منوعات
فوائد التنفس العميق لزيادة تركيزك وإنجاز مهامك سريعاً
في الواقع، أندهش من أن التحكم في التنفس ليس من بين الأساليب التي يُنصح باستخدامها وممارستها بشكل أوسع، ربما لأنه يبدو أسلوباً بسيطاً ومألوفاً وواضحاً بدرجة كبيرة لا تسمح باعتباره نوعاً من العلاج، وقد تفترض الكثيرات في ظل ما يواجهونه من تعقيدات في تعاملاتهن مع تقلبات الحياة البشرية أن الحلول البسيطة ربما لا تكون فعالة.
ولاشك أن بعض أساليب التنفس يُمكنها المساعدة على تحسين أسلوب الحياة بشكل عام، مثل تقليل التوتر ومنع الأرق والتحكم في المشاعر وتحسين القدرة على الانتباه. ووفقاً لذلك فقد أثبت عدد متزايد من الدراسات أن أساليب التنفس تكون فعالة ومؤثرة في مواجهة القلق المرضي والأرق. كذلك تؤثر هذه الأساليب في العوامل الفسيولوجية “بتحفيز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي”، والعوامل النفسية ” تشتيت الانتباه عن أفكار بعينها”.
وعملية التنفس جوهرية للحياة، فلا عجب أن البشر اكتشفوا أهميتها منذ قديم الأزل، ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، وإنما كذلك لأداء الجسم والعقل وظائفهما، وبدأ البشر في التحكم في هذه العملية لتحسين الرفاهة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ظهر قبل قرون الكثير من النصائح بخصوص كيفية ضبط عملية التنفس والتأثير على الصحة والعقل، وكان أسلوب اليوغا المعتمدة على التحكم في التنفس ” Pranayama” أول مذهب يضع نظرية تقول إن التحكم في التنفس طريقة من طرق إطالة العمر.
وفي العصر الحديث، خلال عشرينيات القرن الماضي، طوّر الطبيب النفسي الألماني يوهانس هاينريش شولتز “التدريب الذاتي” كطريقة للاسترخاء، ويستند هذا الأسلوب جزئياً إلى التنفس ببطء وعمق، ولا يزال على الأرجح أفضل أسلوب تنفس معروف اليوم في الغرب لتحقيق الاسترخاء، كما أن الأشكال المعاصرة من تأمل اليقظة الذهنية ” Mindfulness meditation” تؤكد أهمية التمارين القائمة على التنفس.
وعموماً تُعد كل أساليب الاسترخاء أو الهدوء أو التأمل على التنفس القاسم المشترك الأصغر في جميع الأساليب المستخدمة لتهدئة الجسم والعقل، بالإضافة إلى هذا، تؤيد الأبحاث التي أُجريت بخصوص أساسيات علم الفسيولوجيا والآثار المترتبة على تطبيق أساليب التحكم في التنفس أهمية وقيمة مراقبة وتنظيم عمليتي الشهيق والزفير.
من هذا المُنطلق، سنُطلعك عزيزتي على فوائد التنفس العميق لزيادة تركيزك وإنجازك مهامك سريعاً، وذلك من خلال استشارية الطب النفس الدكتورة لبنى عزام من القاهرة.
تأثير التنفس العميق على العقل
أوضحت دكتورة لبنى، أن فهم مبادئ علم الفسيولوجيا يُساعد على تفسير قدرة التحكم في التنفس على إحداث الاسترخاء. ففي هذه الأوقات يكون الإنسان تحت تأثير الجهاز العصبي الباراسمبثاوي الذي ينتج عنه تأثير مسبب للاسترخاء، وبالعكس، عندما يشعر المرء بالخوف أو الألم أو التوتر أوعدم الارتياح، تتسارع أنفاسه وتصبح أقصر، وعندها ينشط الجهاز العصبي السمبثاوي، المسؤول عن ردود فعل الجسم المختلفة تجاه الضغوط، وما لا يعلمه الكثيرون أن هذه الآثار تنشأ في الاتجاه المعاكس أيضاً، أي إن حالة الجسم تؤثر بدورها في المشاعر، وأثبتت الدراسات أنه عندما يبتسم الوجه يكون رد فعل الدماغ مشابهاً، وعندها يستشعر المرء أحاسيس أكثر إبهاجاً، والتنفس على وجه التحديد، له قوة سحرية وتأثير خاص على العقل.
أسلوب تنسيق التنفس مع معدل ضربات القلب
أشارت دكتور لبنى، إلى أن هذا الأسلوب تطور بناءً على فكرة أن التنفس البطيء العميق يؤدي إلى زيادة نشاط العصب الحائر، وهو جزء من الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، يتحكم هذا العَصب في نشاط العديد من الأعضاء الداخلية ويقيس نشاطها كذلك، وعند إثارته، يسري الإحساس بالهدوء في الجسم لتباطؤ ضربات القلب وانتظامها، وتناقص ضغط الدم، وتراخي العضلات، وعندما يخبر العصب الحائر الدماغ بهذه التغيرات، يسترخي الدماغ هو الآخر، ما يُزيد من شعور الهدوء والسكينة.
وبناءً عليه، يعمل هذا الأسلوب بآليات بيولوجية عصبية وآليات نفسية على حد سواء. ويُمكن أن يؤدّي استقرار معدل ضربات القلب، عبر ممارسة تدريب “اتساق القلب”، إلى التخفيف من حدة القلق المرضي بشكل كبير، وعلى العكس يجري في بعض الأحيان تشخيص المرضى الذين يعانون من تسارع ضربات القلب خطأ بأنهم مرضى نوبات هلع، لأن تسارع ضربات القلب يؤثر في العقل.
التوقيت المُناسب لاستخدام أساليب التنفس
ولفتت دكتورة لبنى، لوجود أوقات مُناسبة لاستخدام أساليب التنفس وهي نوبات القلق المُتفرقة، وعلى سبيل المثال ” قبل الخضوع لأحد الاختبارات، أوقبل دخول منافسة رياضية، أوحتى قبل حضور اجتماع روتيني في العمل”.
وعموماً، لا تُحقق أساليب التنفس نجاحاً في حالات التوتر الحاد أومشكلات النوم فحسب، بل إنها يُمكن أن تُساعد أيضاً على التخفيف من حدة القلق المزمن، وهي كذلك أساليب فعّالة بشكل خاص مع النساء اللواتي يُعانين من اضطرابات نفسية، مثل حالات الرُهاب والاكتئاب واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة.
وتتضمَن أساليب التنفس العميق والصحي مجموعة مُتنوعة من التمارين مثل ” التنفس البطني، وتسريع وإبطاء وتيرة التنفس، والتنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف”، مع بعض تمرينات اليوغا. والجدير بالذكر أن المعالجون ينصحون بأداء هذه التمرينات بانتظام في أثناء اليوم، أو خلال فترات الراحة، أو الأوقات الفاصلة بين نشاطين، فكل ما عليكِ فعله ببساطة أن تتوقَفين عما تفعلينه للتعديل من وضع جسمكِ كي تمنحي نفسكي بِضع دقائق من التنفُس الهادئ.
أساليب التنفس لزيادة تركيزك وإنجاز مهامك
استعرضت دكتورة لبنى أهم أساليب التنفس شائعة الاستخدام، كي تُدربي نفسك عليها يومياً لمدة 10 دقائق لزيادة تركيزك وإنجاز مهامك والتخفيف من حدة نوبات توترك المُتفرقة، وذلك على النحو التالي:
-
انتصاب القامة للتنفس
وضع الجسم له أهمية كبيرة في التنفس: لذا اجعلي جسمكِ منتصباً دون تصلب، وأرجعي كتفيكِ إلى الخلف سواء أكُنت جالسة أم واقفًة، هذا الوضع يُسهل الحركة الحرة لعضلات التنفس “عضلات الحجاب الحاجز وبين الضلوع”، كما أن الوضع الصحيح لجسمك سيُساهم في التنفس بصورة صحيحة دون تدخل منكِ.
-
مُتابعة التنفس العميق
مراقبة حركات الجهاز التنفسي: يجب أن تكوني واعية بكل حركات الشهيق والزفير، لذا ركزي على الإحساس الذي تشُعرين به عندما يمر الهواء عبر الأنف والحلق، أو ركزي على حركات الصدروالبطن، وعندما تشُعرين بتشتت أفكارك “وهو أمر طبيعي” حاولي إعادة تركيز انتباهك على عملية التنفس مرة أخرى.
