مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ملك الملوك والبستاني من قصص العبرة والفلسفة حبّ المال يدلّ على ما بأنفسنا

في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان عاش ملك في أحد البلدان البعيدة ،ولقد رزقه الله من خيره فكان عنده المال وقطعان الماشية التي تملأ المراعي، ولكنه كان غير راض عن نفسه ،وعما هو فيه من رغد العيش، ويريد أكثر ،وصار يمضي وقته يفكّر كيف يزيد في ثروته ، أمّا الرّعية فكانت تعاني من الفقر الشّديد ولم يكن الملك يهتمّ بمباني المدينة التي صارت آيلة للسّقوط ،ما يعنيه سوى ملأ خزائنه ، فهي ملاذه الآمن إن قسى عليه الزّمن ،تغير الأعوان .وعاب عليه النّصحاء بعدم عنايته بالمدينة ،فردّ بانّ المال في الصّناديق أفضل منه في الجدران والحجارة .
وذات صباح استيقظ هذا الملك على صوت جميل يأسر القلوب ،يغنّي بهدوء وسعادة،فأطلّ من الشرفة على مصدر هذا الغناء، ورأى بستانيّا يعمل في الحديقة ،وكان وجهه ينم على الطّيبة والقناعة ،فاستدعاه الملك إلى مجلسه وسأله:لما أنت سعيد هكذا ،مع أنك مجرد عامل ودخلك قليل؟ فردّ عليه :أنا أعمل عند الملك ،وهذا أعظم شرف وأحصل على ما يكفيني ولا أعرف الترف ، ولي سقف أنام تحته، وخبز يوضع للأكل على طاولتي ،وعائلته سعيدة وفلا يهمّني أي شئ آخر،فالله أعطاه كل ما يريده ، فتعجب الملك لأمر هذا البستاني الذي يعيش على الكفاف في حياته ومع ذلك فهو قانع وأيضا سعيد بما هو فيه!!!فنادى الملك على وزيره وأخبره من حكاية هذا الرجل..
.فاستمع له وزيره بإهتمام شديد ثم أخبره أن المال هو ما يفسد النفس وسيريه كيف ثم أخذ صرة فيها تسع وتسعون دينارا ذهبيا وكتب على الصرة مائة دينار وانتظر أمام دار البستاني،ولما رآه قادما وضعها أمام بابه ثم رجع إلى القصر ،وقال للملك سترى أن الرجل عوضا أن يفرح ستسوء حله ،فضحك الملك، وقال له إذن موعدنا في الصباح لما هم البستاني بالدخول لداره رأى الصّرة فالتفت يمينا وشمالا ،فلم ير أحدا فطار من الفرح ودخل بها إلى داره ،وهو يهلّل ويكبر وفرحت إمرأته وصغاره ثم أفرغها على الطاولة وبدأ يعد القطع فوجدها تسع وتسعون قطعة.
فاستغرب ،وقال في نفسه مكتوب على الصرة أن فيها مائة فأين ذهبت القطعة الأخيرة ثم فكّر أنه ربما أخطأ في الحساب أعاد عدها من جديد ،وكل مرّة يجد نفس المقدار تسعة وتسعين ،نظر حوله لعلها سقطت ،منه ونادي إمرأته ومعها الأولاد فبحثوا في الغرفة تحت الطاولة ،ووراء الأسرة ،ثم بحثوا في كلّ الغرف ،وقلبوا كل شيئ ،ثم إتّهم البستاني إمرأته بأنّها من سرقها وأخفتها، فتخاصما خصومة شديدة وعلا صوته عليها ،وغضبت المرأة ،ولم تطبخ عشاءها كالعادة، ولم تجتمع العائلة حول المائدة الصّغيرة ،وغابت عنهم السّعادة تلك اللّيلة لأجل دينار واحد .
بات البستاني ليلته يفكّر كيف سيعوّض القطعة النّاقصة ،ثمّ وجد حلاّ ،فهو سيتمّ عمله بسرعة في القصر، ثم يبحث عن شغل آخر ،وبعد أيّام بدأ يظهر التعب على البستاني الذي صار يعمل كل اليوم ،ولا يعود لداره إلا في وقت متأخر ،وكان الوزير يراقبه ويرى ماذا يفعل ،وفي النهاية ربح الدينار الذهبي ،لكن عوضا أن يعود إلى حياته الهادية أعجبه جمع الذّهب ،فصار يقتّر على أهله ونفسه ،حتى جاع صبيانه ولم يعد البستاني يغني كعادته إنما صار كل همه الإنهاء ليذهب لعمله الثاني ،ولم يعد يعتني بنفسه ،هندامه فطالت لحيته، صارت رائحته مقرفة ،ولما يرجع لا يفكر سوى في النّوم ونسي أسرته وغاب الحب والحنان على الدار ،وصار يصرخ على أبنائه ،إن قاموا بأقلّ ضجّة بعد  أن كان  يقبلهم  ،ويلاعبهم عند عودته.
فاستمع الملك للوزير جيّدا الذي طلب منه تفسير ما حدث لذلك الرّجل الذي كان سعيدا ، وعوضا أن يفرح بما وجده من ذهب فقد صار تعيسا مهموما لا يكحل النوم جفنيه ثم أخبره الوزير:إن البستاني تعوّد منذ الصّغر على الحياة البسيطة وأقصى حلمه أن يعيش مع أسرته في بيت يأويه يأكل معهم ويشرب ،ويلبس ما ستر وقد كانت هذه حال أبيه من قبله وهو سعيد بحياته لا شئ ينغص عليه شيئ.ولكن فجأة دخل على حياته ىشيئ غير معهود، لقد صار معه تسعة وتسعون قطعة ذهبيّة ،فأراد المزيد، لأنه إنتقل من حال لآخر فلم يعد يعيش ليأكل فقط ويشرب فلقد إنفتحت عينيه عن الدّنيا ،هل تعرف يا مولاي أنّ الإنسان إذا رزق بالنّعمة فجأة، فهو لا يعود يقتنع بما لديه حتى ولو كان يكفيه، قد تسأل نفسك لماذا؟ والجواب لأنّه يخاف دائما من الفقر، أما الغنّي الذي لم يعرف الفقر ،فيفعل ذلك لضعفه ،فقوّته هي فقط في ماله ،فطأطأ الملك برأسه ،وقال للوزير: لقد أصبت، فأنا لا أثق بأحد ممّن هم حولي وأخشى جيراني من الملوك ،فبماذا تنصح لي يا وزير ؟ فردّ : إن زرعت شجرة ثابتة الجذور، فلن يقتلعها أحد لا العواصف ولا السيول .
فهم الملك الدّرس، وبدأ في بناء المساجد ،والمستشفيات ،والجسور،فأحبّته الرّعية وهابه أعداءه، أمّا البستاني فأعطاء الملك ركنا من حديقته الواسعة له ولأطفاله ،وفيها أصناف الثمار ،والرّياحين ،وصار يبيع منها في السّوق فحسن حاله ،ورجعت إليه البسمة ،فلم يعد يخشى الفقر ،أمّا الملك فلم يعد يخشى من حوله ،فالمال يكمل دوما الحاجة التي تنقصنا ،قد يكون خوفا أو ضعفا ،ومكنونات النّفس كثيرة لا يعلم بها إلا خالقها .

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق