منوعات
الدراسة في اليابان.. باحثون عرب يروون تجاربهم لتفادي الصدمات
يقول الدكتور عبد القادر نصر الدين بلقاسم إن اليابانيين لا يبحثون عن طلبة أذكياء أكثر مما يبحثون عن طلبة يعملون بجد لساعات طويلة، لهذا فحاول أن تقدس العلم والعمل
لكن ماذا عن الدراسة في اليابان، هذا البلد الذي يُطلق عليه الكثيرون الكوكب الآخر، لماذا أصبح مؤخرا يستقطب الكثير من الطلبة العرب، هل ذلك بسبب المنح التي توفرها الحكومة اليابانية، أو لأن مستوى الجامعات هناك مرموق ومناخها العلمي يشجع على البحث والابتكار؟
باختصار ما إيجابيات الدراسة في اليابان وما السلبيات؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، تحدثت الجزيرة نت مع بعض الباحثين العرب الذين خاضوا تجربة الدراسة في اليابان، حيث فضل بعضهم البقاء، فيما اختار آخرون خوض تجربة أخرى خارج اليابان.
منح جامعية مرموقة ومستوى علمي قابل للنقاش
تعتبر المنح الجامعية من مفاتيح السفر للدراسة في اليابان بالنسبة للطلبة العرب، فلكي تستقطب الحكومة اليابانية الطلبة الأجانب وضعت منحا جيدة بعضها يغطي كامل التكاليف خاصة المنح الحكومية، وهو على ما يبدو السبب الرئيسي الذي يجعل الطلبة العرب يختارون اليابان للدراسة.
يقول الباحث المصري محمد عبد القدوسطالب دكتوراه تكنولوجيا النانو في جامعة تويوهاشي للتكنولوجيا، الذي فاز بمنحة توفرها الحكومة اليابانية للطلبة الأجانب في تصريح عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت، إن “الحكومة اليابانية تقدم منحا مرموقة وأفضلها منحة الحكومة التي تسمى ميكست (MEXT)، ولذلك فهي تعتبر من أهم الأسباب التي تجعل الطلبة العرب يختارون اليابان للدراسة وهذا من إيجابيات الدراسة في هذا البلد”.
أما عن المستوى العلمي للجامعات اليابانية فيقول محمد إن “التحصيل العلمي هناك ليس جيدا وذلك بسبب حاجز اللغة، وعليه فإن الطالب لا بد عليه أولا تعلم اللغة اليابانية وكسب مستوى جيد حتى يتمكن من متابعة الدراسة بجد. كما أن المستوى العلمي للجامعات اليابانية ليس عاليا مقارنة بالجامعات الأميركية أو الأوروبية، والدليل أن عدد الفائزين بجوائز نوبل مثلا قليل جدا مقارنة بأميركا وأوروبا، وعليه فإن الدراسة في أميركا أو أوروبا سيكون أفضل”.
الدكتور الجزائري عبد القادر نصر الدين بلقاسم من الباحثين العرب الذين درسوا في اليابان بعد فوزه بمنحة دراسية كاملة التكاليف لـ4 سنوات من وكالة اليابان للتعاون الدولي والمعروفة اختصارا باسم “جايكا” (JICA) حيث حصل على دكتوراه فلسفة في مجال متعدد التخصصات -واجهة الدماغ الحاسوبية- من معهد طوكيو للتكنولوجيا.
يقول الدكتور عبد القادر في تصريح عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت إن “جودة مستوى التعليم النظري والتطبيقي باليابان لا غبار عليها مقارنة بجامعات العالم.. درست وعملت بجامعتين مصنفتين من أفضل 100 جامعة بالعالم (معهد طوكيو للتكنولوجيا وجامعة أوساكا) حيت الصرامة والانضباط في العمل، فحين تبحث عن عمل في أميركا أو أوروبا، يكفيك شرفا وسمعة أنك درست أو عملت باليابان، البلد الذي تعتبر المنافسة فيه شرسة جدا بالنسبة للأجانب لإثبات وجودهم وفرض ذواتهم”.
أما الدكتور السعودي أنس محمد مليح، وهو أستاذ في جامعة أكيتا اليابانية متخصص في تقنية نانو المواد، فقال في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني إن الكثير من الطلبة اليابانيين يرون في الجامعة وخصوصا في مرحلة البكالوريوس، فترة مؤقتة تحضيرا لدخول سوق العمل القاسي في اليابان لذلك تجد أغلبهم لا يهتمون بالحصول على العلامات الكاملة في المواد، لكن الحصول على عدد الساعات المطلوب للتخرج من الجامعة.
وأضاف “لهذا السبب فإن مستوى الطلبة اليابانيين يكون في الغالب متوسطا وقد يشكل ذلك صدمة لبعض الطلاب الأجانب الذين يكون لديهم تصور أن اليابانيين متفوقون علميا، لكن بعضهم ليس كذلك ولهذا السبب أنصح الطلاب الأجانب باختيار صداقتهم بعناية فهناك طلاب متفوقون”.
وأشار إلى أن “هناك الكثير من العرب استطاعوا أن يبدعوا في الجامعات اليابانية، فقد استطعت -مثلا- أن أقود فريق بحث علميا يابانيا وأصبحت كبير المهندسين في إحدى الشركات اليابانية في صناعة التيتانيوم، وكل ذلك ما كان ليحصل لولا أنني تمكنت من فهم ثقافة المجتمع الياباني والتأقلم معه”.
اللغة اليابانية.. العائق الأكبر
يقول الدكتور أنس محمد مليح إن اللغة هي من أكبر الحواجز التي تحول دون كسب تحصيل علمي كبير في اليابان، وأضاف “شكلت اللغة اليابانية عائقا كبيرا للكثير ممن درسوا في اليابان وخصوصا في مرحلة البكالوريوس، فأغلب الجامعات اليابانية تكون الدراسة فيها باللغة اليابانية وخصوصا مرحلة البكالوريوس، وهذا يشمل حتى التخصصات الطبية. وبما أن سوق العمل في داخل اليابان يفضل المتحدثين باللغة اليابانية فإنه على الطالب أن يتقنها ويبذل الكثير من المجهودات لتعلمها، وذلك قد يكون على حساب إجادة اللغة الإنجليزية لأنه قد يضطر إلى التركيز على اليابانية وإهمال الإنجليزية وهذا غير محبذ”.
من جهته، يرى الدكتور عبد القادر أن “اللغة اليابانية تشكل عائقا في الدراسة، وحتى خارج الجامعة في حالة كنت تعيش في مدن داخلية صغيرة، أما الجامعات والمدن الكبرى فغالبا لا يحتاج الأجنبي فيها إلى تعلم اللغة اليابانية إلاّ حبّا في اكتشاف المجتمع من الداخل والانخراط فيه”.
أما الدكتور محمد فيروي قصته مع اللغة اليابانية التي تبدو أكثر تعقيدا، وقال “في اليوم الأول من الدراسة، اكتشفت أن عددا قليلا من الأساتذة والموظفين وعددا محدودا جدا من الطلاب يتحدثون الإنجليزية، والباقي لا يتحدث إلا اليابانية. وفى لفتة طيبة ولدعم الطلاب الأجانب، عينت الجامعة لكل طالب أجنبي طالبا يابانيا كي يساعده في إنجاز بعض المهام الضرورية، كفتح حساب بنكي، لكن من سوء حظي أن الطالب الذي تم اختياره لمساعدتي كانت لغته الإنجليزية رديئة جدا وهو ما تسبب في حصول مشاكل كثيرة، ومن العجيب أن المشرف علينا أوصى هذا الطالب بتحسين لغته الإنجليزية وأن يتدرب عليها معي”.
وأضاف الدكتور محمد “حينها قررت تعلم اللغة اليابانية، وبالفعل زاولت دروسا مكثفة لمدة 6 شهور بعدها استطعت أن أفهم الكثير في المختبر، لأن كل الأجهزة صناعة يابانية وتستخدم لغة برمجة باليابانية إلا قليلا”.
المجتمع الياباني وإشكالية الاندماج
يقول الدكتور عبد القادر إنّ العبارة الشهيرة “المجتمع الياباني مجتمع منغلق” يمكن اعتبارها صورة نمطية في عصرنا هذا، فاليابانيون خاصة الشباب منهم أصبحوا منفتحين على كل الثقافات رغم تمسكهم بأصالتهم، وهذا المزيج يجعل منه بلدا مرحبا بالأجانب.
وأوضح الدكتور عبد القادر أنّ “اختلاف ثقافة وسلوكيات اليابانيين عن العالم لا يجعل من ذلك عائقا أمام انخراط الأجانب معهم إطلاقا، ولا يمكن القول إن ذلك يؤثر سلبا على حياة الطلبة والباحثين خارج الجامعة، بل بالعكس فالأجنبي مرحب به ومدلل كثيرا في الشارع الياباني، وأينما حلّ يهب الكل لمساعدته إذا ما طلب ذلك. ولكن للأسف ليس كل اليابانيين يتكلمون الإنجليزية بطلاقة خاصة كبار السن، وهذا ما يمكن أن أراه عائقا أحيانا حين تزور المدن الداخلية وأنت لا تتكلم اليابانية”.
من جهته، يعتقد الدكتور أنس أن إشكالية الاندماج مع المجتمع الياباني مرتبطة باللغة اليابانية ومدى إجادتها لأن ذلك سيسمح للطالب الأجنبي بفهم الثقافة اليابانية والاندماج في المجتمع. وأضاف “اليابانيون في اعتقادي ما زالوا شعبا منغلقا إزاء الثقافات الأخرى وغير متقبل لها في بعض الأحيان، لذلك لا يقومون بإعطاء جميع ما لديهم للطالب الأجنبي ونادرا ما تجد أساتذة يابانيين متفتحين مع الطلاب الأجانب. أيضا هناك سلبية لدى بعض اليابانيين وهي الانعزالية، لذلك فإن فهم الثقافة اليابانية بشكل جيد تعتبر من أهم الخطوات لتجاوز بعض الصدمات النفسية في اليابان”.
أما الدكتور محمد فقد ذهب إلى أكثر من ذلك حيث يقول “اليابانيون شعب خجول جدا، ومجتمعهم منغلق على نفسه، حتى بينهم وبين بعضهم فإنهم غير اجتماعيين.. والفرد الياباني حساس جدا، الخطأ الأول هو الأخير، ما يعني أن التعامل معهم يكون بحذر حتى لا تخسر صداقتهم”.
صرامة وانضباط فوق العادة
يقول الدكتور عبد القادر “إذا لم تكن شخصا يقدس العلم والعمل، فاليابان ليست بيئة ملائمة لك. الملل في اليابان ليس في قاموس الأشخاص النشطاء اليافعين، لأن لديهم دائما ما يقومون به ويعرفون كيف يقضون وقتهم مع جمال الطبيعة باليابان وتنوع النشاطات الترفيهية الفردية والجماعية. فدائما هناك وقت للكاراوكي أو الرياضة والاستمتاع بشرب الشاي الياباني ونزهة ساكورا مع زملاء الدراسة أو العمل”.
وأضاف محدثنا يقول “اليابانيون لا يبحثون على طلبة أذكياء أكثر مما يبحثون عن طلبة يعملون بجد لساعات طويلة لهذا فحاول أن تقدس العلم والعمل.. اليابان ليست سوى محطة عبور للعالم فاغتنم فرصة التعلم والاحتكاك بالثقافة اليابانية قبل أن تغادرها”.
من جهته، قال الدكتور أنس “أعتقد أن الطالب الأجنبي سيجد أن أوقات الدوام مجهدة وخصوصا في التخصصات الهندسية لأن لديها نظاما أشبه بنظام الشركات اليابانية أو أشد، حيث يكون وجود الطالب قبل البروفيسور في معمل الأبحاث وعليه أن يعود إلى بيته بعده، مع ساعات عمل تصل إلى 12 ساعة دوام في المعمل”.
من جانبه، يقول الدكتور محمد “اليابانيون لا يعرفون سوى العمل، ولا يقدرون أي ظروف، أنا أشعر بأنهم مجردون من أي مشاعر إنسانية أو عاطفة، حتى ابتساماتهم تبدو مصطنعة غير حقيقية تفرضها عليهم قواعد العمل”.