مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه / كاملة
جزء اول
يُحكى عن تاجر في أسواق المدينة العتيقة إسمه بهاء الدين ،كان ذلك الرجل بارعا في البيع والشراء، وكل ما وقعت في يده بضاعة إلاّ وربح فيها، و عرفه الناس فكانوا يقصدونه لأمانته وكرم أخلاقه. ولقد أعطاه الله من خيره إلى درجة أنّ تجّار السّوق ضاقوا ذرعا منه، وقالوا فيما بينهم إنّه يسدّ باب الرزق عليهم، فدبّروا له مكيدة عند شهبندر التجّار، وإتّهموه بالتّحيّل والسّرقة ،ودفعوا مالا ليشهد عليه بعضهم زورا . ولمّا سمع الشّهبندر بكثرة ماله أصبح يأتي إليه ،ويحقّق معه في كلّ كبيرة وصغيرة .فلم يعد التّاجر يطيق حسد التّجار في السّوق، ومعاملة كبيرهم له، فباع كلّ ما يملك بنصف ثمنه ،وأخذ زوجته وابنه ،وغادروا متوكّلين على الله وعبروا القفار ،والوديان والأنهار ،يدخلون من مدينة ويخرجون من أخرى ،حتى إنتهى بهم المطاف إلى بلاد كبيرة وافرة الخيرات أعجبت التاجر، فاشترى دارا سكنها صحبة زوجته مبروكة ،وابنه محمود ،ثمّ فتح دكّانا وسط السّوق، يبيع التوابل،والبقول الجافة من حمص ولوبيا، وكان الحظ معه ،وربح كثيرا من المال، فاشترى دكّانا ثانيا وثالثا، وحقّق نجاحا باهرا حتى أصبحت تجارته تسير في قوافل إلى بلاد الزنج ،وفي السفن حتى الاسكندريّة، وبقية مدن البحر ،فازداد ثراؤه، و لم يعد يعرف كم يوجد في خزائنه من الذّهب والفضّة .
لكن الذي ليس من أهل تلك البلاد يظلّ غريبا،فهم لا يدخلونه بيوتهم، و نادرا ما يزوّجونه بناتهم ،ولهم عادات كثيرة يحافظون عليها أبا عن جدّ ،وذلك السّبب يتجنّبون الغرباء .مضت الأيام وماتت زوجة التّاجر، فبقي على العهد معها ،ولم يتزوج ثانية، وعاش مع ابنه، وبالرّغم من ثرائه ،فإنّه لم يجد ه القيمة التي يستحقّها،فهو من الوجهاء في مدينته وأهله معروفون بالأخلاق والورع ،لكن الناس في تلك البلاد يعتزّون كثيرا بأصلهم ،وما يعنيهم في الرّجل هو نسبه بينهم ،لذلك كانوا ينظرون إلى بهاء الدين دائما على أساس أنّه غريب ،ولم يشفع له عيشه معهم منذ مدّة طويلة ،ولا صدقه وأمانته الذان إشتهر بهما في المدينة .
ظلّ التاجر يعتني بإبنه محمود حتى كبر، وأصبح شابا مدلّلا، وأتاه يوما ،وقال له: من عادة القوم الزّواج مبكّرا ،وكلّ رفاقي لهم زوجات جميلات ،وعندما أخرج للفسحة معهم أحسّ بالحزن والوحدة ،رد ّ التاجر: هذا من حقّك، لكن من سيزوّجنا ابنته؟ تعرف جيّدا أنهم لا يحبّون الغرباء !!! ولو كنّا في بلادنا لكنتُ اخترت لك أحسن البنات، وأعرقهنّ أصلا، أمّا هنا، فلا أحد يعرف قيمتنا .ردّ الإبن :لا تنس يا أبي أني نشأت هنا ،ودرست في مساجدهم ،وتأدّبت بآدابهم حتى صرت واحدا منهم ،ولي صديق ذو نسب له أخت إسمها بيّة أرغب في الزّواج منها. .سأله التّاجر : حسنا ،ومن أبوها ؟ ردّ الإبن : الحاج عبد الرّحمان، وهو شيخ جليل من الأعيان ،قال بهاء الدين: آه ،ذلك الرّجل !!! سمعت كثيرا عن تقواه، وعلمه ،لكن هل يعرف أصلنا، ونسبنا ليزوّجك ابنته؟ لم يجد محمود ما يقوله ، لكنّه انقطع عن الأكل والشّرب، وكانت حالته تسوء يوما بعد يوم، فخشي بهاء الدين على صحّة إبنه بسبب حبّه الشديد لبيّة لبنت عبد الرّحمان، فأخذ صندوقا مليئا بالتّحف والطرائف ،وذهب ليخطبها من أبيها، وهو يقدّم خطوة ويأخّر أخرى ،فالشّيخ من أكابر تلك البلاد، ومن أشدّهم حرصا على الأعراف ،وتساءل: ألم يجد محمود سوى إبنته ليعشقها ؟ولمّا وصل إلى الدّار،أمسك حلقة الباب ،وطرقها ،فأطلّ عليه خادم صغير ،وسأله عن حاجته ،فأجابه :إعلم سيّدك أني أريد مقابلته لأمر يهمّه ..