-
التنفس العميق البطني
حاولي التنفس “عبر المعدة” قدر الإمكان: ابدأي بالشهيق وانفخي بطنك كما لو كنتِ تملئيها بالهواء، ثم املأي صدرك بالهواء، وعند الزفير فرغي بطنك أولاً ثم صدرك. علماً أن هذا النوع من التنفس أسهل في وضع الرقود، مع وضع إحدى يديكِ على معدتك.
-
التنفس العميق الإيقاعي
عند قرب نهاية كل عملية شهيق، توقفي لفترة وجيزة وعدي في ذهنكِ من 1 إلى 3 مع حبس الهواء قبل الزفير، ويُمكنك كذلك العد مع عدم التنفس بعد الزفير، أو بين كل عملية شهيق أو زفير. غالباً ما يُنصح بأسلوب التنفس هذا للمرضى الذين يعانون من القلق لتهدئة نوبات القلق لديهم، إذ إنه يساعد على إبطاء معدل التنفس بشكل مفيد.
-
التنفس العميق التبادلي فيما بين فتحتي الأنف
تنفسي الهواء ببطء، شهيقاً وزفيراً، عبر إحدى فتحتي أنفكِ مع إغلاق الفتحة الأخرى بإصبعكِ، ومن ثم اعكسي العملية واستمري في التبديل بين الفتحتين بانتظام. هناك العديد من الأشكال المُختلفة لهذا التدريب، ومنها على سبيل المثال: الشهيق عبر إحدى فتحتي الأنف والزفيرعبر الفتحة الأخرى. علماً أن التنفس عبر الأنف له تأثير مهدىء نوعاً للجسم بدرجة أكبر من التنفس عبر الفم.
-
التنفس العميق بالأنف أوالفم
أوضح الباحثون، من معهد كارولنسكا الطبي في العاصمة السويدية بستوكهولم، أنهم طلبوا من مشاركين متطوعين شم 12 من الروائح المختلفة في مناسبتين منفصلتين، وتم تقسيم المشاركين إلى مجموعين يقومون بالتنفس إما من خلال الأنف أو الفم لمدة ساعة. وبعد انقضاء الساعة، قدم الباحثون إلى المشاركين تلك الروائح الـ12 إلى جانب سلسلة من الروائح الجديدة، وطُلب من المشاركين أن يميزوا ما إذا كانت كل رائحة من بين المجموعة السابق شمها، أم أنها رائحة جديدة. تبين أن أولئك، الذين أمضوا ساعة في التنفس من خلال أنوفهم كانوا أكثر قدرة على التمييز بين الروائح السابقة والجديدة بالمقارنة مع أولئك الذين قضوا الوقت في التنفس المؤقت من أفواههم. ويقول أرتين أرشاميان، الباحث في معهد كارولنسكا “تظهر دراستنا أننا نتذكر الروائح بشكل أفضل إذا كنا نتنفس من خلال الأنف عندما يتم توحيد الذاكرة، وهي العملية التي تحدث بين التعلم، واسترجاع الذاكرة”.
-
التفكير في أمور مُطمئنة خلال التنفس العميق
مع كل نفس، أشغلي عقلك بأفكار مُطمئنة “أنا أستنشق الهدوء”، ومع كل عملية زفير تخيلي أنكِ تطردين من جسدك مشاعر الخوف والقلق “أنا أزفر التوتر”. والجدير بالذكر أن التجارب السريرية أثبتت صحة هذا الأسلوب لزيادة تركيزك على الداوم.
فوائد التنفس العميق لكل الجسم
وأخيراً، أكدت دكتورة لبنى أن التنفس العميق والعقلاني يُنشط الجهاز العصبي السمبتاوي ويعزز حالة من الهدوء والرفاهية في جميع أنحاء الجسم. ولكن إذا كانت عملية التنفس قصيرة وضعيفة فتؤدي إلى ارتفاع مستويات إفراز هرمون الكورتيزول، ما يجعل الجسم يتحول إلى وضعية القتال أو التوتر والعصبية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يقتصر دور الأنف على حاسة الشم أو التنفس فحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى قوة الذاكرة وتعزيز الحالة الصحية بصفة عامة، ومن الأدلة على ذلك تمرينات التنفس العميق في اليوغا والتأمل التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنوات.
المصدر : مجلة هي