مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة “الأزمات النفسية في العصر الحديث” (8)

* التفكير الإيجابي بين المنهج الإسلامي وعلم النفس

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

التفكير الإيجابي ليس مجرد تفاؤل سطحي أو إنكار للواقع، بل هو أسلوب حياة يقوم على رؤية التحديات بوعي ودِراية وإيجاد حلول بنّاءة، وقد أكد الإسلام على أهمية التفكير الإيجابي في حياة الإنسان، كما أثبتت دراسات علم النفس دوره في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي، فكيف تناول الإسلام هذا المفهوم؟ وما رؤيته مقارنةً بعلم النفس؟

أولًا: التفكير الإيجابي في المنهج الإسلامي
التفكير الإيجابي في الإسلام يقوم على حسن الظن بالله، والتوكل عليه، والنظر إلى الابتلاءات بعين الحكمة لا بعين اليأس، وقد جاءت نصوص كثيرة تدعو المؤمن إلى التفاؤل وإحسان الظن بالله، منها قول النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير…” (رواه مسلم)، مما يرسّخ في النفس قناعة بأن كل حدث يحمل خيرًا خفيًا، وتجلّى التفكير الإيجابي في حياة الأنبياء، فقد ظل النبي يعقوب (عليه السلام) يردد: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾ (يوسف: 87)، رغم كل المحن، وهذا ما يعكس التوازن النفسي العميق الذي يمنحه الإيمان لصاحبه.

ثانيًا: التفكير الإيجابي في علم النفس
يرى علماء النفس أن التفكير الإيجابي هو مفتاح الصحة العقلية، حيث يساعد في:
1- تحسين الصحة النفسية:
حيثُ يقلل من القلق والاكتئاب وأمثال هذه الحالات النفسية

2- تعزيز الإنتاجية والإنجاز:
حيث يزيد من قدرة الفرد على مواجهة التحديات، التي يتعرّض لها.

3- رفع مستوى المرونة النفسية:
مما يجعل الشخص قادرًا على أن يتجاوز الأزمات بكل ثبات.
وقد طوّر علم النفس تقنيات لدعم التفكير الإيجابي، مثل إعادة تأطير الأفكار السلبية، والتركيز على الحلول بدل المشكلات، وهي أمور تتقاطع مع تعاليم الإسلام في الدعوة إلى التفاؤل وعدم الاستسلام للضعف والوهَن.

ثالثًا: التكامل بين المنهج الإسلامي وعلم النفس
رغم أن علم النفس الحديث يدعم التفكير الإيجابي، إلا أن الرؤية الإسلامية تُضيف إليه بُعدًا روحيًا أعمق، إذ تربط التفاؤل بحسن الظن بالله، مما يمنح طمأنينةً لا تتوفر في المناهج الوضعية، ومن هنا، يمكن الجمع بين الاثنين عبر:

1- تنمية الوعي الديني:
فالإيمان العميق يعزز التفكير الإيجابي الحقيقي.

2- استخدام تقنيات علم النفس:
مثل التأمل والتدريب على الامتنان، إلى جانب الذكر وحُسن التوكل على الله.

3- التفاعل الواقعي مع المشكلات:
بحيث لا يكون التفكير الإيجابي مجرد أوهام، بل مسارًا عمليًا للحلول.

وفي الختام
فالإسلام وعلم النفس يتفقان على أهمية التفكير الإيجابي، لكنه في الإسلام ليس مجرد وسيلة نفسية، بل هو عقيدة تعزز الثقة بالله وتبعث على الاطمئنان، ومن يجمع بين القناعة الدينية والأساليب النفسية الحديثة، يُحقق أفضل النتائج في حياته.

ملاحظة: هناك جوانب أخرى يمكن أضافتها ولكنني أكتفي بهذا القدر حتى لا أُطيل

* عنوان مقالتنا القادم بمشيئة الله تعالى: أزمة الهوية وتأثيرها على الاستقرار النفسي

* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1862)
05. شعبان . 1446هـ
الثلاثاء .04.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق