مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* الشباب بين التوجهات الحديثة والالتزامات الدينية (2)
في مقالنا السابق بالأمس، ناقشنا التحديات التي يواجهها الشباب المسلم اليوم في ظل التوجهات الحديثة والمتسارعة التي تجتاح المجتمعات الإسلامية، وبينما يبحث الشباب عن توازن بين الالتزام الديني ومتطلبات العصر، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات عملية وعميقة تساعدهم على تحقيق هذا التوازن دون المساس بالهوية الإسلامية.
– يأتي في مقدمة هذه الاستراتيجيات مفهوم “الاعتدال”، وهو إحدى الركائز الأساسية في الإسلام، حيث يُعتبر وسيلة فعّالة لمواجهة التحديات المعاصرة، فالاعتدال لا يعني الابتعاد عن التوجهات الحديثة، بل هو دعوة لتبني هذه التوجهات بما يتوافق مع الأخلاق والقيم الدينية، مما يمنح الشباب فرصة للمشاركة في المجتمع بفعالية دون تنازل عن المبدأ أو الهوية.
* طرق تعميق الالتزام الديني مع مواكبة العصر
1- تطوير مهارات النقد الواعي:
تفرض التوجهات العصرية المختلفة ضرورة أن يكون لدى الشباب وعي نقدي يمكّنهم من تحليل الأفكار والممارسات، وبالتالي اختيار ما يتوافق مع قيمهم الدينية، يمكن تعزيز هذه المهارة من خلال حضور الدورات التي تعزز التفكير النقدي، وقراءة الكتب التي تسلط الضوء على كيفية تطبيق مبادئ الإسلام في العصر الحديث.
2- الانخراط في مجالات التعليم والتدريب التقني:
من المهم أن يدرك الشباب أن التكنولوجيا ليست عدوًا للدين، بل يمكن استخدامها كوسيلة لإثراء حياتهم وتقوية التزامهم الديني لديهم، فالتقنيات الحديثة تمكّن الشباب من نشر الدعوة بطرق مبتكرة، وتسهّل الوصول إلى العلوم الشرعية، وتساعد في تنفيذ مشاريعهم الخيرية والاجتماعية التي تتماشى مع القيم الدينية.
3- التواصل مع النماذج الإيجابية:
تساهم النماذج الإيجابية من المجتمع، مثل العلماء والدعاة الذين يستخدمون التكنولوجيا بفعالية لنشر الدعوة، في توجيه الشباب نحو تبني التوجهات الحديثة بشكل يتوافق مع القيم الإسلامية، فالتأثر بهؤلاء يعزز لدى الشباب الإحساس بإمكانية التوازن بين الدين والعصر، ويزودهم بالدعم المعنوي المطلوب.
4- المشاركة في برامج التطوع والخدمة المجتمعية: تؤدي المشاركة في الأنشطة المجتمعية إلى توثيق علاقة الشباب بمجتمعهم، كما تتيح لهم الفرصة للتفاعل مع مختلف فئات المجتمع وتطبيق مبادئ دينهم بشكل عملي، هذه الأنشطة يمكن أن تشمل تقديم المساعدة للمحتاجين، أو تنظيف الأحياء، أو تنظيف المقابر، أو تعليم المهارات التي تساعد على تطوير المجتمع، وهي جميعها مجالات تعزز قيم التعاون والتكافل التي يحث عليها الإسلام.
* دور المؤسسات التعليمية والدينية
حيث يؤدي التعليم الديني دورًا جوهريًا في توجيه الشباب، فمن خلال تزويدهم بالمعرفة السليمة وتعزيز فهمهم لمبادئ دينهم، يمكن تمكينهم من اتخاذ قرارات حكيمة في عصر العولمة، ولذلك فعلى المؤسسات التعليمية والدينية أيضًا أن تتعاون في توفير برامج تثقيفية تربط بين المبادئ الدينية والتطبيقات المعاصرة، ما يساعد في جعل الالتزام الديني جزءًا طبيعيًا من حياة الشباب اليومية، بدلًا من أن يكون مجرد واجب يقتصر على ممارسات محددة.
– ومع تقدم العصر وتزايد التعقيد في الحياة، تزداد أهمية أن يرسّخ الشباب المسلم قيمهم الدينية، وأن يُحافظوا على هويتهم في ظل التوجهات الحديثة، إن القدرة على التوازن بين الدين ومتطلبات العصر ليست مستحيلة، بل هي دعوة للعمل بوعي وإصرار وتخطيط مستمر…يتبع
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: 1779)
12 جمادى الأولى. 1446هـ
الخميس 14.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)