مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية قِيَمٌ تُحيِي الأُمَم: “بناء الشخصية وأثرها في نهضة المجتمع” (10)
قيم الإسلام: خارطة الطريق لبناء حضارة راقية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* قيم الإسلام: خارطة الطريق لبناء حضارة راقية
عبر التاريخ، لم يكن بناء الحضارات العظيمة مجرد نتيجة للتقدم المادي أو القوة العسكرية، بل كان يعتمد على منظومة قيَمية تضع المبادئ الأخلاقية والإنسانية في المقدمة.
الإسلام، كدين شامل لجميع مظاهر الحياة، يُقدم خارطة طريق متكاملة لبناء حضارة راقية ترتكز على القيم والمبادئ التي تحيي الأمم وتنهض بها وأهم هذه القِيَم والمبادئ:
– القيم التوحيدية: الأساس المتين
يبدأ الإسلام بتأسيس العلاقة بين الإنسان وخالقه ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ (طه: 14)، مما يغرس في النفس مفهوم التوحيد والارتباط بالله عز وجل، حيثُ أنّ التوحيد ليس مجرد شعيرة روحية، بل هو الأساس الذي يَبني عليه المسلم فهمه للعالم ودوره فيه، مما يثمر عنه التزام بالعدل والإحسان في كل تعاملاته.
-العدل والإحسان: ركائز الاستقرار
العدل قيمة جوهرية في الإسلام، وهو أساس الاستقرار في أي مجتمع، يقول الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)، فالعدل يحمي الحقوق ويضمن توزيع الموارد بشكل عادل، بينما يدعو الإحسان إلى تجاوز العدل بالتفضل والعطاء، مما يعزز من التلاحم الاجتماعي.
– العلم والعمل: طريق النهوض
لقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم والعمل، فالعلم هو الوسيلة لفهم الكون وتسخير موارده، والعمل هو التجسيد العملي للإيمان، يقول ﷺ: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” (رواه الطبراني). هذه القيمة تجعل الأمة الإسلامية قادرة على تحقيق التقدم العلمي والاقتصادي، مستفيدة من قدرات أفرادها في شتى المجالات.
– الشورى والتكافل: أسس القيادة المجتمعية
الشورى مبدأ أساسي في نظام الحكم الإسلامي، حيث يقول الله ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: 38). هذه القيمة تمنع الاستبداد وتعزز المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات، إلى جانب ذلك، يأتي التكافل الاجتماعي الذي يدعو إلى رعاية الضعفاء والمحتاجين من خلال الزكاة والصدقات، مما يقضي على الفقر ويحقق العدالة الاجتماعية.
– الأخلاق والروحانية: العمود الفقري للحضارة
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
هذه القاعدة تتجلى بوضوح في الإسلام الذي يدعو إلى الصدق، والأمانة، والتسامح، وحسن الظن، وغيرها من القيم التي تصنع إنساناً راقياً ومجتمعاً متماسكاً. يقول ﷺ: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد).
– قيم الإسلام في التطبيق التاريخي
عندما تمسك المسلمون بقيم الإسلام، أسسوا حضارات زاهرة في بغداد وقرطبة ودمشق وغيرها من بلدان المسلمين، حيث ازدهرت العلوم والفنون والأدب، هذا النجاح لم يكن وليد القوة العسكرية أو الموارد الاقتصادية فقط، بل كان نتيجة تطبيق عملي لمنظومة القيم الإسلامية.
*الخاتمة
قيم الإسلام ليست مجرد نظريات جامدة، بل هي مشروع حضاري شامل يتطلب الالتزام والعمل لتحقيقه، من التوحيد إلى العدل، ومن العلم إلى الأخلاق، هذه القيم تمثل خارطة الطريق لبناء حضارة راقية تجمع بين المادة والروح، بين الفرد والمجتمع، وبين الدنيا والآخرة، فهل نعيد لهذه القيم ألَقَها في واقعنا لننهض بأمتنا؟
– عنوان المقالة القادمة إن شاء الله: “الحكمة في اتخاذ القرارات: وأثرها على الفرد والمجتمع”
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1840)
13. رجب . 1446هـ
الأثنين .13.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)