مقالات
إقرأ. تدبّر. إجتهد رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
* سلسلة خاصّة بالعشر الأواخر من رمضان وعنوانها: "العشر الأواخر من رمضان: فضائلها، عباداتها، وأثرها بعد الرحيل"

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
* كيف نحافظ على روحانية رمضان بعد انتهائه؟ (8)
رمضان شهر تتجلى فيه الروحانية بأبهى صورها؛ قلوبٌ تخشع، وألسنة تلهج بالذكر، ونفوس تعيش أسمى لحظات القرب من الله. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحافظ على هذه الروحانية بعد انقضاء الشهر؟ كيف لا نكون ممن (يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)؟
أولًا: إدراك أنّ الله رب رمضان ورب الشهور كلها
من الخطأ أن يكون اجتهادنا في رمضان فقط، وكأن علاقتنا بالله موسمية. من عرف الله في رمضان، فليثبت معرفته به في شوال وما بعده، قال النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» (رواه البخاري). فالسر ليس في الكثرة المؤقتة، بل في الاستمرارية.
ثانيًا: تثبيت العبادات الرمضانية
رمضان مدرسة تربوية، وأفضل ما نحافظ به على روحانيته هو الاستمرار في العبادات التي اعتدنا عليها، ولو بحدها الأدنى:
• الصيام: كان النبي ﷺ يصوم الإثنين والخميس، وصيام الست من شوال امتداد لنفحات رمضان.
• القيام: صلاة التهجد لا يجب أن تنقطع، ولو بركعتين قبل النوم.
• القرآن: من ختمه في رمضان، فليجعل له وردًا يوميًا، فخير الناس كما قال ﷺ: «من تعلَّم القرآن وعلَّمه» (رواه البخاري).
ثالثًا: استدامة أجواء الطاعة الجماعية
رمضان يعلّمنا أن للطاعة بيئة تُعين عليها، فمن اعتاد المسجد والتواصل مع الصالحين، فليحرص على هذه العادة بعد رمضان، فلا شيء يضعف الإيمان كالعزلة عن أهل الخير. قال النبي ﷺ: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (رواه أبو داود).
رابعًا: تجديد النية والمراقبة الذاتية
لعل أعظم ما اكتسبناه في رمضان هو الشعور بمراقبة الله، فكما كنا نمتنع عن المفطرات رغم عدم وجود رقيب، فلنجعل هذا الإحساس ممتدًا في كل تصرفاتنا. فمن حفظ لسانه في رمضان، فليحفظه بعده، ومن ترك الحرام، فليجعل ذلك عهدًا لا رجعة فيه.
خامسًا: التوازن بين الدنيا والآخرة
الإسلام لا يطلب منا أن نكون رهبانًا بعد رمضان، بل أن نوازن بين أعمالنا الدنيوية وعبادتنا، كما قال ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77). فالروحانية ليست انعزالًا، بل حياة متكاملة على نور من الله.
سادسًا: الاستمرار في فعل الخير
رمضان شهر الصدقات والإحسان، فهل يجب أن يتوقف ذلك بانتهاء الشهر؟! من كان يخرج زكاة الفطر، فليجعل لنفسه صدقة ولو صغيرة بشكل منتظم، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
سابعًا: المجاهدة والاستمرارية
قد نشعر بعد رمضان ببعض الفتور، وهذا طبيعي، لكن لا ينبغي أن يكون سببًا في التوقف عن الطاعات، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69). فمن جاهد نفسه، وجد العون من الله.
ختامًا
من خرج من رمضان وهو أرقّ قلبًا، وأصدق لسانًا، وأكثر إقبالًا على الله، فقد نال الثمرة الحقيقية، أما من عاد إلى ما كان عليه قبل رمضان، فليتساءل بصدق: هل كان صيامه إيمانًا واحتسابًا، أم عادةً مؤقتة؟ فلنحرص أن يكون رمضان نقطة تحول، لا محطة عابرة.
* تقبل الله الصلاة والصيام والقيام وسائر الطاعات واجعلنا من عتقاء رمضان
* مقالة رقم: (1914)
* 28. رمضان . 1446 هـ
* الجمعة. 28.03.2025م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)