مقالات

هذا ليس عكس ذاك! (١) التعريب التعريب “تعريب العلوم والمعارف”، لا يعني عدم تعلم لغات أجنبية وإتقانها.

الدكتور عمرو عبد الهادي السيد ماضي أستاذ محاضر- في جامعة هارفارد

كثير من (المثقفين) وغيرهم، يخلطون بين تعريب المناهج، وعدم إجادة اللغات الأجنبية.. ولكن في الواقع الأكاديمي، وبالمنطق البسيط كذلك، ترتفع مستويات الفهم والكفاءة عند تدريس العلوم بلغة المتعلمين الأم (تجربة ماليزيا نموذجا، وأكيد سوريا، وأرجو ممكن لديهم خبرات من مثل هذه التجارب أن يفيدونا). لكن هذا لا يعني عدم العمل على اكتساب غير لغة أجنبية.

مر العالم في تاريخه المتواضع بلغات سيطرت نسبيا على الإنتاج العالمي (اليوناني- اللاتيني- العربي- الإنجليزي) لكنّ حركاتِ الترجمة كانت هي البدايات لانتقال السيطرة من لغة لأخرى. فلن نتمكن نحن العرب من الإسهام في ركب المعارف إلا بفهمنا الدقيق لها، والفهم الدقيق يزداد كلما تلقينا المعارف وأصولها بلغتنا الأم.
فبرأيي (التعريب، ثم التعريب، ثم التعريب)، مع ضرورة إجادة لغات أجنبية.

هذا ليس عكس ذاك! (٢) المحكيات
إدراج محكية بجوار الفصحى في مناهج العربية لغة ثانية، لا يعني إبدال المحكية بالفصحى. (الباء تدخل على المتروك).

هناك فرق كبير بين مهاجمة الفصحى، وإنصاف المحكية. فالأول غير أكاديمي، والثاني واقعي وضروري، والعربية أكاديميا هي الفصحى والمحكية معا، حتى إن تصور الوعي الشعبي الجمعي أن العربية هي الفصحى فقط، فالتحليل الأكاديمي يثبت أن العربية هي الفصحى والمحكية (كلاهما- المستويين- عربية!).
وإجادة الفصحى أمر لا يمكن الحكم باكتساب إتقان العربية بدونه، ولكن حاجة المتعلمين منذ بدايات تعلم العربية إلى محكية من المحكيات أمر ضروري جدا.

هل نجحت مؤسسات في تقديم الفصحى والمحكية متجاورتين ووصل المتعلمون فيها إلى مستوى إتقان العربية، والتفريق بين الفصحى والمحكية في المواقف التي تستدعي الفصل؟ نعم!

هل تغلبت هذه المؤسسات على التشوش الحاصل، والخلط الحاصل بين الفصحى والمحكية في المستويات الأولى، ووصل المتعلمون إلى مستوى إتقان العربية؟ نعم!

هل معنى هذا أن المتعلمين في هذه المؤسسات لم يدرسوا الفصحى؟ لا!

هل أسهم تعلم محكية بجوار الفصحى في تدهور حال الفصحى عند المتعلمين؟ لا!

لماذا لا ندرّس المحكية بعد سنتين أو ثلاث من دراسة الفصحى؟ لأن المتعلمين يحتاجون إليها منذ اليوم الأول للتواصل مع النصوص والمواقف الحقيقة الطبيعية، ولأن العربية على المستوى الأكاديمي هي الفصحى والمحكية وليست الفصحى فقط.

ما علاقة دعم تعلم محكية إلى جوار الفصحى في العربية لغة ثانية، بدعوات كتابة العربية بحروف لاتينية، أو بدعم الكتابات الأكاديمية بالمحكية، أو بدعم استخدام اللغات الأجنبية بدلا من العربية؟ لا توجد أدنى علاقة.

هل الفصحى فقط هي ما توحد العالم العربي على مستوى اللغة؟ لا، والدليل أن العرب مختلفي الجنسيات لا يتحدثون الفصحى عندما يلتقون، ويفهم كل منهما الآخرين بمحكياتهم- حتى المغربية والجزائرية والتونسية. وهذا يعني أن المشترك بين المحكيات أكبر بكثير من المتخلف سواء في المفردات أم في التراكيب والمعاني.

لماذا يواجه أهل المشرق العربي بشكل عام، تحديات في فهم أهل المغرب العربي؟ لأنهم- المشرقيين، لم يعتادوا التنغيم وطرق النطق لعربية أهل المغرب العربي.

هل محكيات أهل تونس والمغرب والجزائر عربية؟ نعم، على المستوى الأكاديمي عربية، تماما مثل الشامية والخليجية والسودانية والمصرية والعراقية واليمنية. ولكن ربما على المستوى الشعبي أو حتى من قبل بعض المثقفين يرونها غير عربية، ورأيهم غر أكاديمي، حتى لو كانوا مغاربة ويرون لهجاتهم غير عربية فهم مخطئون أكاديميا، لأن التحليل الصوتي والصرفي والتراكبيبي والمعجمي يثبت عربية كل اللهجات العربية. (المراجع كثيرة فأهلا وسهلا).

