مقالات
كيف نتعامل مع مشاكل الحياة؟
سعيد ناشيد باحث وكاتب مغربي مهتم بقضايا التجديد الديني، من بين كتبه:" الحداثة والقرآن" و"قلق في العقيدة".
حين نتزوّج على سبيل المثال، فإننا نخرج من حياة المغامرات العاطفية بكلّ مخاطرها، إلى حياة المسؤولية الزوجية بكلّ مصاعبها. وحين نهاجر من مدينة إلى مدينة أخرى، أو من بلدة إلى بلدة أخرى، فإننا ننتقل بذلك النحو من مشاكل بيئة معينة إلى مشاكل بيئة أخرى مختلفة تماماً، وقد نواجه مشاكل غير متوّقعة. اللبيب من يتوّقع ذلك ابتداء، فيكون على قدر من الجاهزية، إذ أنّ الشقاء البشري كثيراً ما ينجم عن خيبة الآمال حين نتوّقع بأننا سنخرج من حياة مليئة بالمشاكل وندخل إلى حياة بصفر مشاكل، أو بأقلّ ما يمكن من المشاكل. وتلك خيبة آمال معظم الأشخاص في علاقتهم بانتظارات الحياة. لكنها أيضاً خيبة بعض الأجيال، بعض المجتمعات، وبعض النخب، في رهانها على بعض الإيديولوجيات الخلاصية.
غير أنّ الحياة قد تفرض علينا أحياناً نوعاً محدّداً من المشاكل، فلا تكون لنا الخيرة من أمرنا سوى أن نُحسن التعامل معها، بل إنّ تحسين القدرة على التعامل مع المشاكل لهو المتاح لنا في معظم أحوالنا، لكنه ليس بالمكسب الهيّن حين نُحسن استثماره.
الذهاب إلى حياة أفضل معناه، من جهة أولى الذهاب إلى مشاكل نكون أقدر على التعامل معها، ومعناه من جهة ثانية، تحسين القدرة على التعامل مع المشاكل التي تفرضها علينا الحياة. المعنى الأول قد نتحكّم فيه بنسبة ضئيلة، هذا صحيح، لكننا لا ينبغي لنا أن نتركها طالما أنّ نسبة واحد في المئة قد تصنع الفرق بين الموت والحياة في حسابات العيش؛ وأما المعنى الثاني فقد نتحكّم فيه بنسبة كافية وحاسمة أحيانا، وهنا ينبغي تركيز الجهد نحو تنمية مهارات العيش.
الذهاب نحو صفر مشاكل غير ممكن، إنه طريق لا يوجد حتى في قصص الخيال
من بداهات الحياة أن تقع لنا أحداث جيدة وأحداث سيئة، أو بالأحرى، تقع لنا أحداث نعتبرها جيدة وأخرى نعتبرها سيئة. غير أنّ السؤال الأصعب والأهم هنا لا يتعلق بكيفية التعامل مع الأحداث الجيدة، فهذا مما نعرفه بحكم طبيعتنا البشرية، وإننا لنعرفه بنسبة كافية، بل السؤال هو، كيف نتعامل مع الأحداث السيئة، والتي لا يمكننا تفاديها؟ ذلك لأننا هنا لا نملك ما يكفي من قدرات غريزية؟
كيف نتعامل مع الأحداث السيئة للحياة؟
من خلال التأمل في تفاصيل الحياة اليومية للناس يمكننا أن نستنتج بأنّ التعامل مع الأحداث السيئة للحياة بمشاعر الأسى والسخط والتذمر واللوم والندم والذنب، هو نوع من الجبن الذي يضعف القدرة على حلّ المشكلات، وفوق ذلك كلّه، فإنه يهدّد الصحة الروحية للإنسان ويضعف القدرة على الحياة.
ليس بمقدورنا تجويد أحداث الحياة إلا بنسبة ضئيلة، تلك حدودنا في هذه الحياة، لكن بإمكاننا في المقابل تجويد التعامل مع أحداث الحياة، وذلك بنسبة قد تصنع الفرق في معظم الأحيان.
من حيث المبدأ، فإنّ تحسين الحياة معناه تحسين علاقتنا بالحياة، ما يعني التعامل الجيّد مع الأحداث السيئة.
تحسين الحياة معناه تحسين علاقتنا بالحياة، ما يعني التعامل الجيّد مع الأحداث السيئة
ذلك الهدف لا يُدرك كلّه دفعة واحدة، لا يتحقّق بأيّ وصفة من الوصفات السحرية الجاهزة، بل يتحقّق تدريجياً عبر جهد دائم وتمارين يومية، مثل التمارين الرياضية التي يتم إنجازها داخل الأندية، الملاعب، والمنتزهات، إنها ممتعة وشاقة في الآن نفسه، إنها تثير الحماسة وتتطلّب الصبر أيضا، إنها قد تبعث في النفس مزيجاً من الرغبة والملل، غير أنّ تمارين العيش يتم إنجازها في سياق الحياة اليومية كما هي، في كلّ لحظاتها، وبكلّ تفاصيلها، وهي تستمر طيلة الحياة.
إنّ الاعتقاد بإمكانية وجود حياة بدون مشاكل هو الدافع الأساسي إلى التعامل السيئ مع مشاكل الحياة، وهو التعامل الذي تحكمه ثلاثة أوهام كبرى:
أولا، إمكانية وجود حلّ جذري نهائي وسريع للمشكلة. وهذا محال في كلّ الأحوال.
ثانياً، إمكانية وجود منقذ يتوّجب عليه أن يُنهي المشكلة في الحال. وهذا لا يوجد إلّا في عالم الأطفال.
ثالثاً، إمكانية وجود فرصة للهروب من المشكلة ومعاودة البدء كأنّ شيئاً لم يكن، وهذا ليس بالإمكان طالما عقارب الساعة لا تعود إلى الخلف.
التخلّص من تلك الأوهام الراسخة في اللاوعي الجمعي بفعل عوامل التنشئة والثقافة، سيحتاج إلى تمارين دائمة في الاشتغال النقدي على الذات