مكتبة الأدب العربي و العالمي
#الأمير_وبئر_ملك_الجان جزء اول
يحكى عن سلطان له مملكة واسعة ،ومال وفير لا يعلم مقداره إلا الله وكان متزوجا من إبنة عمّه زينب وهي فتاة ذات جاه وحسب وجمال ،لكن مضت الأيّام دون أن يرزقه الله بطفل يفرح به ويكون وريثه على العرش ، ولم يترك طبيبا أو عرافا إلا قصده ولا علاجا إلا جرّبه ،فأصيب بالحزن ،وتكدّرت نفسه ، لكنّه لم يرض أن يتزوّج على إمرأته لشدّة حبّه لها ،وفي أحد الأيّام لم يحسّ برغبة في النّوم، فوقف في الشّرفة، ثمّ قال في نفسه :لقد تقدّم بي العمر، ولا بدّ أن أفكّر في مستقبل المملكة، فلا أحد يأمن على نفسه من المرض أو الموت، والحلّ أن أتزوّج في الخفاء دون علم زينب ،أعجبته هذه الفكرة ،وأزالت عنه القلق ،فرجع إلى فراشه، ونام ملئ جفونه ،وفي الصّباح نادى الوزير عبد الله ،وقال له: لقد إستقرّ رأيي أن أتزوّج جارية صغيرة ،وسيكون الأمر سرّا بيننا !!! أجاب عبد الله :نعم الرّأي يا مولاي ،قال السّلطان: أريدك أن تبحث لي عن بنت عاقلة وجميلة وأهلها بسطاء ،ولا فائدة أن تعلم من أنا .
ذهب الوزير من حينه إلى أخت له من الرّضاعة لها صبيّة ما شاء الله حذاقة وجمال إسمها عيشة ،وكانت تلعب في حجره لمّا كانت طفلة ،وقال لها :لقد وجدت رجلا لابنتك له دار وسط المدينة، ولا يريد عرسا كبيرا يكفي بعض الأهل والجيران، أجابته :الرأي ما تراه يا أخي ،فأنا أعلم محبّتك لها ،وأنّك لن تختار سوى من يليق بها . يوم العرس تنكّر السلطان ،وذهب مع الوزير لدار المرأة، وبعد الوليمة أركب عبد الله العرسان عربة ،وقادهما إلى بيت في حارة صغيرة يسكنها الباعة المتجوّلون وهم لا يرجعون إلا متأخّرا في المساء كانت عيشة قلقة ،فزوجها يفوقها سنّا ،لكنّها لمّا رأت أناقة بيته ،ودلاله لها أعجبها ،وصارت تنتظر قدومه كلّ مساء ،وكان يبقى معها قليلا ،ويتعشّى، ثمّ يعود إلى القصر،أماّ زينب فكلّما تسأله أين يذهب، يخبرها أنّه يتفقد الرّعية كلّ مساء،،ولطيبتها لم تشكّ في شيئ .وتواصل هذا الحال حتى رزقت عيشة بمولود بهيّ الطّلعة أسماه عمر ،وكبر ذلك الولد ،وأدخله السّلطان للكتّاب ،وأوكل له شيخا لتأديبه،فتعلّم القراءة والكتابة ،وصار ينظم الشّعر،فأحبّه أبوه لرجاحة عقله، ،لكن المشكلة كيف سيخبر أهل المملكة عنه ،وماذا ستكون ردّة فعل زينب لمّا تعلم أنّه تزوّج عيلها .
في أحد الأيّام علم أنّ زينب حامل فكاد يطير من الفرح ،ولمّا مرّت التّسعة أشهر ،وضعت طفلا كأنّه القمر أسماه عليّ ،وقال السّلطان: سأربّيه ليصعد على العرش من بعدي، لكنّه لما كبر أطرد مؤدّبه ،وصار يمضي وقته في الصّيد وركوب الخيل ،وحاول أبوه تعليمه فنّ الحكم ،لكنه لا يسمع نصائحه ،وتجبّر على الناس الذين شكوه لأبيه ،حتى ضاق به ذرعا ،وقرّر أن يأتي بعمر وأمّه للقصر ،ثمّ عقد جلسة مع حاشيته ،وحكى لهم على إبنه الأكبر،ولمّا رأوا هيأته ،وسمعوا حسن منطقه أعجبوا به ووافقوا السّلطان على تعيينه وليّا للعهد مكان أخيه الطائش ،وأرسلوا المنادي في الأسواق يصيح أنّ للمملكة أميرا آخر إسمه عمر ،وهو وليّ العهد الجديد ،وبسرعة أحبّته الرّعية ، فكان يتصدّق على الفقراء ،و يرافق أباه في أسفاره وحروبه، ويتعلّم منه ،وصار يذهب لجباية الأموال ،ولا يأخذ إلا ما يزيد عن حاجة النّاس ،وساعد ذلك الفلاّحين الذين صاروا يزرعون الأراضي ،ويربون الأنعام ،فكثر الخير ،وعمّ الرّخاء .
في أحد الأيام مرض السّلطان مرضا شديدا ومات ، فنصّبت المملكة الأمير عمر سلطانا عليها ،وبايعته على الطاعة ،فقال عليّ في نفسه: لقد راح أبوك الذي كان يحميك يا عمر إبن عيشة !!! ولن تفرح كثيرا بالعرش، فقريبا أخلص منك وآخذ حقّي …
.