ولكن هناك كثير من الأمازيغية والفرنسية وربما الإسبانية في لهجات المغرب العربي، فكيف تكون عربية؟ وهناك كثير من الفارسية والمصرية القديمة والتركية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية في لهجات أهل المشرق العربي، ولا تزال هذه اللهجات عربية. وهناك كثير من المفردات العبرية والفارسية والآرامية وغيرها في الفصحى ولا تزال الفصحى عربية، وبعضها في القرآن الكريم، وهو كتاب عربي.
الحكم على كون لغة مختلفة عن لغة لا يخضع لكون بعض المفردات مختلفة، فاللغات تستعير المفردات من بعضها، ولكن بالتراكيب أولا. ولا تعني الاستعارة للمفردات تغيير اللغة.

ولكن لماذا لا يفهم المصريون المغاربة، في حين يفهمهم المغاربة؟ السؤال فيه خطأ منطقي، ولكن يفهم المغاربة الذين اعتادوا على المصرية، المصرية، لأنهم اعتادوا على الاستماع إليها لأسباب التعود، وبالتأكيد إذا لم يعتد مغربي أو مغربية الاستماع إلى المصرية فلن يفهموها إلا بعد التعود. ولا يفهم المصريون بشكل عام المغربية لأنهم لم يعتادوا على الاستماع إليها، ويفهمونها تماما بعد التعود والتفاعل معها، والدليل هو الواقع (سافر كثير من المصريين إلى المغرب وفهموا اللهجة المغربية خلال أيام بعد أن تفاعلوا معها بالاستماع). وهذا أكبر دليل على كون هذه اللهجات عربية بامتياز، وبأن المشترك بين اللهجات أكبر بكثير من الاختلاف.

ولكن هناك مفردات كثيرة متخلفة بين اللهجات.
هذا الأمر غير حقيقي إذا قارنا المشترك بالمتخلف. يظهر الاختلاف عادة في المفردات الحيوية اليومية (اختلاف المفردة كاملة)، ولكن عدد هذه المفردات مهما بدا كثيرا فهو قليل وزهيد مقارنة بالمشترك. ولعل الاختلاف الأبرز هو التنغيم وطريقة نطق المفردات (حتى المشترك منها)، فالمغربي ينطق كلمة “تفاح” بطرقة تختلف نسبيا عن المصري وكلاهما يختلف عن السوداني، وكلهم يختلفون عن أهل الخليج. حتى بالفصحى يمكن تخمين المنطقة الكبيرة للمتحدثين فقط بسبب طريقة نطقهم للفصحى.

لماذا تدافع عن المحكية؟ لأنها عربية، عدم إنصافها هو عدم إنصاف للعربية. وعدم إدراج المحكية بجوار الفصحى في مناهج العربية لغة ثانية هو نظرة استشراقية غبية، للأسف تتفق معها كثير الأفكار العربية.

أيَّ محكية ندرّس للمتعلمين؟ بجوار الفصحى، مرة أخرى بجوار الفصحى، (كمان مرة والنبي) بجوار الفصحى ندرّس أي محكية، ذلك لأن العرب يتقنون محكية واحدة فقط. (بجوار الفصحى).

وماذا لو درست طالبة أمريكية الفصحى بجوار المغربية، ولكنها سافرت إلى سوريا؟ (كده ضاعت فلوسك يا صابر، تروح تبل المغربية وتشرب ميتها)
لو درست طالبة المغربية بجوار الفصحى وسافرت إلى سوريا، ستفعل مثلما يفعل المغاربة حين يسافرون إلى سوريا. (بسيطة أهيه: بصوت توفيق عكاشة).

هل كل الضيوف على قناة الجزيرة والعربية يتحدون بالفصحى دائما، وخصوصا في الاتجاه المعاكس؟ لا، يتحدون المحكية بجوار الفصحى حسب الانفعال والموضوعات، وفيصل القاسم بجلالة قدره يستخدم المحكية السورية (عادي جدا).

هل (شيرين) فقط هي من تتكلم المصرية، في حين يتحدث باقي الفنانين بالفصحى في برامج المسابقات؟ لا، عاصي يتكلم باللبنانية، وكاظم بالعراقية، ونانسي باللبنانية، وأحلام بالإماراتية. أقسم بالله!

لماذا انتشرت المصرية؟ لأسباب غير لغوية، وليس لأنها لهجة سهلة.

ما أسهل لهجة عربية؟ أكاديميا لا يوجد.

ما أقرب لهجة عربية إلى الفصحى؟ أكاديما لا يوجد. (ومش الخليجية ولا اليمنية ولا أي لهجة).

هل أنت تدس السم في العسل؟ لا.

هل أنت عميل تريد تدمير العربية والإسلام؟ لا.

هل المصريون مغرورون لأنهم لا يفهمون اللهجات الأخرى من العالم العربي؟ لا.

وكفاية كده!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق