مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة * الاغتراب في الأوطان، لماذا نشعر أننا غرباء؟ (1)

* بين الأرض والهوية: كيف نصبح غرباء في أوطاننا؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

يتناول موضوع “الاغتراب في الأوطان” الشعور بالغربة داخل الوطن، وهو إحساس يعيشه كثير من الناس رغم أنهم في بيئتهم الطبيعية وبين أهلهم، وهذا لم يأتِ من فراغ فهناك عدة أسباب لهذا الشعور، مثل التحولات الثقافية والاجتماعية، والسياسية، واستفحال الجريمة والضغوط الاقتصادية، وابتعاد المجتمعات عن هويتها وقيمها.
أما أهداف هذه السلسلة فهي :
1- تحليل الظاهرة:
وفهم أسباب الشعور بالغربة في الأوطان، سواء كانت نفسية، اجتماعية، أو سياسية…

2- ربطها بالهوية والقيم:
استكشاف العلاقة بين فقدان الهوية والشعور بالاغتراب، خاصة في المجتمعات التي تمر بتغيرات ثقافية وسياسية واجتماعية

3- إيجاد الحلول:
بمعنى طرح رؤى لمعالجة هذا الشعور، سواء على المستوى الفردي (الوعي بالذات) أو المجتمعي (تعزيز الانتماء وبناء هوية متماسكة).

4- تقديم رؤية إسلامية:
كيف يمكن للمنظور الإسلامي أن يساعد في مواجهة الشعور بالاغتراب وتعزيز الإحساس بالانتماء؟
* في البداية وضعت العنوان الذي أبدأ فيه هذه السلسلة وهو: بين الأرض والهوية: كيف نصبح غرباء في أوطاننا؟
* أقول بسم الله أولًا، ليس الاغتراب دائمًا رحلة خارج الحدود، فقد نجد أنفسنا غرباء في أوطاننا، وكأننا نعيش في أماكن لم تعد تُشبهنا، أو بين أناس لم نعد نفهمهم، فهذه الغربة الداخلية ليست مجرد إحساس عابر، بل هي نتيجة تحولات عميقة في الهوية والقيم والثقافة.
1- الاغتراب الثقافي والتغيرات الاجتماعية
تتغير المجتمعات مع الزمن، وأحيانًا يكون هذا التغير سريعًا ومفاجئًا، فلا يعود الإنسان يجد نفسه في العادات والسلوكيات التي كانت مألوفة له، خصوصًا عندما تضعف القيم التي نشأ عليها، ويجد أن المجتمع بدأ يسير في اتجاه جديد لا يفهمه أو لا يتقبله، يشعر بالغربة رغم أنه لم يغادر موطنه.

2- فقدان العدالة والانتماء
قد يشعر الإنسان بالغربة عندما يفقد الإحساس بالعدالة في مجتمعه، أو عندما يشعر أن صوته غير مسموع، أو أن حقوقه مهمشة، فالانتماء لا يكون بالأرض فقط، بل أيضًا بالإحساس بأن الوطن يحتضن أبناءه، ويحفظ كرامتهم…فما بالك عندما يحكمك من لا يريدك؟

3- الاغتراب الديني والفكري
عندما تتغير المفاهيم الدينية والقيم الأخلاقية في المجتمع، ويصبح الإنسان محاصرًا بأفكار دخيلة أو منحرفة، قد يشعر بأنه غريب وسط أهله، ورغم أن هذه الغربة ليست دائمًا سلبية، فقد عاشها الأنبياء والمصلحون عندما اختلفت قيمهم مع قيم مجتمعاتهم، لكنهم جعلوها وسيلة للإصلاح لا للعزلة.

4- كيف نتعامل مع هذه الغربة؟
• لا يكون الحل بالاستسلام لهذا الشعور، بل بالسعي إلى بناء جسور بين الفرد والمجتمع، عبر التفاعل الإيجابي، وتعزيز القيم الأصيلة، ونشر الوعي، كذلك فإن التمسك بالهوية الإيمانية يعطي الإنسان ثباتًا، فلا يهتز بتغيرات المجتمع، بل يسعى ليكون مؤثرًا فيه، ولا يستسلم للظواهر الدخيلة عليه من فسادٍ وإفسادٍ وإجرام فالشعور بالغربة في الوطن قد يكون مؤلمًا، لكنه قد يكون أيضًا دافعًا للبحث عن المعنى، والعمل من أجل الإصلاح، ليصبح وطننا الذي ليس لنا وطنًا سواه أكثر قربًا لأرواحنا وهويتنا..وفي هذه السلسلة سوف أسلط الضوء على العديد من العناوين المهمة التي تلامس واقعنا بمشيئة الله تعالى.
• أما عنوان مقالتنا القادمة فهو: (اغتراب اللغة والثقافة: هل فقدنا لغتنا أم أضعنا هويتنا؟)

* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1867)
10. شعبان . 1446هـ
الأحد .09.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق