مقالات

ظُلْمُ الأَعْرابِ / البروفيسور لطفي منصور

الأَعْرابُ ظَلَمُوا المسلمين منذ بدء الرسالةِ الإسْلاميّة مِن أيّامِ النبِيَّ، فكانوا يهاجِمون الآمنين في كلِّ مكان. ففي الجاهليّةِكانوا يهاجمونَ قبائلَ مكّةَ الذاهبَةَ إلى الشّام شَمالًا ، أو المتهجةَ نحوَ اليَمَنِ جنوبًا. وأكثرُ ما كانَ يَقَعُ فَريسَةً في أيًديهم “اللَّطيمَةُ”، وهي قوافلُ محمَّلَةٌ بالتّوابِل والْمِسْكِ وخيراتِ الشّرْقِ، كان يُرْسِلُها كِسْرى ملكُ فَارِس لتُباعَ في أسواقِ مكّةَ عُكاظ والْمِجَنَّة وذي الْمجاز، وسوقِ حُباشَةَ في شمال نجران في اليَمَن سابِقًا.
وكان المكيّون قد آلَفوا زُعماءَ القبائِل المقيمنَ على الطُّرُقِ التجاريّة ، ويدفعونَ لهمُ الأموال الطَّائِلَةَ لِحِمايَةِ قوافلهم، وهو ما يُسَمَّى بالْإيلاف الذي ذكرتْه سورةُ قُرَيْش.
وقد وردَ ذِكْرُ الأعراب في القرآن الكريم عِدَّةَ مرّات في سُوَرِ: (التّوبَةُ والأحزابُ والفتحُ والحجرات) في وصفٍ سَلبِيٍّ شديد ، عدا مرّةً في آية ٩٩ من سورة التوبة، وهؤلاءِ أعرابُ المدينةِ الذين آمنوا بِاللّهِ واليومِ الآخِرِ، فحَسُنَتْ أخلاقُهم بِقِيَمِ الحَنيفيّةِ السَّمْحَةِ.
أمّا سائِرُ الأعرابِ فهم الَّذِينَ قَالَ اللّهُ فيهم: ” الأعرابُ أشَدُّ كُفْرًا ونِفاقا، وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَموا حُدودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ على رَسولِهِ”.
حتّى لو آمَنَ الأعْرابُ فَإنَّ إيمانَهم نَزَقٌ. هكذا وصفهم الله في سورة الحُجُرات في قوله: “وقالَتِ الأعرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنوا .. الآيَةَ.
نستنتجُ من ذكرِ الأعرابِ في الْقُرْآن أنّ الْمُؤْمِنِينَ الذين اتُّبعوا النبيُّ قد عانَوا والرسولَ معهم من همجيّةِ الأعرابِ.
وقد ذكرتِ السيرَةُ النبويّةُ الشريفَةُ أنّ أعْرابًا مِمَّن كَفَرُوا انتهزوا غفلةً من المسلينَ وأغاروا على إبِلِ وخيلِ الْمدينة بقيادة الشّاعِرِ الفتّاك الجاهلي عامرِ بنِ طُفيل الكِلابي ( انظر ديوانَه المطبوع)، فلحقَ بهمُ المُسلِمون وخلّصوا منهم وما سَلَبوا، وماتَ عامرً كمدًا وقهرًا في بيتِ سلولِيَّةٍ.
ومن المؤرِّخين العظام الذين ذكروا الأعرابَ وكفرَهم وقسوتَهم عبد الرحمن بن خلدون في المقدّمة. ومن أقوالِه عنهم:
العرَبُ أبعَدُ الأمَمِ عَنِ الْعُمْران.
العرَبُ إذا دَخَلْوا أرْضًا سادَها الْخَرَاب.
ثمّ ذَكَرَ مكانتهم في المجتمَعِ المدنِيّ، فشبّهَهُمْ قائلًا: يَنْزِلون منهم (أي بين الْحَضَر) منزِلَةَ الوحوشِ الكاسرة بَيْنَ البهائِم.
إنّ ما عاناهُ المُسلِمون من سطوةِ الأعرابِ ووحشيتِهم لا يمكن حصرُه. وقد عقَدَ ابن خلدون فصلًا في المقدّمة (ص: ٢٦٣ أوفست حيفا) فيه كثيرٌ من وصفِ اعتداءات الأعراب على الحَضَر.
لكني اخترتُ وثيقَةً تاريخيّة ليس لها مثيل في وصفِ وحشيّةِ الأعراب. هذه الوثيقةُ صادِقَةٌ كُلَّ الصَّدَقِ في تصويرِ اعتداء الأعرابِ وغدرِهم على مَنْ أحْسَنَ إليهم وأخَذَ بِيَدِهِم.
هذه الوثيقةُ هي قصيدَةُ شاعِرِنا الْكبير المتنبِّي التي مطلعُها(من الوافر):
بِغَيْرِكَ راعِيًا عَبَثَ الذِّئابُ
وَغَيْرَكَ صارِمًا ثَلَمَ الضِّرابُ
مناسبةُ القصيدة تثبتُ ما قلناهُ سابِقًا، فقد غَدَرَ أعرابُ تُخومِ بادِيَةِ الشّامِ بسيفِ الدولَةِ الذي أمَّنَهم، وفتحَ البلادَ لهم، فغدروا به مستغلّينَ حروبَهُ مع الرّوم وأغاروا على قرى الشّام، ونهبوا البلادَ وسَلَبوا الخيرات وقَتَلوا الشِّيبَ والنساءَ والأطفال.
فركبَ سيفُ الدّولةِ مع خيرَةِ فُرسانِه، وأخذَ يجوبُ الصحاري والأوديَةَ يُفَتِّشُ عنهم، حتى التقى بهم، وقد جمعوا له الجموع، فأَوْقَعَ بهم سيفُ الدًّولةِ ففَرَّ مَن نَجا منهم لا يلْوونَ على شيءْ، وقد تَرَكُوا حريمَهم وذرارِيَّهم أسرى بيدِ الأمير.
وبعدَ أنْ هدأتِ الأمور وزالَ شَرُّهم، تحرّك صاحبُ القلبِ الكبير، فاستتابهم فأعلنوا التوبة، فاطلقَ سَراح الأسرى والسبيِ، وكان قد حَمَى النساءَ وصانَ شرَفَهُنّ وأعْراضَهُنَّ فِعْلَ العَرَبِيٌِ الأصيل.
وَمِمَّا قالَهُ الشاعِرُ:
طَلَبْتَهُمُ على الأمواهِ حتّى
تتَخَوَّفَ أنْ تُفَتِّشَهُ السَّحابُ
فَمَسّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَريرٌ
وَصَبَّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرابُ
وَمَنْ في كَفِّهِ منهم قَناةٌ
كَمَنْ في كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضابُ
(بيت رائع : ينعني رجالهم نساء)
تَرَفَّقْ أيُّها الْمَوْلَي عَلَيْهِمْ
فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالْجانِي عِتابُ

وبعدُ أيها الأصدقاء فإنّ التاريخَ يُعيدُ نفسَه.
انظروا ما يفعلُ اليوم حكّامُ السعودِيَّةِ والْخليج،
مِنْ تَبْديدِ ثرواتِ الْعَرَبِ لِلْأجنبِيِّ المغتصب، وقَتْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ الأبْرياءِ، بعدَ أن عاثوا فسادًا وَتَدْميرًا وَقَتْلًا في رُبوعِ الشّام.
فمشكلةُ العربِ أَهْلِ الحضارةِ والمسلمين هم الأعرابُ أعداءُ الأمَّةِ ينهبون خيراتِها ليعطوها للأجنبيّ عدوِّ المسلمينَ.
ظلمُ الأعراب ازداد أسًى وقَتلًا في هذه الأمّة ، لم يتغيّرْ شيء.منذ حربِ الرِّدّة وأصحابِ مسيلمة وسجاح يعبثونَ في مصيرِ الأمّة. وَاللَّهُ غالِبٌ على أمره، ولكنّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .ومنه النصرُ والسّداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق