مكتبة الأدب العربي و العالمي

#قرية_وادي_العفاريت الجزء الثالث والاخير

إزدادت حيرة الأمير، وقال في نفسه : عجيب شأن هؤلاء حمقى لا يميزون بين الفولاذ والفضة ،وسخفاء يسرقون النوى فأي قوم هؤلاء ،واتجه إليهم ليستفسر إذا ما كان الغداء أعجبهم ،وماذا يريدون أن يكافئهم على إخلاصهم ،فأجابه الشيخ : جعل الله مائدة مولاي عامرة بالخير ،ولا نريد إلا رضاك عنا !!! صمت الدندكي ولم يدر ماذا يقول لهم ، فعلى الرّغم من شقاهم في صعود الجبل مع السّلال، والطعام دون لحم ولا شحم الذي أكلوه، فلم يسمع على ألسنتهم إلا الثناء والشّكر ، لكنّه فكّر أنّ البلاهة لا يمكن أن تصل بالمرء إلى الحدّ الذي لا يميّز فيه بين الاشياء ،ولا يطمع في خيره ،فالكلّ يعلم أنّه من أغنى الناس،ولم يكن يرتاح إلى الشيخ فعينيه تدلان على أنه أذكى مما يحاول إظهاره ولا بد من فضح خبثه، قبل العودة إلى قريته، بقي يفكّر، وبعد قليل ظهرت البهجة على وجهه ،وقال في نفسه :هذه المرّة لا يمكنكم خداعي، وسنرى إن كنتم حقا حمقى ،وإلا فالويل لكم من غضبي .
طلب منهم أن يبيتوا تلك الليلة عنده ،لكنهم لم يكونوا مرتاحين ،وشعروا أن في الأمر مكيدة، ولما نهضوا في الصباح وجدوا أن الغيوم البيضاء تلف قمة الجبل، ولا يتبين المرء إلا ما هو أمام عينيه ، وقال لهم الأمير : هيا نمشي معا لأعرفكم على القلعة. فخرجوا معا يتجولون في أرجائها الفسيحة ، ،وهي لا يربطها بالمدينة إلا مدرج حجري ضيق أسفلها ، وكانت الغيوم تتراكم من تحتهم وفوقهم، ولما حاولوا النظر إلى قريتهم الكائنة في سفح الجبل ، لم يشاهدوا إلا بياضا كالثلج علىى إمتداد البصر ،ولم تستطع عيونهم أن أن ترى شيئا ،.وأبدوا البلاهة والجهل، وتساءلوا عن هذا الشئ الذي يشبه الدخان، ويأتي في موجات متلاحقة ، ويغمر كل شئ ،فهم لم يشاهدوا مثله في القرية. فأبتسم الأمير في خبث ،وأجاب: هذه مراكب أهل الجبل يركبونها في تنقلاتهم !!! فقال الشيخ : آه فهمت يا مولاي ،وهم يسافرون بها كما يسافر أهل البحر من السفن والقوارب، ضحك الأمير وقال ما رأيكم تركبون عليها وهي ستحملكم إلى القرية، وتوفرون على أنفسكم مشقة النزول !!!.فشعروا أنهم وقعوا في مأزق لا يمكنهم الخروج منه ،وأن أمرهم لاشك سينفضح إذا رفضوا الركوب على الغيوم ،وسينتقم منهم أشد الإنتقام ،نظروا كلهم نحو الشيخ وكأنهم يلومونه على مشورته التي أوصلتهم إلى طريق مسدود .
ولكن حيرتهم لم تطل، فقد فاجأهم الشّيخ بقوله : يا قوم: شيبة ولا كلّ الشباب ،ثم مرق من بينهم، وقفز على غيمة ،لكنّه سقط من أعلى الجبل ،وفزع الأمير من تصرّفه، ،وخاف أن يلحق الآخرون به بعد أن اصطفوا في طابور طويل، ومع كل واحد منهم عصا ليضرب بها الغيمة التي يركب عليها ، وتيقن آنذاك من حقيقة بلاهتهم وجهلهم فمنعهم من القفز ، ولما أطل الأمير من أعلى الجبل رأى الشيخ معلقا من جبته على فرع شجرة بلوط ،فأدلى له رفاقه حبلا تعلق فيه بكلتا يديه ،ثو سحبوه ، فلما صعد، قال لهم وهو يبتسم : لقد شردت بي الغيمة ولم أجد زماما أمسك به ،فألقتني من ظهرها !!! فتيقن الأمير الدّندكي من بلاهتهم الشّديدة ،وأنهم كانوا يتصرفون بفطرتهم ،لم يقصدوا خداعه ،فأكرمهم وملأ سلالهم بالدراهم، وأعادهم إلى قريتهم فرحين ، ولم يعد يطلب منهم شيئا ،وأنشد أهل القرية :

لا تعير المرء بشيبه
فالشّيب حكمة ووقار
ومهما كبرنا في العقل والعلم
فنحن أمام الشّيب صغار

وصارت الحكاية مثلا في أنّ كبر السن يعطى الحكمة التي يعجز عن الشّباب ،فسبحان الله على لطيف خلقه ،وما أبدع وقدّر .

انتهت

عن قصص حكايات  العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق