مقالات
خرافة الترجمة السبعينية للتوراة (1)
الترجمة خيانة، هذا ما يعرفه الكتاب، والمترجمون، والسياسيون كذلك، فمهما كان المترجم يتقن لغتين اتقانا كاملا فانه يقع في أخطاء كثيرة، وأبسط مثال على ذلك ترجمة مدينة “رفحة” السعودية على انها رفحاء الفلسطينية في ترجمة الأستاذ أحمد الباقري عندما ترجم ما وجدته من يوميات لجندي امريكي في داري الواقعة في قاعدة علي بن ابي طالب الجوية في الناصرية، والتي نشرت في جريدة بابل في بداية تسعينيات القرن الماضي فقد نقل جغرافيتها من السعودية إلى فلسطين المحتلة كما حدث في أماكن التوراة. وإذا كان جهل مترجم اليوميات العراقي في الجغرافية فإن جهل مترجم التوراة من اليونانية إلى العبرية لم يكن جهلا حقيقيا وانما هو جهد تقف وراءه دوافع لاهوتية، استشراقية، استعمارية.
والترجمة هي آليه لاكتساب معرفة، ولما كانت هي كذلك، فانها –على الرغم من عدم التيقن من صحتها، وحقيقة وقوعها – فان المعرفة التي جاءت بها هذه الترجمة تحمل الكثير من المعرفة المغلوطة، خاصة انها وقعت بعد فك أسر اليهود من السبيبأكثر من 200 سنة..
***
الترجمة السبعينية: هي ترجمة لأسفار العهد القديم من العبرية إلى اليونانية، تمت في القرن الثالث قبل الميلاد. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية بناءً على أسطورة تقول إن الذين قاموا بها (سبعون أو اثنان وسبعون) شيخاً يهودياً (ستة من كل سبط)، وذلك في مدينة الإسكندرية، في أيام ((الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس (٢٨٥-٢٤٧) ق.م.))(2).
يذكر معد كتاب “نقد اسطورة الترجمة السبعينية” على ص۲۷:
((يصف الأب إسطفان شربنتييه قصة الترجمة السبعينية بالخرافة فيقول: «الترجمة اليونانية السبعينية للكتاب المقدس: لم يعد يهود الإسكندرية يفهمون اللغة العبرية فتمنوا أن تترجم الشريعة إلى اليونانية وتُقرأ في المجمع. هناك خرافة تروي أن ۷۲ يهودياً جاءوا من فلسطين وترجموا الشريعة في ٧٢ يوماً وأن ترجماتهم الاثنتين والسبعين كانت متطابقة تماماً… أما الواقع فإنها عمل خليط بوشر في القرن الثالث وامتد إلى نهاية القرن الثاني)).
***
وتقول سعاد الكتبية في دراستها “قراءة في الترجمة السبعينية للعهد العتيق”:
((نخلص للقول، إذا كان صاحب النص، قد أنزل الترجمة السبعينية منزلة الوحي المسلم به، فقد عدها البعض الآخر عملا يثير الكثير من الجدل، فهو نص كباقي النصوص الأخرى، يحتاج إلى مراجعة بعد أن تعرض لتغيرات وتشوهات على مستوى المضمون والشكل، بفعل تداوله وإعادة نقله لمرات عديدة.
ويعد أورجين Origine من الأوائل الذين قاموا في بداية القرن الثالث (185 – 252) بنقد الترجمة، معتمدا في ذلك على قواعد وآليات النقد التي كان يستعملها بعض الدارسين للكتب العتيقة. وبرأيه قبل الشروع بأية دراسة نقدية يجب الاستناد إلى نص توراتي موحد وموثوق به فكان يقابل نص الترجمة السبعينية، بالنص العبري، وبترجمات يونانية أخرى ترك مؤلفا نقديا ضخما سماه الإكزابل («Les héxaples».
بدوره قام الإسكندري هزيستيوس Hésychius مع بداية القرن الرابع بنقد الترجمة السبعينية، محاولا تقريب النص العبري من الترجمة اليونانية.))(3).
***
إذن، والحالة هذه، لا يمكن الركون إلى وجود ترجمة سبعينية للتوراة العبرية إلى اليونانية التي ترجمت إليه التوراة العبرية الحالية، والتي ترجم عنها النص العربي، وانما القول ان اليونان في مصر قد ترجموا التوراة العبرية الأولى إلى لغتهم، واندرست تلك التوراة، وظلت الترجمة اليونانية لها.
***
فيما يقول فرج الله:
((أما النسخة التي بين أيدينا والتي توزعها جمعية الكتاب المقدس مجاناً، مقرونة بالأناجيل ورسائل الرسل، فإني أشك بصحتها كثيراً، لأنني قارنت طباعتها لإنجيل متى . مثلاً مع نسخة على الميكروفيلم في الجامعة الأميركية المأخوذة عن نسخة في متحف لندن من وضع المصطفى متى القبطي في القرن الخامس عشر، ووجدت نسخة جميعة الكتاب المقدس تحرف في بعض الأسماء انسجاماً مع الإسقاطات الصهيونية. ففي نسخة الميكروفيلم تقرأ النص التالي مثلاً: وذهب المسيح إلى بيت لحم يهوذاه، وفي نسخة الكتاب المقدس تصبح وذهب المسيح إلى بيت لحم اليهودية، ذلك ان الإسقاط الصهيوني يعتبر الضفة الغربية يهوديا والسامرة، فيما بيت لحم يهوذا، أي بيت لحم كبطن من عشيرة يهوذا تمييزاً عن بيت لحم أخرى.))(4).
***
من ضمن اعتراضات الربيعي هو استخدامه التوراة بترجمة عربية من لغة انجليزية كتبت فيها التوراة اعتمادا على الترجمة اليونانية، والتي سميت بالترجمة السبعينية، بل هو لا يقرأ إلا في التوراة المكتوبة باللغة العبرية الأصلية، لهذا تراه قد خرج بمعلومات غنية عنها من ناحية تغيير الكثير من أسماء الأماكن، والمدن، لكي تتطابق مع جغرافية فلسطين، وهذا سبب رئيسي لمن ترجمها من النص اليوناني، والذي سمي بالترجمة السبعينية، إلى اللغات كافة، وقد تمت تحت وطأة الأغراض اللاهوتية، الاستشراقية، الاستعمارية.
ويرى المؤرخ الربيعي، ونحن كذلك، اعتمادا على هذه الدراسات، عوار ما يسمى بالترجمة السبعينية. ويقول: ان ترجمة التوراة تمت عند غزو الرومان لليمن حوالي 40 – 50 قبل الميلاد.
***
الهوامش:
1 – فصل من كتابي المعد للطبع ( التزوير الفاضح لسرديات التوراة – نظرية المؤرخ فاضل الربيعي عن اسرائيل المتخيلة).
2 – نقد اسطورة الترجمة السبعينية – أبو عمار الأثري – بدون معطيات.- ص4.
3 – مدونات النصوص القديمة – تنسيق أحمد شحلان – جامعة محمد الخامس – أكدال – 2008 .– ص30.
4 – التوراة العربية وأورشليم اليمنية – فرج الله صالح ديب – نوفل – 1994– ص27.
*العراق