مقالات

قراءة في كتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (21)

بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* العهد القديم (10)
نستمر مع قراءتنا للكتاب الذي بين أيادينا ونتناول
في هذه المقالة: الطوفان
-كرّست الإصحاحات (6.7.8) من سفر التكوين حديثها لرواية الطوفان، وبشكلٍ أدق هناك روايتان غير موضوعَتين جنبًا إلى جنب، إنما هما تنفصلان في مقاطع متداخلة كل في الآخر، وبمنطلق ظاهر في تعاقب مختلف للأحداث، ويضيف بوكاي قوله: الحقيقة أن في هذه الإصحاحات الثلاثة تناقضات صارخة، هنا أيضًا تتعلل هذه التناقضات بوجود مصدرين متميّزين بشكلٍ جليٍ وهما المصدر اليهوي، والمصدر الكهنوتي؛
– بمعنى اليَهوي: هو المصدر النّصي الذي يُنسب الى الخالق، والكهنوتي هو الذي يُنسب إلى الكهنة-.
ويُضيف بوكاي أن هذين المصدرين يُشكّلان تجمُعًا متنافرًا، فقد قطع كل نصٍ أصليٍ إلى فقرات أو عبارات، وهذا مع تعاقب عناصر كل مصدر من عناصر المصدر الآخر، بحيث أننا ننتقل من مصدرٍ لآخر في الرواية سبعة عشرة مرّة، وذلك خلال مائة سطر تقريبًا من النّص.
– وتتضمّن الرواية بشكل عام ما يلي:
لما عمّ فساد البشر قرر الله تدميرهم مع كل المخلوقات الحيّة الأخرى، فحذّر نوحًا وأمر ببناء السفينة التي سيُدخل بها زوجته وأولاده الثلاثة بزوجاتهم الثلاث وكائنات حية أخرى، – ويختلف المصدران بالنسبة للكائنات الحيّة: فهناك مقطع من الرواية (وهو كهنوتي الأصل يشير إلى أن نوحًا قد أخذ زوجًا من كل نوع، ثم يحدد المقطع التالي (وهو من الأصل اليهوي) أن الله قد أمر بأخذ سبعةٍ من كل نوع، ذكرًا وأنثى من الحيوانات المُسمّاة بالطاهرة، وزوجًا واحدًا من الحيوانات المسماة بغير الطاهرة، ولكن بعد ذلك يتحدد أن نوحًا لن يُدخِل إلى السفينة فعلًا إلا زوجًا من كل نوعٍ من الحيوانات، ويؤكّد المتخصصون مثل الأب (ديفو) أن المعنى به هنا مقطع مُعدّل من الرواية اليهويّة.
– ثم إن هناك فقرة (من الأصل اليهوي) تشير أن عامل الطوفان هو ماء المطر، ولكن هناك فقرة أخرى (وهو كهنوتي الأصل) تُقدم سبب الطوفان على أنه مزدوج أي ماء المطر والينابيع الأرضية، تغطّت الأرض حتى قمم الجبال وأعلى منها بالماء، وتدمّرت فيها كل الحياة، وبعد سنة خرج نوح من السفينة التي رست على جبل (أراراط) بعد الانحسار.
– وهناك روايتين حسب النصوص اليهوية والكهنوتية واحدة تقول أن الطوفان استمر أربعون يومًا فيضانات، والرواية الثانية تقول مائة وخمسون يومًا، وهي الرواية الكهنوتية، والرواية اليهَويّة لا تحدد تاريخ وقوع هذا الحدث من حياة نوح، ولكن الرواية الكهنوتية تحدده بحين كان عُمُر نوح (600) سنة، وتعطي نفس هذه الرواية إشارات عن موقعه الزمني بالنسبة لآدم وبالنسبة لإبراهيم، وذلك من خلال قائمة الأنساب؛ – كنّا قد أشرنا إليها سابقًا- وحسب الحسابات المعمولة بعد الرجوع إلى إشارات سِفر التكوين، والتي تقول أن نوحًا قد وُلد بعد (1056) عاما من آدم، وحسب ذلك فإن الطوفان يكون قد وقع بعد (1656) عامًا من خلق آدم، وبالنسبة إلى إبراهيم فيحدد سفر التكوين الطوفان ب (292) سنة قبل ميلاد إبراهيم.. وتابعوا في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى التناقض الهائل والاستحالة التامة بين هذه الروايات مع المعارف الحديثة كما يقول بوكاي.
– مقالة رقم: (1610)
14. ذو القعدة. 1445 هـ

د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق