ، لا بد أن نهرب، المشكلة أنّ الدّخول و الخروج من القصر صعب، لأنّ الوحيد الذي يقدر على فتح البوابة هو الملك ،وفي رقبته هناك سلسلة يتوارثونها أبا عن جد فيها قفل ومفتاح ،ويجب الإحتيال عليه لسرقتهما، سألته وكيف ذلك؟ أجابها: ليلة إكتمال القمر سأحضر لك شرابا مسكّرا أصنعه من الرّمان، فاسقيه حتى ينام، واخلعي السّلسلة من رقبته ، ثم ناديني لكي نخرج معا ،بعد ذلك قال لها: سأذهب الآن ،فالعيون كثيرة في القصر ،والجنّ يحذرون منّي كثيرا ،نفّذي ما قلت لك عليه ،وسنهرب من هذا القصر .
لم يتبقّ على إكتمال القمر سوى يومين ،أمضتهما الفتاة في قلق ،وخوف شديدين ،في الليلة الأخيرة سمعت نعيق الغربان في حديقة القصر ،فانقبض قلبها ،ورويدا رويدا نزل الليل ،وكان القمر بديعا يرسل نوره على شرفتها ،وكانت أنظار الفتاة مركزّة على الحائط الذي يظهر منه الكلب، لكنّها سمعت طرقا على الباب، وحين إلتفتت ناحيته ،وجدت فتى طويلا ووسيما يبتسم لها ،فتفاجأت كثيرا، ولم يكن يختلف عن غيره من الفتيان باستثناء حسن هيئته وملبسه ، ثم تقدّم منها ،ووضع في عنقها قلادة ثمينة من الذّهب وفي معصميها الأساور ،وحادثها بلطف وأدب إلى درجة إعتقدت أن الكلب يكذب عليها ،ثم قال لها: لقد رأيتك في القصر ،وأحببتك، وأريد أن أتزوّجك هذه الليلة وأجعلك ملكة ،بعد ذلك يمكنك الخروج والذّهاب لأهلك ..

يتبع الحلقة 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق