اقلام حرة
كيفية مواجهة الفقر في مصر / د. عادل عمر
عندما يرتفع معدل الأمية نسبيا في مصر، إذ تعتبر مصر من بين إحدى تسعة بلدان توجد فيها أعلى معدلات للأمية في العالم. ومما لا جدال فيه هو الارتباط القوي والموجب بين الأمية والفقر. وهو ما يضع ضغوطا ضخمة على موارد الدولة ويعرقل جهود التنمية . هذه الظروف أدت لبروز مشكلة الفقر وضرورة علاجه كمشكلة كبرى ذات أولوية خاصة في التصدي لها. ويجب أن ينصرف طموحنا إلى تخفيض الفقر بجميع صوره وأشكاله: من عدم كفاية الدخل لتلبية الحاجات الأساسية، وعدم إمكانية الحصول على خدمات البنية الأساسية الضرورية، والاستبعاد الاجتماعي والسياسي، مع التأكيد على أن يتزامن ذلك مع الدعوة المستمرة لتحقيق التقدم التكنولوجي والحفاظ على البيئة.
وفقر القدرات أو الفقر البشري، فهو الفقر في القدرات التي تؤدي لتمتع الأشخاص بالتغذية الجيدة والصحة والتعليم والحياة الحرة الكريمة. ويحدث هذا النوع حينما تنعدم أو تضعف القدرات التي تقوم الدولة بتزويدها للمواطنين. وتتمثل أساسا في السلع الاجتماعية العامة، أي الخدمات والتسهيلات الأخرى المقدمة، والتي تقوم الدولة بواسطتها بتوفير الأصول غير المادية التي تتمثل في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية وغيرها من حقوق المواطنة، وبذلك تعالج عدم التكافؤ وعدالة التوزيع. وفي مصر ، ما زال الفقر الذاتي مرتفعا. ووفقا لإصدار حديث للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بلغ هامش الفرق بين خط الفقر والفقر الذاتي أكثر من 35% في المدن الكبرى بمصر. كما أن فقر القدرات مرتفع أيضا، فوفقا لهذا المقياس يعتبر 34% من المصريين فقراء.
من الصعب الجزم بأن الثقافة والقيم والتقاليد والاضطراب الاجتماعي والسياسي عوامل بمفردها تميز الدول الفقيرة عن الغنية فتعتبر الحكومات في عديد من الدول الفقيرة جزء من المشكلة وليس جزء من الحل لمتطلبات التنمية نظرا لمركزية الإدارة واتخاذ القرار حيث عانت الدول الفقيرة بلا استثناء من الكساد الاقتصادي مع نمو مطرد في حجم الدين العام وانخفاض أسعار المواد الخام المصدرة نتيجة تحديات الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية المفروضة من قبل وكالات التنمية العالمية فتدهور معدل النمو اللاقتصادي كثيرا في معظم الدول الفقيرة أن استراتيجية الحد من الفقر في المدى القصير يعتبر استمرار الدعم ضرورة حتمية في الحاضر والمستقبل القريب إذ يؤدى إلغائه إلى أعباء اقتصادية واجتماعية فادحة لا يجب حاليا استبدال دعم الأسعار ببديل نقدي لأن الفئة الوحيدة المتاح معرفة دخولها بدرجة معقولة من الدقة هي فئة المشتغلين بالحكومة، أما الفئات الأخرى يصعب تقدير دخولهم أو وصول الدعم النقدي لهم لغياب منظومة المعلومات المناسبة.
رأينا أنّ الفقر يُعتبر تقليديا قدرا وهو من طبيعة الأشياء فالرزق على الله يعطيه من يشاء متى شاء. لذلك لا أحد يستغرب وجود الفقر في مجتمع ما لأنه موجود في جميع المجتمعات وكأنما هو من خصائص كل مجتمع إلا أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونسبة الفقراء في المجتمع. مثل الفقر أيا كانت أبعاده عائقا رئيسيا أمام كافة الجهود الإنمائية والاستثمار في البيئة أو المجتمع ورفع معدلات النمو والأداء الاقتصادي والاجتماعي كما يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاجتماعي في كافة البلدان ومصدرا رئيسيا للقلق وعدم اطمئنان الفرد على حاضره ومستقبله. ونجد كثيراً من علماء الاجتماع قد اهتموا بوضع المقترحات لمواجهة الفقر منهم «الفريدمان» الذي وضع نموذجا لتفعيل أو التمكين للفقراء ويعني بالتمكن هنا أنه قدرة البشر بشكل خاص على امتلاك المزايا التالية: • مدخل لمصادر إنتاجية تمكنهم من زيادة مكاسبهم من الموارد والخدمات التي يحتاجونها • المشاركة في قرارات عملية التنمية، وهو يرى أن الفقراء تنقصهم مصادر القوة الاجتماعية والاقتصادية لتحسين ظروفهم المعيشية. وهو يرى أيضا أن الفرد فقير وليس لأنه يفتقد الثروة ولكن لأنه ليس لديه مدخول للحصول على القوة الاجتماعية. ولقد أورد «الفريدمان» ثمانية أسس لمواجهة الفقر وهي • توفير مكان لحياة آمنة للفرد. • طرح مداخل لاستغلال الوقت. • اكتساب المعرفة والمهارة. • توفير المعلومات. • الانضمام لمنظمات اجتماعية • إقامة شبكة اجتماعية مكثفة مع العالم الخارجي • توفير وسائل العمل والإنتاج. • توفير الدعم المالي.
الإستراتيجيات العملية
اتُّخذت جملة من الإستراتيجيات العملية لتحقيق الأهداف المحددة، أبرزها:
– تأسيس شبكة عمل مع مؤسسة مكافحة الفقر في الولاية وإنشاء روابط مع الوكالات الحكومية المعنية بالتنمية والتطوير الريفي؛ وهو ما أتاح الفرصة أمام أهالي القرية للتعلم من تجارب الآخرين وتطوير قدراتهم ومهاراتهم إلى جانب تقوية شعورهم بأهمية العمل الجماعي في مواجهة مشكلة الفقر.
– التركيز على التحول إلى الأنشطة الزراعية والتجارية التي تلبي طلب الأسواق المحلية في القرى والمدن المجاورة من خلال إدخال تقنية إنتاجية جديدة وزيادة إنتاجية المشروعات الزراعية والمنشآت التجارية.
– تشجيع الفلاحين على المشاركة في أنشطة اتحاد الفلاحين في المنطقة من أجل حشد الموارد المحلية، وتعبئتها لخدمة سكان المنطقة، وتهيئة إطار تنظيمي وتعاوني بين الفلاحين يهتم بقضاياهم في المنطقة.
– إقامة حلقة عمل لمجموعة الأسر الأشد فقراً (50 أسرة)، يتم فيها مناقشة البرنامج واختيار الأسرة التي تبدي رغبة في الاستفادة من البرنامج واتباع الخطوات المرسومة لتنفيذه.
الخطوات التنفيذية
يتم تقسيم الأسر التي توافق على البرنامج إلى مجموعات عمل تنتخب كل مجموعة رئيسا لها، وتخضع لدورة تدريبية يتم فيها شرح طريقة عمل البرنامج والخطة التفصيلية والوسائل العملية وتقسيم الأدوار، وتقوم الحكومة والجهات الراعية للبرنامج (المصانع التي لها استثمارات في ماليزيا) بتوفير التمويل والتقنية الإنتاجية والتسويق، بينما يقوم الفلاح بالعمل على الأرض، وتقدم الهيئة الحكومية لمكافحة الفقر في الولاية الأرض الصالحة للزراعة.
يُذكر أن اللجنة التنفيذية المكونة من الأهالي يتم توزيع أعضائها حسب الحاجات المحلية للسكان بحيث تشمل الأرض والأعمال الزراعية، ورعاية الأسر الأكثر فقرا، والصحة والتعليم والبيئة، وتطوير المجتمع، والشؤون الدينية.
هذا إلى جانب مشاركة الوكالات الرسمية والمنظمات الشعبية في عملية التوجيه والمتابعة في إطار شبكة عمل واحدة لقد نجحت التجربة وسارعت كثير من الأقاليم الفقيرة الماليزية والمناطق الريفية الأقل نموا في تطبيقها والاحتذاء بها. ولعل العالم الإسلامي يجد في هذه التجربة ما يفيده.
من ناحية علاقة البطالة بزيادة نسبة الفقر في المجتمع، فالعلاقة واضحة لا تحتاج إلى تفسيرات، من لا يعمل لن يرزق وبالتالي لن ينفق على نفسه وعلى أسرته، ولكن الغريب أنه وفي أوطاننا العزيزة يعمل الإنسان وظيفتين وربما ثلاثة وظائف لكنه لا زال فقيراً، ولا تصدعوا رؤوسنا بثقافة العيب، فقد دعت الظروف الشباب العاطل عن العمل إلى تجاوز هذه الفكرة الدونية التي كانت بنظرهم عن بعض الأعمال، ولكن هل التزمت الدول بضمان الحقوق الكاملة للعمال وعلى رأسها الأجور التي تتناسب مع مجهوداتهم، ومع ما ينفقونه من وقت ؟! أيضاً الجواب لا، وهذا واضح جلي مما نشاهده على أرض الواقع فأرباب العمل يزدادون غنى وعمالهم يزدادون فقراً، فليس كل من يرفض العمل هو بالضرورة ممن يتبعون بتفكيرهم ثقافة عيبكم هذه، ولكنه قد يكون من الناس الضين يفضلون الموت جوعاً على أن يذل نفسه عند من أعياه الطمع وكنز المال و أن يضيع عمره وجهده مقابل الفتات.
المصدر : الصدى نت