اقلام حرة
تقدير موقف آفاق العلاقات الأميركية الأردنية عشية إعلان ترامب بشأن القدس
تقدير موقف
آفاق العلاقات الأميركية الأردنية
عشية إعلان ترامب بشأن القدس
خالد زين الدين
مشارك في البرنامج التدريبي “إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي“
همسة سماء الثقافة
مقدمة
أعلن الجانب الأردني موقفًا معارضًا من قرار ترامب، واعتبره خرقًا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وأنه خطوة أحادية الجانب تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض تعتبر لاغية وباطلة. وقال محمد المومني، الناطق باسم الحكومة الأردنية، إن قرار ترامب يعتبر “اعترافًا غير قانوني” كونه يكرس الاحتلال الإسرائيلي للجزء الشرقي من المدينة الذي احتل في العام 1967.[1]
على الرغم من تهديدات الإدارة الأميركية بقطع المساعدات عن الأردن وسواها في حال دعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الأردن أظهر تأكيده على موقفه.
في ضوء ما سبق، تبرز الإشكالية: كيف تؤثر سياسات ترامب بشأن القدس على مستقبل العلاقات الأردنية – الأميركية، خصوصًا أن الأردن يمتلك الوصاية على المقدسات الإسلامية في المدينة من جانب، ويتمتع بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة من جانب آخر؟
في محاولة للإجابة عن هذه الإشكالية، لا بد من ملاحظة الاهتمام الأميركي بالأردن في منطقة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويمكن تتبع ذلك من خلال الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بخصوص الاعتذار من الحكومة الأردنية بشأن حادثة السفارة – التي قام فيها موظف من السفارة الإسرائيلية في عمّان بقتل مواطنَين أردنيَين، وعلى إثرها أغلقت السفارة – مما أعاد العلاقات الرسمية وفتح السفارة الإسرائيلية من جديد. كما أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني استقبل مايك بينس، نائب الرئيس الأميركي، الذي رفض الفلسطينيون استقباله.
ومن جهة مقابلة، تحرّك الأردن على المستوى الدولي والعربي والإسلامي في مواجهة القرار، ولم يتراجع عن دعمه لقرار الجمعية العامة رغم التهديدات الأميركية بقطع المساعدات عنه.
بشكل عام، إنّ السيناريو المحتمل بقاءُ العلاقات كما هي، مع إعلان الأردن رفض القرار رسميًا ودوليًا وديبلوماسيًا، والعمل في محاولة للتقليل من حدته من خلال المفاوضات الدولية لحل الصراع، فالأردن دولة محاطة بالصراعات والتحديات المختلفة، تسعى في سياستها الخارجية لمحاولة الاحتواء لكافة التهديدات، والموازنة بين مصالحها الاقتصادية والأمنية ومسؤولياتها، وتربطها بإسرائيل علاقات اقتصادية إيجابية تمثلت آخرها في اتفاقية الغاز التي وقعت في العام 2014. كما حضر الأردن المؤتمر الذي عقد بشأن غزة في البيت الأبيض بتاريخ 13/3/2018، والذي رفضه الفلسطينيون.
ومن ناحية أخرى، لم يعمل الجانب الفلسطيني على تجسيد رد فعل صارم على أرض الواقع، كإيقاف التعاملات مع الجانب الإسرائيلي أو الأميركي.
العلاقة الأميركية – الأردنية والوصاية الأردنية على المقدسات في القدس
بدأت العلاقة الأميركية – الأردنية بالتطور منذ خمسينيات القرن العشرين، عقب انحسار نفوذ بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت الداعمة الأساسية للأردن اقتصاديًا وعسكريًا. فلجأت الحكومة الأردنية إلى الولايات المتحدة لتعويض ميزانيتها، وخاصة بعد اعتماد مبدأ أيزنهاور[2] في العام 1957.[3]
تزداد المساعدت الأميركية للأردن باضطراد. ففي العام 2006 كانت قيمة المساعدات 460.91 مليون دولار، ومع تزايد التحديات والمشاكل في منطقة الشرق الأوسط، والتهديد من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي تزامنت مع الحملة الأميركية لمواجهة الإرهاب، إلى جانب مشاكل الأردن الاقتصادية التي نجمت عن اللاجئين السوريين والعراقيين، زادت الحكومة الأميركية من حجم المساعدات لتصل في العام 2018 إلى مليار دولار.[4]
وقد وقع ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي السابق، بتاريخ 14/2/2018 مذكرة تفاهم مع الجانب الأردني، تتعهد فيها الولايات المتحدة بشكل غير ملزم بتقديم ما لا يقل عن 1.275 مليار دولار سنويًا لمدة خمسة سنوات، ابتداء من السنة المالية 2018 وحتى 2022[5] – وتعد هذه المذكرة هي الأولى من نوعها في عهد الرئيس ترامب – ما يعني زيادة بنسبة 25%.
الموقف الأردني إزاء قرار ترامب
ناقش الملك عبدالله الثاني خلال زيارة إلى تركيا، تزامنت مع صدو قرار ترامب، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تداعيات القرار، مؤكدَين ضرورة احترام الوضع الخاص بالقدس، وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، واتفقا على عقد جلسة طارئة لمجلس التعاون الإسلامي.[6]
وعقدت تلك الجلسة بتاريخ 13/12/2017، وألقى فيها الملك خطابًا قال فيه إن قرار ترامب يشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة، وإن حل الدولتين هو الخيار الأنسب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أكد استمرار الأردن في التصدي لأي محاولة يمكن أن تعمل على تغيير في الوضع القانوني أو التاريخي للمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف.[7]
دعمت الأردن مساعي إصدار قرار من مجلس الأمن يدين القرار، إلا أن الفيتو الأميركي كان عائقًا، ما استدعى الأمر التوجه إلى الجمعية العامة لإصدار القرار. ورغم تصريح ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت لصالح القرار، إلا أن الأردن الذي يتلقى مساعدات أميركية، كبيرة نسبيًا، دعم قرار الجمعية العامة الذي صدر بتاريخ 20/12/2017، الذي يدين قرار ترامب ضمنيًا.
أثارت زيارة بينس إلى مصر والأردن وإسرائيل جدلًا كبيرًا، خاصة أنها جاءت بعد فترة قصيرة من قرار ترامب بشأن القدس، وبعدما رفض الفلسطينيون استقباله، وعدم التعامل مع الجانب الأميركي.
استقبل الجانب الأردني بينس بتاريخ 21/1/2018، وكانت هناك تصريحات واضحة للملك عبدالله خلال هذه الزيارة، أكد فيها العلاقة الإستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة. وفي ذات الوقت صرح بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقرار ترامب قائلًا: “إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالنسبة إلينا في الأردن والمنطقة يعد مصدرًا رئيسيًا يهدد الاستقرار. أؤكد بأن القدس غالية علينا كمسلمين ومسيحين كما هي بالنسبة لليهود”.[8]
أما بينس، فقال: “اتخذ الرئيس ترامب قرارًا تاريخيًا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولكنه أوضح في نفس القرار بأننا ملتزمون باحترام دور الأردن ووصايتها على الأماكن المقدسة في القدس. وأننا لم نأخذ موقفًا من الحدود والموقف النهائي، فهذه أمور خاضعة للمفاوضات”.[9]
وقد صرح أيضًا الملك عبدالله خلال مقابلة مع قناة CNN بتاريخ 44/2/2018 بأنه لا يمكن الاستغناء عن الدور الأميركي في عملية السلام بالمنطقة “لا سلام دون الولايات المتحدة”، مما يقود إلى استنتاج بأن الجانبين مستمران في الإقرار بأهمية كل طرف في المنطقة.
يؤكد الأردن على الدور الأميركي وأهميته في المنطقة، مع تشديده على موقف صارم تجاه القدس، كما تؤكد الولايات المتحدة على التزامها باحترام وصاية الأردن على الأماكن المقدسة في المدينة، واستمرار تقديم المساعدات المالية.
توترت العلاقات الأردنية – الإسرائيلية خلال السنوات الماضية إثر حادث قتل القاضي الأردني رائد زعيتر على الحدود بين الضفة الغربية والأردن في العام 2014، وقتل المواطنَين الأردنيَين في العام 2017. وبدأت التوترات بعد السماح لحارس السفارة بمغادرة الأردن مع عينات شلاين، السفيرة الإسرائيلية في عمان، وطاقم السفارة، وشكلت طريقة استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحارس غضبًا رسميًا وشعبيًا أردنيًا، مما جعل الملك عبدالله الثاني يشدد على أن الأردن لن يتنازل عن حقوق المواطنَين والقاضي. وطَلَبَ الأردن اعتذارًا رسميًا من الحكومة الإسرائيلية وتغيير السفير لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في عمّان.[10]
لا يعني ما سبق قطع العلاقات الأردنية – الإسرائيلية بكل النواحي، فقد وقعت مذكرة تفاهم بشأن استيراد الغاز الطبيعي المسال في العام 2014، ووقعت الاتفاقية بشكل رسمي، بتاريخ 23/9/2016، بين شركة نوبل إنيرجي الأميركية العاملة في إسرائيل، وشركة الكهرباء الأردنية الوطنية (الشركة مملوكة بالكامل للحكومة الأردنية)، التي بموجبها ستقوم الشركة بمدّ الأردن بالغاز الطبيعي.[11] وتأتي هذه الاتفاقية باعتبارها خطوة لتعزيز العلاقات بين الأردن وإسرائيل التي لم تتأثر بحادث قتل القاضي أو المواطنَين الأردنيَين، أو حتى بقرار ترامب بشأن القدس.
من المفارقة أن توقيت الاعتذار الرسمي (19/1/2018) الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية للأردن وتعهدها بالالتزام بكافة الشروط الأردنية، جاء في فترة حساسة على مستوى موقف الأردن من القدس، وقبل زيارة بينس بيومين، ما يشير إلى الاهتمام الكبير بدور الأردن في المنطقة.[12]
الموقف الفلسطيني
لا شك أن الموقف الفلسطيني ذا أهمية في بلورة الموقف العربي، بما في ذلك الأردن، من قرار ترامب. فقد قال الرئيس محمود عباس خلال كلمة في فرنسا بتاريخ 22/12/2017: “إن الولايات المتحدة لم تعد وسيطًا نزيهًا لعملية السلام، ولن نقبل أية خطة منها بسبب اختراقها للقانون الدولي. ما قامت به الولايات المتحدة في هذا الموضوع بالذات جعلها تبعد نفسها عن الوساطة، وأن من يقدم هكذا مشروع … لا أعتقد أنه قادر ليقدم حلًا عادلًا مقبولًا لعملية السلام في الشرق الأوسط”.[13]
اقتصر الموقف الفلسطيني على وقف الاتصالات مع الإدارة الأميركية وعلى التحرك الدولي، ولم يكن لهذا الموقف آثار على الأرض في العلاقة مع الجانب الإسرائيلي كوقف التنسيق الأمني بين الجانبين، أو القيام بأيٍ من الإجراءات التي من الممكن أن تضغط على الأطراف كالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية أو غير ذلك.
يبدو أن الجانب الفلسطيني لم يتمكن من التوصل إلى تفاهم مع الأردن والدول العربية بشأن التخلي عن الرعاية الأميركية “لعملية السلام”، ولم يبدر ما يفيد أن الجانب الفلسطيني منزعج من عدم تغير الرؤية العربية للعملية السياسية.
خاتمة
يوازن الجانب الأردني بين مصالحه ومسؤولياته، ما يجعله أكثر تمهلًا في التعامل مع قرار ترامب، فعلى الجانب الرسمي لجأ الأردن إلى كافة القنوات الديبلوماسية للتخفيف من حدة هذا القرار، مع التأكيد الدائم على رفضه واعتباره باطلًا ولاغيًا. وعلى الجانب الآخر، ما زال الأردن يتمسك بالدور الأميركي في المنطقة، مراعيًا مصالحه الاقتصادية والأمنية؛ لذا فإن العلاقات الأميركية الأردنية مستمرة ولن تتأثر، وسيبقى الأردن متمسكًا برفضه لتغيير الوضع القانوني والتاريخي في القدس.
ولعل الاستنتاج المهم أنّ عملية الفصل النسبي للملفات في العلاقات الأردنية الدولية، بين ملفات فلسطينية، تقدم فيها عمّان الدعم والمساندة، وملفات أردنية وطنية، أمر أساسي وسمة للسياسة الأردنية، والعربية في الوقت الراهن، فقد بات فصل ملفات العلاقات سمة عالمية، إذ يمكن أن تتفق دول في ملفات وتختلف في أخرى.