مقالات
رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – * مقالة خاصة بمناسبة حلول شهر رمضان

مرحبًا برمضان: عبرٌ ونفحاتٌ وتوصياتٌ لاستثمار شهر الطاعات
الحمد لله الذي بلَّغنا رمضان، ووفَّقنا لاستقبال شهر الرحمة والغفران، والصلاة والسلام على خير من صام وقام، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولًا: رمضان شهر العبر والدروس
رمضان ليس مجرد شهرٍ للصيام والإمساك عن الطعام، بل هو مدرسة إيمانية تفيض بالعبر والدروس التي ينبغي للمؤمن أن يتأملها:
1- التقوى غاية الصيام:
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183). فالصيام وسيلةٌ لتحقيق التقوى، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
2- الصبر والانضباط:
يعلمنا الصيام الصبر على الجوع والعطش، وكبح جماح الشهوات، مما ينعكس على حياة المسلم في ضبط النفس أمام الفتن والمغريات.
3- توحيد الأمة:
رمضان يجمع المسلمين في عبادة موحدة، يُوحِّد مشاعرهم ويوطِّد بينهم روح الأخوة والتكافل.
ثانيًا: نفحات رمضان المبارك
رمضان يحمل في طياته نفحاتٍ إيمانيةً عظيمة، يجب علينا أن نتعرض لها ونغتنمها:
1- ليلة القدر:
وهي خير من ألف شهر، يقول الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3). فحريٌّ بنا الاجتهاد في العشر الأواخر للفوز بفضلها.
2- مضاعفة الأجر:
العمل الصالح في رمضان يضاعف، والرحمة والمغفرة والعتق من النار لمن أخلص نيته واجتهد في العبادة.
3- فتح أبواب الجنة:
كما جاء في الحديث الصحيح: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» (متفق عليه).
ثالثًا: توصيات لاستثمار رمضان
حتى نحقق الفائدة العظمى من هذا الشهر، لا بد من اتباع بعض التوصيات:
1- تنظيم الوقت:
لا بد من وضع جدول يومي يشمل أوقات الصلوات، وقراءة القرآن، والقيام، والأذكار، والصدقات.
2- القرآن رفيق الشهر:
فرمضان شهر القرآن، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (البقرة: 185)، فليكن لنا ورد يومي نداوم عليه.
3- كثرة الدعاء:
الصائم دعوته مستجابة، فلنحرص على الإكثار من الدعاء لأنفسنا ولأمتنا.
4- الحرص على قيام الليل:
قال النبي ﷺ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
5- إطعام الطعام والصدقة:
قال النبي ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» (الترمذي)، فلنتذكر الفقراء والمحتاجين.
رابعًا: كيف نخرج من رمضان بفوز عظيم؟
1- المداومة على الطاعات:
فلا يكن رمضان محطةً مؤقتة، بل نقطة انطلاق لحياةٍ أكثر قربًا من الله.
2- تجديد التوبة:
والاستغفار من الذنوب الماضية، والعزم على عدم الرجوع إليها.
3- توطيد العلاقات: بالسعي في إصلاح ذات البين، وصلة الرحم، والتسامح مع الآخرين.
خامسًا: الحذر من الظلم والعدوان في رمضان
رمضان شهر الرحمة والعبادة، لكنه لا يعصم بعض القلوب القاسية من الظلم والعدوان، فهناك من يستهين بحرمة هذا الشهر المبارك، فيتمادى في القتل والاعتداء على الأبرياء، غير مبالٍ بحرمة الدماء التي جعلها الله أعظم من حرمة الكعبة، كما جاء في الحديث: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» (الترمذي). وإن كان الظلم محرمًا في كل وقت، فإنه في رمضان أشد جرمًا وأعظم إثماً، لأن هذا الشهر شهر الطاعة والمغفرة، فكيف بمن يجعله شهر القتل والترويع؟!
لذا، على كل ظالم أن يتذكر أن الله مُطَّلع على أفعاله، وأنه ﴿لَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف: 49)، وأنه سبحانه يمهل ولا يهمل، وأن عقاب الظالم آتٍ لا محالة. قال النبي ﷺ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» (مسلم). فليحذر المعتدي من أن يكون من الذين يستبدلون بركات رمضان بلعنة الله وسخطه، وليعد إلى رشده قبل أن يفوته الأوان.
نعود صبيحة الغد لنستمر معكم في سلسلة: إعلام الداخل الفلسطيني: بين التوجيه والتضليل
* عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ( المسؤولية الأخلاقية للإعلاميين والمثقفين في الداخل الفلسطيني ).
* طاب صباحكم ونهاركم، وسائر أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يبلّغنا رمضان، جمعة مباركة
* مقالة رقم: (1887)
* 01. رمضان . 1446هـ
* السبت . 01.03.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)