نشاطات

دراسة نقدية لرواية “من الحلم إلى الخراب” الجديدة للرِّوائي عبد الغني ملوك

إعداد: نزيه شاهين ضاحي

الرِّواية قيامة معنوية للتاريخ في سياقه الاجتماعي وحديث الرٍّوائي يجب أنْ ينصبّ على ملامح المجتمع في تلك المرحلة التاريخية لا على التاريخ نفسِهِ التي هي مهمة المؤرِّخ لا الرِّوائي .
وفي كلّ حقبةٍ تاريخية شيءٌ من الرواية ، وفي كلِّ روايةٍ شيءٌ من التاريخ ، والفرق بينهما أن التاريخ حقائق حَدَثَتْ في مرحلةٍ زمنية معينة أما الرواية فحوادث متخيلة قد تكون حدثَتْ فعلاً أو أنها ممكنة الحدوث.
ومن خلال رصدٍ ومتابعة للروايات التي اتَخذت من أحداث الأزمة السورية موضوعاً لها وجدْتُ أنَّ هذه الروايات هي على الشكل التالي:
رواية” رصاص في حمص القديمة ” للأديب عيسى اسماعيل.
الريشة البيضاء للدكتورة لين غرير .
الحب حتى إعلان آخر للدكتورة رويدة تميم.
سوريون تحت المقصلة للمهندسة سوزان الدُّرَّة.
هسيس الرُّوح للدكتورة منيرة الصباغ.
وأخيراً رواية “من الحلم إلى الخراب” للرِّوائي عبد الغني
ملوك.
وقد انقسمت هذه الروايات إلى قسمين:
قسم أجاب على سؤال : ماذا حدثَ؟
وخطّ هذه الروايات من كانوا شهود عيانٍ عليه، وأما ما أنقذ بعض هذه الرواية من السقوط هو الطريقة الرفيعة المستوى في المعالجة وهو أمر شديد الأهمية في نجاح الرواية أو فشلها.
والقسم الثاني من هذه الروايات أجاب على سؤال: لماذا حَدَثَ ما حَدَثَ؟ وحاول الإجابة على هذا السؤال الهام بجرأة وموضوعية أو تلمُّس الأسباب التي أدَّت إلى هذا الواقع المرير.
وهنا يبرز سؤال سابر يطرح نفسه أين تقف رواية “من الحلم إلى الخراب” للرِّوائي عبد الغني ملوك من هذين القسمين اللذين ذكرنهما آنفاً ؟
أنَّ الدِّراسة النقدية التحليلية لهذه الرواية تجعلنا نميل إلى اعتبار ما حدث في سورية منذ عام ٢٠١١ لغاية الآن من وجهة نظرها عَتَمَاتٍ في قلب الألماس ما تلبث أن تزول لأنها شوائب طفيليلية غير مؤهلة للحياة، وانه عصيان مسلَّح لتحقيق أهداف طوباوية لا تمتُّ للواقع بصلةٍ بالإضافة إلى أنه مدعوم من دولٍ معادية لسورية، والذين قاموا به اعتبروا التطرُّف الدِّيني ماركة مسجلة باسم الدين الإسلامي الذي حرّفوا تعاليمه السمحاء ، وتمترسوا خلف المقدَّس الديني لتسويق الفكر السياسي الذي يُسيِّج نفسه بالفكر الدِّيني ومن الأسباب الاجتماعية لهذه الأزمة من وجهة نظر الروائي انتشار الفساد وغياب المحاسبة والتفاوت المريع في الدخل بين أفراد المجتمع، وخراب الضمائر والنفوس ، والشعور بالغربة والتغريب وانتشار الغلاء والبطالة، والخرافات والتعصُّب الديني والطائفي وغياب العقل والمنطق في الحكم على الأمور.
إنها محاولة ناجحة لفهمٍ شعاعي لما حدث :
الأسباب، الأهداف، النتائج ، مقترحات علاجية ، انتقادات جريئة ، استثمار معطيات الحاضر في التنمية والبناء :
أشبعِ الناس وحاسبِ المخطئ ، وضعِ الرجل المناسب في المكان المناسب ، إصلاح المناهج المدرسية ، التمسك بالأخلاق الحميدة ، إنشاء جيلٍ جديدٍ مغتسلٍ من كافة الأمراض الاجتماعية الموروثة ولا شك في أنها حلول ناجحة ولكنها رومانسية ومثالية ..
في المضمون الروائي:
أخذت الأحداث منحيين، الأول مال نحو الوثائقية الجافة من خلال رصدٍ دقيق ليوميات الأزمة” مظاهرات تدمير المنشأت العامة حرق المدراس ، التمثيل بالجثث ، تفجير باصات النقل العام بمن فيها من بشرٍ أبرياء، اغتيال بعض شخصيات السلطة ، الخطف وطلب الفدية ، حيث انتقل البعض من ضحيةٍ إلى مصاص دماء يضرب من وراء درعِ المصلحة الشخصية، لقد تلفَّت وجهة التاريخ هَلعِاً لهذه الأحداث المروِّعة. أما المنحى الثاني: فكان نديَّاً من خلال قصةٍ عاطفيةٍ مأساوية بدأت كباقة وردٍ في هذه الأيام الخريفية المجدبة ، التي جعلت أحداثها المتأججة بنار الأمل رماداً .
(طاهر أبو منجل) طالب جزائري يدرس بجامعة دمشق، أحب فتاة حمصيَّة تدرس في نفس الجامعه وأحبته، وبعد تخرجهما طلب يدها للزواج فرفضت طالبة منه أن يبني مستقبله أولاً ، بعد فترة أعاد طلب يدها فعاودت الرفض بحجة ظروف الأزمة القاسية ، وذهبَتْ معه إلى حي الخالدية المدمَّر لدراسة ظروف الأهالي فيه ، واقتراح الحلول المناسبة لمساعدتهم. وبينما هي يدخل احد البيوت داسَتْ على لغمٍ فانفجر بها وحولها إلى أشلاءَ داميةٍ، طلب “طاهر” مساعدة الهلال الأحمر وتمَّ نقلهما إلى المستشفى، لم يستطع طاهر استيعاب هذا الحدث الصاعق فأصابته نوبة جنون هستيري أقدم خلالها على الانتحار.
وهنا لا بدَّ من التنويه بمحاولة أحد محافظي حمص قبل الأزمة مباشرة تبنِّي تحقيق (حلم حمص) بغرض النهوض السريع لقلب المدينة القديمة وتحويله إلى أبراج شاهقة ومولات حديثة ومترو تحت الأرض وجسور معلقة وطرق اوتوستراد سريعة ولكنه تجاهل كيفية تمويل هذه المشاريع العملاقة مما أدَّى إلى تحويل الحلم الجميل إلى كابوسٍ مرعب وحلَّت ناطحاتُ السرا محلَّ ناطحات السحاب.
إنَّ الموضوع النبيل لا يكفي لإنتاج روايةٍ ناججة، تستحق أنّ تلج أبواب الخلود إذ لا بدَّ أن يقترن ذلك بتقنية روائية راقية، فالرواية لم يكن لها أنَّ تكون مجرد نسخةٍ منقولة عن الأحداث المعيشة للأزمة السّورية، بل أُريد لها أن تكون أدباً يغتذي مما هو معيش ويكسب عمقه من الخبرة الإنسانية والذائقة الفنية الرفيعة.
كان التكنيك الإستقرائي الخيط الذي غزل منه نسيج شكله الروائي، وتعتمد هذه الطريقة على تنحِّي الروائي جانباً وترك المنبر السردي لبعض أبطال الروائي ليعبروا عن آرائهم لعله بذلك يشمُّ عبير المستقبل الذي اندثر التخطيط له تحت رماد الإهمال، ومن هؤلاء :
مدرسون أصحاب مهن حرة، رجال شرطة، قضاة، أطباء.

لقد رسم الروائي (عبد الغني ملُّوك) في روايته (من الحلم إلى الخراب) جهنم الأزمة السّورية، ثم انتقل إلى رسم المظهر الذي تتطهر فيه النفوس من أدران الخراب الذي لوّنها، لتحلّ فيها أرواح جديدة نيِّرة متوازنة لها تطلعات نبيلة،والشعب السوري العظيم الذي ذرف دموع الحزن والأسى من أعماق روحه، هو نفسه قادر على الضحك من أعماق قلبه بعد أن لاحت تباشير النصر الذي تعانق الربيع وسط الشتاء.
وستبقى سورية عظيمةً بين الأمم، وسيدة بين البلدان إنها كمال الجمال وبهجة الأرض، ومنارة الشرق، ونسر بنى عشّه بين النجوم، إكليل البهاء، وتاج الزمان وسرّة العالم وتحفة الله على أرضه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق