
كان أبي يغضب عندما يرى أمي ترمي الأرز المتبقي من العشاء وتذهب به إلى شجرة النارجيل خلف المطبخ لتلقيه هناك، ويسألها بغضب: “ألا يمكنكِ أن تطبخي ما يكفي فقط؟”
وكان أبي يفتح أغطية علب الكزبرة والفلفل والشاي والسكر المعلقة على الرف في المطبخ بين الحين والآخر، ويسأل: “ألم نشتر هذه الأشياء بالأمس؟ كيف نفدت بهذه السرعة؟”
عندما كنت في المدرسة الابتدائية طلبت منه نعلا بلاستيكيًا ليحل محل نعل “هاواي” من المطاط الرخيص الذي كان يلطخ ظهري بالطين في موسم الأمطار، قال أبي لي: “إذا مشيت بحذر، فباستطاعتك الوصول إلى المنزل دون أن يتلطخ قميصك بالطين، حتى لو كنت ترتدي هاواي.”
عندما كان يرسلني لشراء الأغراض من المتجر، كان أبي يقلب الأوراق النقدية التي كان يعطيني إياها مرارًا وتكرارًا ويعدها عدة مرات ليتأكد من عدم وجود أي ورقة نقدية غير محسوبة ملتصقة بها.
في كثير من الأحيان، عندما كان يقطع لي صاحب الدكان مئة جرام من القرع أو اليقطين أو القلقاس، كانت ابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه .
كنت أعلم أنني إذا دفعت ثمن الأغراض بالضبط، فلن يبقى معي حتى ثمن حبة حلوى، ولذلك كنت أكتفي بالنظر إلى جرة الحلوى هناك وأتحسر.
كل عيد أونام ننتظره بفارغ الصبر، عندما كانت أمي ترى أبي يشتري لي ولأخي قماشًا لقمصاننا من نفس اللون، كانت تسأله دائمًا: “لو كانت الألوان مختلفة، ألم يكن بإمكانهما أن يتبادلا القمصان؟”
ذلك السؤال من أمي لم يحصل على إجابة أبدًا!
في أول يوم عمل لي، لمست قدمي أمي لأحظى بدعائها وتبارك لي في عملي .
كان أبي في ذلك الوقت يعمل في الحقل.
في أحد الأيام، رأيت أبي يمسك حذائي من الجلد الذي كان على الشرفة، ويقلبه مرارًا وتكرارًا.
كان وجه أبي، الذي لم يلبس حذاءً في حياته قط، مليئًا بالفضول حينها!
سلمت راتبي الأول لأمي.
في الأيام التي كنت أودع فيها أمي فقط وأغادر، كان أبي يجلس صامتًا على الشرفة غالبًا، كشاهد صامت.
شيئًا فشيئًا، كنت أستحوذ على لقب رب الأسرة من أبي.
أصبحت الخضروات والحلويات التي كنت أشتريها بلا حساب تتلف وتفسد في المطبخ.
في البداية، كان أبي يغضب عندما يرى كل ذلك، ولكن عندما أدرك أن كلامه لا يجدي، أصبح صامتًا.
أبي، الذي كان يطفئ كل مصباح يضاء بلا داعي بعد الساعة الحادية عشرة ليلًا، لم يعد يمر من هناك بعد ذلك.
كنت أستمتع فعلًا بالتحكم في شؤون البيت بعد أن تحررت من جناح أبي.
شيئًا فشيئًا، أصبح أبي صامتًا تمامًا في ذلك المنزل.
في أحد الأيام، عندما جاء زملاء لي من العمل لزيارتي، جاء أبي من الحقل وهو يرتدي قميصه الممزق الذي تفوح منه رائحة العرق وتحدث معهم، واضطررت أن أقول له في وجهه إن هذا قد يقلل من مكانتي وقيمتي.
بعد يومين، بينما كنت أقف بجانب النافذة، شعرت أن أبي يتحدث إلى شخص ما في الحقل.
عندما ذهبت لأرى، وجدته جالسًا مع الفأس ويتحدث إلى نفسه وليس هناك أحد سواه
في اليوم التالي، سمعت أمي تقول إن أبي لا ينام ليلًا هذه الأيام، وإنه يقضي وقته في النظر إلى الكتب القديمة في الخزانة ويتحدث إلى لا أحد.
بعد أن قالت كل شيء، نظرت إليّ أمي بألم وقالت: “ابني، لقد أصاب أباك شيء ما.”
في ذلك المساء، عندما عدت من العمل، كانت الظلمة قد حلت. عندما وصلت إلى الفناء، سمعت صوت الفأس تحفر الأرض.
ذهبت لأرى، ووجدت أبي يحفر الأرض في كل مكان وهو يغمغم بشيء ما.
عندما دخلت البيت ، جاءت أمي واحتضنتني بخوف، وأشارت إلى أبي وبدأت تبكي.
اتصلت بصديق أبي الوحيد، السيد شنكر، الذي كان يعيش بعيدًا عن أقاربه وعائلته، وأخبرته بكل شيء.
في اليوم التالي، جاء شنكر إلى المنزل وجلس مع أبي لفترة طويلة. مشيا معًا في الحقل وتحدثا لفترة طويلة.
عند المغادرة، أمسك شنكر بيدي وسار معي لمسافة قصيرة.
أخبرني شنكر ماضي أبي الذي لا يعرفه أحد ولم يخبر به أحد.
عند المغادرة، قال شنكر بصوت متقطع: “عالمه هذا البيت وهذا الحقل وأنتم يا أبنائي، احرصوا على ألا يختل توازنه، وإلا فلن يغفر الله لكم .”
وقفت أنظر إلى شنكر وهو يغادر دون أن أستطيع أن أقول له أي شيء.
ومما سرد لي شنكر بأن أبي، عندما كان يتمنى أن يرتدي قميصًا في صغره، كان يطلب قميصًا قديمًا من الجندي السيد كونجابا، ويقصه ليصغره ويرتديه!
وقال أيضا إن أبي، عندما كان يتضور جوعًا، كان يذهب إلى الجيران ويطلب ماء الأرز المخصص للماعز، ثم يقلبه بيده ليأخذ حبيبات الأرز من القاع ويشربها ليسد جوعه!
تألم قلبي عندما أدركت أنني لم أتمكن من فهم أبي حتى الآن.
بحثت عن أبي في الداخل. لم أجده.
نظرت في المطبخ وفي الممر. لم أجده هناك أيضًا.
أخيرًا، مشيت إلى الحقل.
كان يحفر هناك بأدواته المزرعية
مشيت ببطء نحو أبي.
كانت عيناي تفيضان بالدموع وأنا أسير نحو ذلك الأب الذي لم يسمح لأطفاله بالوقوع في نفس المصير الذي عاشه، عندما كان يرتدي قميصًا قديمًا مقصوصًا من جاره.
كان رأسي ينحني بالذنب وأنا أسير نحو ذلك الأب الذي لم يسمح لأطفاله بالوقوع في نفس المصير الذي عاشه، عندما كان يشرب ماء الأرز من منزل الجيران ليسد جوعه.
عندما اقتربت، احتضنت أبي من الخلف.
استدار أبي ونظر إليّ، ووقفت أمامه وأنا أضم يدي وأعتذر باكيا
وقلت له: “اضربني يا أبي بهذه اليد!” وأمسكت بيده اليمنى ووضعتها على وجهي، فرفع أبي يده ومسح بها على رأسي وسأل:
“ألا تضع زيتًا على شعرك؟ لماذا هو متطاير هكذا.”
ناديت: “أبي!” واحتضنته وقلت: “تكلم، عاتبني ولو بكلمتين!”
لم يقل أبي شيئًا، فقط استمر في النظر إلى وجهي.
انتزعت الفأس من يده، وأمسكت بيده وسرت به إلى المنزل.
كنت أعرف أن احتضاني له بهذه الطريقة سيعيد التوازن إلى عقله الذي اختل.
كنت أعرف أن كل أب يرغب في أن يحتضنه أبناؤه بهذه الطريقة.
أحضرت وعاء من حساء الأرز، وسكبت بعضًا منه في يدي، ووضعته في فمه، وبدأ يقول: “يكفي يا بني، لقد شبعت.”
عند سماع ذلك، همست في أذنه: “كُل كل ما في الصحن يا أبي، وإلا فإن أمي ستلقي الأرز المتبقي عند شجرة النارجيل!”
عند سماع ذلك، بدأ أبي يأكل كل لقمة بحماس.