فلسطين تراث وحضاره

الثوب الفلسيني تراث وحضارة

همسة سماء الثقافة :-يمثل التراث بالنسبة إلى الفلسطينيين، الهوية والجذور الضاربة في التاريخ، ويعود بأصالته إلى الحضارة الكنعانية الأولى على الأرض الفلسطينية قبل آلاف السنين، وقد مثلت فيه الألوان والنقوش والزخارف معاني عريقة تُلامس بالروح تراب الأرض.

ويمتاز زي المرأة الفلسطينية في التراث الفلسطيني، بأصالة الصنعة وجمال التصميم، وإبداع الحرفي، إذ تتقاطع الخطوط وتلتقي لتشكل معاني ذات مدلولات تاريخية أصيلة، تلتقي في أصالتها مع ما عثر عليه الباحثون من رسوم على الصخور في الكهوف الكنعانية والفينيقية.
وتعبر الزخارف على الثوب الفلسطيني عن جغرافيا المكان للمرأة الفلسطينية والهوية الشخصية لها، حتى إنها تعبر عن الحالة الاجتماعية والنفسية لها.
اشتهرت مناطق أكثر من غيرها في صناعة النسيج، ومنها بلدة المجدل ” عسقلان ” على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكان النول وسيلة إنتاج النسيج الفلسطيني القديمة التي تطورت عبر العصور منذ العهد الكنعاني، وكان آخر مراحل تطورها في عهد الانتداب البريطاني 1917، والتي شكلت الأساس لإنتاج الثوب وخاصة ” المجدلاوي ” منه، حيث كانت تعد المجدل المصدر الرئيسي له، إلى جانب صفد ونابلس وبيت لحم.
لم يكن الثوب المجدلاوي حكرا على أهل المجدل وحدهم، فقد كانت حوالي 1000 قرية ترتدي هذا القماش، ومعظمها على الساحل إلى الجنوب من مدينة يافا، لكن كل قرية عُرفت بتطريز مختلف عن الأخرى، بحيث يستطيع أي شخص تحديد مكان سكن المرأة أو الفتاة من خلال النقوش والألوان التي تطرز على الثوب، وهي تعبّر عن دلالات ورموز خاصة.
اشتهر المجدل بأربعة ألوان من القماش: ” جنة ونار ” وفيه يرمز الخط الأخضر إلى الجنة، بجانب الخط الأحمر الذي يرمز إلى النار، و ” أبو متين “، وكانت ترتديهما الفتيات. والنوعان الآخران هما الجلجلي والبلتاجي، وكانت ترتديهما المرأة بعد سن الخمسين، رمزا للوقار لهدوء ألوانهما.
أصيبت صناعة النسيج المجدلاوي بانتكاسة كبيرة، بعد هزيمة العام 1967، ويرجع ذلك إلى أن سلطات الإحتلال الصهيونية وضعت عراقيل أمام استيراد الخيوط من مصر والهند، في الوقت الذي أغرقت السوق الفلسطينية بالمنسوجات الحديثة رخيصة الثمن، عدا عن أن المنسوجات اليدوية مكلفة، وأصبح استخدامها مقصورا على الأغنياء الذين تمسكوا بالتراث الفلسطيني. وتوقفت جميع صناعات النسيج اليدوية عن العمل، بحلول العام 1970.
تستوحي الأثواب الفلسطينية ألوانها من الطبيعة التي كانت تستخرج من النباتات الطبيعية.
اللون الأصفر كان يستخرج من الزعفران، واللون الأزرق من نبات ” النيلة ” التي كانت تزرع في مدينة أريحا، واللون البني من لحاء الشجر، والأخضر من ورق الشجر، والأحمر من حيوانات ” الموركس ” الصدفية التي كانت تجلب من ساحل البحر المتوسط ، حيث كان يستخرج دم الحيوان ويوضع عليه الملح، ثم يغلى، ويغمس فيه الصوف، أو الخيوط، من 5 إلى 6 ساعات، ثم يجفف ويغزل ويطرز، وتستبدل الآن الصبغة الطبيعية بمواد كيماوية أرخص ثمنا.
أما القماش كان يصنع من الكتان والقطن الذي كان يزرع في فلسطين، وكان الحرير ينسج من دودة القز التي زرع الفلسطينيون لها شجر التوت خصيصا. وكان الصوف يجز من الأغنام.
يظهر بعض الإختلاف بين أثواب المناطق الساحلية عن تلك التي كانت ترتديها المرأة في المناطق الجبلية أو الصحراوية، ويتميز ثوب المدينة الساحلية ” اسدود ” بالقماش الكنعاني السميك، المخيط يدويا على النول المجدلاوي، ويتحلى معظمه بالتطريز الذي تميزه زخارف ” الحجاب ” وهي عبارة عن مثلثات متقابلة الرأس، والنجمة الكنعانية، وتشتهر أثواب غزة باللون الكحلي الغامق وشرائط القماش البنفسجية والخضراء، وقبته مزينة بالزخارف. أما ” طاقية ” الرأس فهي محاكة بخيوط ” الكورشيه ” والخزف.
وتتشابه أثواب منطقة يافا، ومنها قرى ” يبنة ويازور وبيت دجن والسافرية “، في التطريز والمميزات، مع اختلاف بين أثواب السافرية وبيت دجن. ويتميز ثوب بيت دجن باللون الأبيض ” رهباني “، أو ” رومي ” أسود أو أبيض، وهو من أجمل الأثواب الفلسطينية، وتزينه الزخارف، ومنها النجمة الكنعانية وشجر النخيل والريش. ويروى أن امرأة من مدينة بيت لحم تزوجت وانتقلت للإقامة في بيت دجن، أضافت النجمة إلى ثوبها.
ويتميز ثوب السافرية بالتطريز الكثيف وحجر الثوب والأكمام المبقج بالقماش الحريري الهرمزي بأشكال هندسية متميزة ومتنوعة، وتتزين به المرأة التي ترتدي الثوب وتضع في عنقها الحلي الفضية والكردان.
وفي منطقة بيت لحم يتميز ثوب العروس ” الملك ” بقطبة ” التحريرة ” والقصب، وخيط ” التحريرة ” عريض ومصنوع من الحرير، ويوضع فوق القماش، ويثبت بخيوط رفيعة من اللون ذاته، ويوضع على رأس العروس ” الشطوة ” وهي قطعة من مهرها، مزينة بالقطع الفضية والذهبية، وخرز المرجان، ويتدلى منها عقد فضي، يسمى ” سبعة أرواح ” تتدلى منه سبع سلاسل فضية لاعتقاد سائد بأنه يبعد الحسد عن العروس.
وترتدي العروس فوق ثيابها جاكيتا قصير الأكمام والطول محاكا أيضا، بخيوط الحرير والقصب.
أما ثوب العمل في بيت لحم فيغلب عليه اللون الأحمر الغامق وتميزه النجمة الكنعانية الثمانية، الموجودة في معظم أثواب فلسطين. وهو محاط بقصبة الصليب على القبة. ويخلو باقي الثوب من التطريز، وتميزه قطبة المنجل، أو السبلة، لربط القماش مع بعضه بعضا.
وقد ارتبطت النجمة الكنعانية الثمانية التي تحاك على الأزياء الشعبية، بالتاريخ الكنعاني القديم، حيث وجدت محفورة في كهوف أريحا. وقد عثرت عليها الباحثة الألمانية كاثلين كانون، وقدر عمرها بأربعة آلاف سنة.
وامتاز ثوب ” عرب التعامرة “، شرق مدينة بيت لحم، بطوله، بحيث يثنى عدة ثنيات، وطرفه الأسفل مطرز باللون الأحمر للمتزوجة. بينما يغطيه بالتطريز الأزرق أو الأخضر للمرأة المسنة أو الأرملة.
وغطاء الرأس مؤلف من عقد من الخرز، ” وكفوف فاطمة ” ويتدلى على الرقبة عقد فضي من الكفوف أيضا يعلوه ” الشنبر ” وهي قماشة سوداء، مطرزة مكثافة بالخطوط الحريرية الحمراء وتزينها ” الشراشيب “.
ويغلب على أقمشة منطقة رام الله، النوع الرومي الأبيض أو الأسود، ويغلب على تطريزه اللون الأحمر، ويتميز بزخارفه المحاكة عليه باللون الأحمر، وتسمى ” زخارف النخل العالي “. أما غطاء الرأس فهو ” الصفة “، وهي عقال تتدلى منه قطع العملة الذهبية، أو الفضية، ويعلوه صف آخر من العملة الفضية ويتدلى منه عقد فضي.
ويدعى ثوب السلوان في القدس ” ثوب الغبانة “، وهو من القماش الأصفر الموشى بالخيوط الذهبية، ويشبه في تطريزه منطقة بيت لحم، أما الثوب ” الأساودي ” لمنطقة دير ياسين، فيعرف بالخطوط ذات اللونين الأصفر والأسود، أو الأصفر والأحمر.
ومن أثواب منطقة الخليل ” دورا، السموع، الظاهرية “، أثواب ” الورد ” و ” الجنة والنار ” وثوب ” الجلاية “، والذي يميزه عن غيره التطريز الكثيف، وغطاء النجمة الكنعانية، ” ورأس الحصان “، و ” عرف العنب والزهور “. وتغطي الرأس ” العرقية ” ، وهناك غطاء آخر للخليل ولدة بيت جبرين، يدعى طاقية ” وقاة الطراهم “.وعلى الرغم من جمال وروعة الزي الشعبي، إلا أنه لم يعد يجد رواجا كثيرا لدى المرأة الفلسطينية المعاصرة، وأصبح تحفة فنية يتهافت على اقتنائها السياح الأجانب الذين لم يعودوا يصلون إلى الأراضي الفلسطينية، بسبب تدهور الأوضاع، ما أوجد ركودا حادا يكاد يقضي على انتشاره.

__________________

 

مقالات ذات صلة

إغلاق