…
يتبع الحلقة 2
حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه
جزء ثاني
جاء عبد الرّحمان لاستقبال الضّيفان ،ولمّا رأى الحمار المحمّل بالهدايا والثياب الغالية التي عليهما عرف أنّهما جائا من أجل إبنته بيّة ،وتذكّر أنّه شاهد ذلك الولد في بيته مع ولده محمّد يلعبان الشّطرنج، فأدخلهما حجرة مفروشة بالزّرابي وعليها الأرائك والوسائد ،وخلع التاجر وابنه نعليهما ،ووضعاهما في الركن الأيسر من باب الدار ،كما يفعل أهل المدينة ،ثمّ دارت القهوة بالزّهر والحلوى ،بعد ذلك تنحنح التاجر بهاء الدّين ،فقام محمود ،وفتح الصّندوق ،فتعجّب عبد الرّحمان من الأشياء التي فيه ،وهي نفيسة من الذّهب، والعاج والصّندل، ثمّ قال :هذه الهدية تليق بالسّلاطين يا سيد بهاء الدين ، فوجد التّاجر الفرصة سانحة ليكلّمه عن بيّة .فردّ : بل تليق بإبنتك، ولقد جئت لخطبتها لولدي محمود !!! تفرّس الشيخ في وجهه، وقال له: لا أذكر أننا تقابلنا من قبل ،فهل لك أن تخبرني عن نسبك ؟ أجاب التاجر: أنا بهاء الدين بن عمر من أعيان تونس، فقطّب عبد الرّحمان جبينه لمّا عرف أنّهم من الأغراب ،ولام نفسه على إدخالهم لداره ،لكنّه تمالك نفسه ،فقد كانا عالمين بالأعراف، والتقاليد لدرجة أنّه ظنّهما من أهل البلاد،ففكّر في حيلة لرفض طلب التّاجر دون أن يحرجه، فأنشد أبياتا من الشّعر جاء فيها :
وما الشّرف بالمال
إنّما بالشّعر والأدب
ومن ينظم الكلام
هو من الأخيار ذمّة و نسب
إلتفت إليه التاجر ،وردّ : والله لقد صدقت يا رجل ، ثمّ أنشد :
قصدك أهل الشّرف
فاسأل عنّا العجم والعرب
يعرفنـا الشّعر وقوافيـه
وبحوره من بسيط وخبب
قال عبد الرّحمان :إذن تعرف الشعر ؟ أجاب التاجر :نعم !!! قال له : أنشدني إذا شيئا منه!!! فأنشده أشعارا لطرفة بن العبد ،والبحترى ،وأبو تمّام، وأعجب الرجل بأدبه ،وإنبسط منه ،ثم سأله أرى أنّك تكسب جيّدا فما هي حرفتك ؟ أجابه أنا تاجر ولي من الدكاكين ما هو في الزقاق الفلاني والفلاني،أدرك أبو الفتاة أنّ ذلك الرجل أكثر منه مالا وعقارات رغم أنّه غريب ،لم يمر على وجوده بينهم إلا بضعة سنوات ،واحترمه على علمه،وحسن تدبيره .ثم قال له : سأسألك الآن عن إبنك، كيف يكسب عيشه ؟ إستغرب التاجر بهاء الدين وقال : إنّه ابني ووريثي.” أجاب عبد الرحمان: لا يكفي أن يكون ابنك، فكما يقول المثل :تنتهي أموال االجدّين ،ولا تبقى إلاّ صنعة اليدين، ألم يتعلّم صنعة ؟ الحدادة مثلا أو الحياكة ؟ ردّ التاجر: لا، لم أعلّمه أيّ صنعة لأنه وريثي بعد مماتي،قال عبد الرحمان مستدركا : لكنّه قد لا يحسن التصرّف في رزقك، ويفنى ماله، فأضطرّ أنا لرعايته هو وزوجته وأبناءه .
أحسّ التاجر بالانزعاج من كلامه ،وقال : لا يُعقل أن تتنبّأ لإبني بالإفلاس والهموم والمصائب، وإن فكّر الجميع بهذه الكيفية،سيُبقي كلّ شخص ابنته في بيته !!! نظر إليه عبد الرّحمان و،قال: تعلّمت أن لا أثق في الدّهر،إسمع يا بهاء الدين، لكي أزوّجه ابنتي عليكَ أن تهب له كلّ رزقك ،هذا شرطي ،وأنت حرّ في إختيارك .
تعجّب التّاجر من هذا الشّرط ، وتساءل :كلّ رزقي؟ لماذا ؟ فلقد عزمت أن أوفّر له رأس مال ، وأفتح له دكّانا يتاجر فيه ،لكن الشّيخ أصرّ على رأيه، وقال: هذا لا ينفع ، ولعلمك فإنّ إبنتي عاشت في عز ودلال في بيتي ،لا أريد أن ينقصها شيئ لما تتزوّج ، هل تفهم هذا يا سيد بهاء الدّين ؟فكّر التاجر قليلا ،ثمّ قال : ليس مهمّا إن كانت أرزاقي عندي أو عند ابني، فهذا لن يغيّر شيئا ، فعاجلا أم آجلا سأموت، ويأخذ كل شيئ، حسنا لن نختلف حول هذا الأمر ،ثم كتب له كلّ أرزاقه ،وأشهد على ذلك الشهود ،وأسكنه في بيته ،ولم يبقي لنفسه سوى صرّة ملابس …
…
يتبع الحلقة 3
حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه
الجزء الثالث والنهاية
ولأنّ العروس كانت من بنات الأعيان،وبين قومها ،فلقد تكبّرت على زوجها محمود وفي ظنها نّها أحسن نسبا وأرفع مقاما، وصار تتتحكّم في كلّ تصرّفاته ،وهو لا يعارضها في شيء لأنه يعشقها ، أمّا حموها فقد كانت تستخف به وتقلل من شأنه ،وسرعان ما بدأت تضجر منه، فبعد أن كانت تجمعهما نفس المائدة، أصبحت تعايره بعدم إتقانه لآداب الطعام، وقالت أنه يسدّ عليها شهيّة الأكل ،فوضعه إبنه وحيدا، وكل مرّة ينقله من غرفة إلى أخرى،وهو صابر على ذلك .وفي النّهاية لم تعد إمرأته تطيق رؤيته، فرماه في الإسطبل. مع البغال والحمير ،وأشفق عليه الخدم فحملوا له طعامه هناك، لكن المرأة أوصتهم بإعطائه الأكل البائت أو ما يبقى في الصّحون .
وصار بهاء الدين يقضي كامل اليوم حذو حصانه، ويرى إبنه يبالغ في دلال الخيل ،ويعطيها أحسن أنواع الشّعير، وشيئا من الخضار :الجزر والخيار ،والفجل، ويغطيها بلحاف جديد . وقال :بهاء الدين في نفسه: لقد أصبح حال الدّواب أحسن منّي، وكان التّاجر كلّما إشتهى خضارا أخذ من آنية الحصان، وأكله .وعندما يبرد في الليل يسحب عنه لحافه الدافئ، ويتدثّر به ،وقال لقد صدق المثل :من يهب رزقه في حياته فلينتظر مماته، لكنه كان دائما يدعو لإبنه بالهداية .
حملت زوجة الإبن ،وأنجبت له ولدا.،كبر الغلام حتى بلغ عشر سنوات . وكانت الزوجة تزداد كرها لحموها بعدما رأت حالته، ، و لم تعد ترغب في وجوده حتى في الاسطبل. إذ كانت تخجل عند زيارة الناس للبيت، ومشاهدتهم لذلك الشيخ القذر مع البهائم ،ولا تعرف ما تجيبهم عندما يسائلونها : من هو ذلك المتشرّد ،ولماذا لا تحسنين إليه لوجه الله ؟حتى أتت زوجها يوما وقالت له: ألوق صار مقرفا ،لا أريده في داري هل فهمت ؟ سألها ما العمل ؟ إنه أبي !!! أجابته : لا يهمني اطرده من هنا، وإلا أخذت إبني وغادرت الدار ، أجابها: لا تقلقي، سأتصرّف معه .ولأنّه كان ذليلا أمامها، قصد أباه وخاطبه : أنا آسف يا أبي، لن تبقى في هذا المنزل بعد الآن “ إندهش الشيخ، وسأل لماذا ؟ ألم يكفك ما آل إليه حالي ،بكى وترجّاه أن يرحم شيخوخته ،على الأقل هنا يعيش بكرامته ،ولا يضطر إلى طلب الإحسان من النّاس .
لكن الإبن ردّ عليه ،أخرج حالا ،ولا تجبرني أن آمر العبيد برميك في الشارع !! قال الشيخ مستعطفا : بربك كيف سأحيا وأنا غريب هنا ؟ نظر الإبن إلى السّماء ،وقال :الله من سيرعاك ،على الأرض آلاف مثلك أحياء، لست وحدك في هذا الظرف!! ردّ الشيخ :كما تشاء، لكن أعطيني بعض المال أتدبّر به شأني !!!قال الإبن : لا أستطيع يا أبي ،فالأمر والنهي بيد زوجتي ،وهي تسألني عن كل درهم أنفقه .
نظر الشيخ إلى إبنه ،وقال له : ليتك سمعتني عندما قلت لك لا تتزوج إلا ممّن يعرف قيمتنا ،لقد إفترقنا ونحن أحياء ،ودخل بيننا الغريب، فلم نعد نعرف من نحن. وساء أمرنا ،لنا الرّزق الوفير لكننا محرومون منه بسبب سوء تدبيرنا ،تذكر فضلي عليك ولا تتركني في الشّارع، ضعني في المزرعة ،فهي بعيدة من هنا ،فلي كوخ كنت أخزن فيه الحبوب سأبيت فيه ،ولن تراني لا أنت ولا زوجتك ،ولست بحاجة لنفقتك فسآكل من الأرض ،وأشرب من الغدران ،أريد فقط لحافا أتغطى به ،أجاب الإبن سآخذك إلى المزرعة ،فزوجتي لا تذهب إلى هناك . لكن لا أقدر أن أعطيك لحافا ،فأنا أخشى أن تسألني تلك المرأة ماذا سأفعل به …
…
إندهش الشّيخ من خسّة الزّوجة :وردّ عليه : قل لها :سأتصدّق به !!! فأجابه ستطلب منّي أن تفعل ذلك بنفسها، لتنال أجرا من الله ،تنهّد بهاء الدين، وقال : لقد أغلقت عليك باب الدنيا والآخرة ،و كتب علينا أن نعيش ذليلين، آه ،لو بقينا في بلادنا، لكان ذلك أهون ،ولمّا وصلنا إلى هذا الحال ،أجاب الإبن: لا فائدة في اللوم، لقد إشتريت لحافا جديدا للحصان، وسأحضر لك القديم ،هذا كلّ ما يمكنني فعله لك، ثمّ نادى ابنه الصّغير، وأمره بالذّهاب إلى الإسطبل ،وحمل اللحاف القديم لجدّه. دخل الولد ، وحمل اللحاف للبستان ، ثمّ أخذ سكّينا ،وقطعه إلى نصفين، وسلّم جدّه النصف ،وإحتفظ بالثاني . تعجّب جدّه، و سأله : لماذا فعلت ذلك أيها الشقيّ ؟ أجاب الحفيد : قطعتها، وانتهى الأمر !!! لكن الشيخ قال له : عجبا، ألم يأمرك أبوك بأن تسلّمها لي كاملة ؟ رد الحفيد : أرى أنّ النصف يكفيك !!! هزّ بهاء الدين رأسه وقال: هذا الولد أكثر شؤما من أبيه !!! ثمّ ذهب إلى ابنه وقال: وهبتني اللحاف لكنّ ،الولد قطع نصفه، فقال محمود أحقّا فعل ذلك ،سأعرف كيف أعاقبه .
ثمّ إقترب منإبنه، وسأله:: ويحك !!! لماذا قطعت لحاف جدّك ؟ وما أنت فاعل بنصفه الثاني ؟ هيّا أخبرني بسرعة ؟ أجابه الولد : سأحتفظ به لك يا أبي!!! تعجب إبن التّاجر، وقال : لي أنا ؟ كيف ذلك ؟ قال الولد :نعم، حين تصبح عجوزا مثل جدّي سأطردكَ من داري ،وأمنحك نصف اللّحاف ، لكي تنام، وفي أنفك رائحة البهائم !!! صاح إبن التاجر ماذا ؟ تطردني؟ هذا ما تفكّر فيه ؟ قال الولد : سأعمل لك ما عملته لجدّي ،هذا هو العدل يا أبي ،أليس كذلك ؟ وقف إبن التّاجر مندهشا ،وأحسّ كأنّ غشاوة زالت عن عينيه، ثمّ جثى على ركبتيه باكيا ،و قبّل قدم أبيه ،وقال له : لقد أسأت في حقّك ،إغفر لي !!! اللعنة على من يأخذ بتدبير النّساء، ،ثمّ دخل المنزل ، واختار أحسن غرفة ،وقال :هذه لأبي ،ومن لم يعجبه ذلك، فليغادر المنزل !!!
إستحمّ الشيخ بهاء الدين وحلق شعره ،وتعطر ولبس ثيابا جديدة ،فإنتعشت روحه ،وقال له إبنه: سأزوّجك اليوم من أحد جواري بيتي ،وسأفتح لك دكانا أملئه لك بالبضائع ،وستعود سيّدا كما كنت ،فأنا أعرف قيمتك ،ونسبك ،ولن أترك أحدا يفرّق بيننا مرّة أخرى .في المساء دخلت بيّة ،فوجدت الشّيخ متصدّرا مع عروس جميلة من جواريها ،فأنكرت ذلك، وصاحت : ماذا يفعل هذا الشّيخ في بيتي ؟ هيّا أخرجوه من هنا . فلم يتحرّك أحد، لا العبيد، ولا زوجها ،قالت : حسنا سأرجع إلى دار أبي ،أجابها إبن التاجر ،سأرمي بملابسك في الشارع، ولن ترجعي إلى هنا !!! وأتزوّج اليوم من أحد الجواري ،وسيبقى إبني معي ،فهو ليس منكم ِ!!!
جزعت المرأة لما رأت الولد يجلس في حضن جدّه ،فغضبت، وإقتربت من الباب لكي تخرج ،وهي تنتظر أن يقوم زوجها ،ويمنعها ،لكنه لم يعبأ بها ،فزاد غيضها ،وقالت في نفسها: ماذا حدث له ؟ بعد أن كان يجري لإرضائي صار يترفّع عنّي ،هل نسي من أنا ؟ ولما ذهبت لبيت أبيها الحاج عبد الرحمان واشتكت له ما فعله معها زوجها، فلامها على صنيعها ،وقال لها :إرجعي إلى بيتك فوالله لقد أحسن زوجك فعلا، وزادت مكانته عندي ،فأجابته لكنه لن يحترمني بعد الآن ،فردّ : الأحسن أن يكون شعورا حقيقيا ،وليس مداراة لك ، ثم فكّرت ، فلقد كان أبوها على حقّ،ثم رجعت لدارها ، وإعتذرت من للشيخ بهاء الدين: وقالت لزوجها : الآن عرفت قيمتكم ،فمن لا يحسن إلى أبيه ،وأمّه لا خير فيه ،وسمع أهل المدينة بتلك الحكاية ،وبزواج بهاء الدين، فجاءوا وهنّئوه ،ومنذ ذلك اليوم يعتبرونه أحد أعيانهم .
…
إنتهت وشكرا
عن قصص وحكايا العالم الاخر