ثقافه وفكر حر

السلطان الشهيد مراد الأول العثماني

منحه الخليفة العباسي لقب “السلطان” بعد أن كان “بك”، استلم دولة صغيرة فحولها لدولة ممتدة في اسيا واوروبا، خاض أكثر من 40 حرباً ولم يهزم ابدا، في آخر معركة له نال النصر والشهادة.


نشأته


ولد في أماسيا في عام 1326م، وهو أبن السلطان أورخان العثماني ونيلوفر الرومية، وكان أول منصب حصل عليه هو أمير سنجق بورصة، وكان له الفضل في تحويل الدولة العثمانية من امارة صغيرة إلى دولة كبيرة، حيث انه نشط في توسيع الدولة منذ أن كان أميرا فقام بفتوحات في بلاد الروم في زمن ابيه.


تولي الحكم


كان مراد الأول بعيدا عن الحكم حيث أن أخيه الأكبر سليمان كان هو لي العهد، ولكن وفاته في عام 1357م مهدت له الطريق، حيث تولى الحكم في عام 1360م بعد وفاة أبيه أورخان، وقام مراد الأول بجعل أخيه خليل الرجل الثاني في الدولة، ولكن خليل قام بالتمرد في عام 1362م بالتعاون مع البيزنطيين، ولكن مراد قضى على هذا التمرد وقتل أخيه خليل.


فتح أدرنة


في عام 1361م أرسل السُلطان مُراد مُربيه شاهين باشا لفتح أدرنة، فتم الحصار حتَّى اضطرَّ قائد الحامية أن يخرج لِقتال العُثمانيين، فاشتبك معهم وانهزم وعاد إليها هاربًا. ولمَّا رأى أنَّ الاحتفاظ بِالمدينة أمرٌ ميؤوسٌ منه، وافق على تسليمها لِلمُسلمين، وانسحب منها سرًا في إحدى القوارب. أمَّا الأهالي فإنهم فتحوا أبواب مدينتهم لِلعُثمانيين شرط أن يُعاهدهم ويُعطيهم الأمان على أنفُسهم ومُمتلكاتهم ومُقدساتهم وكنائسهم، وأن يظلُّوا مُقيمين في مدينتهم، فأعطاهم ما طلبوا.


فتح تراقيا


في عام 1363م تابع العُثمانيُّون توسُّعهم انطلاقًا من أدرنة نحو سائر أنحاء تراقيا، ففتحوا مدينة فيلپَّة، عاصمة الروملّي الشرقيَّة كما فتحوا مدينتيّ «وردار» و«كوملجنة»، الواقعة إلى الجنوب الغربي من أدرنة، وسيطروا على وادي مريچ (ماريتزا) الذي يُزوِّد القُسطنطينيَّة بِالحُبُوب والحنطة، فعزلوا بِهذا بُلغاريا عن المُمتلكات البيزنطيَّة. وبِفتح إقليم تراقيا تمَّ فصل القسطنطينية عن الممتلكات البيزنطية في أوروبا، حيث أصبح العثمانيون يحيطونها من كافة الحدود الغربية الأوروبية.


اتخاذ أدرنة عاصمة


في عام 1366م استطاع البيزنطيون وحلفائهم السيطرة على أدرنة، فقام السلطان مراد بإعادة فتحها وجعلها عاصمة للدولة.

ويعتبر قيام السلطان مراد بنقل عاصمة الدولة من بورصة إلى مدينة أدرنة دليلا على إدراكه أن الأهمية والخطر يأتي من أوروبا فقام بإعطاء الأولوية لفتح أوروبا وليس آسيا، حيث أن أدرنة تقع في أوروبا.


فتح مقدونيا


استغل السلطان مراد خلو البلقان من الجيوش الكبيرة وذلك بسبب ذهاب ملك الصرب وملك المجر بجيوشهم لإحتلال أدرنة، فاكتفى مراد بأن يحمي أدرنة ب10000 مقاتل، وزحف نحو مقدونيا، واستطاع أخذها من الصرب، ثم تجمعت الجيوش العثمانية وقاموا بمهاجمة جيش الصرب والمجر وحققوا إنتصار ساحق عليهم وكان ذلك في حوالي عام 1368م.

وبعد ذلك فتح العُثمانيُّون مدائن سوزوپول ودرامة وقولة وسيروز، فتمَّ لهم السيطرة على أطراف إقليم تراقيا وفتح إقليم مقدونيا، ووصلوا إلى جنوبي بُلغاريا وإلى شرقيّ الصرب، وأصبحت بِالتالي جميع مُدن وأملاك الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة والقيصريتين البُلغاريَّة والصربيَّة مُهددة بِالسُقوط في أيدي المُسلمين.


الخليفة العباسي يمنحه لقب “السلطان”


نال مُراد الأوَّل لقب «سُلطان» بِصُورةٍ رسميَّة من الخليفة العبَّاسي المُقيم بِالقاهرة أبو عبد الله مُحمَّد المُتوكِّل على الله، لِيُصبح بِهذا أوَّل حاكمٍ من آل عُثمان ينال هذا اللقب، بعد أن كان والده أورخان وجدِّه عُثمان يحملون لقب «أمير» أو «بك» فقط. كما خلع الخليفة العبَّاسي على السُلطان مُراد ألقابًا تشريفيَّة عديدة أُخرى تقديرًا لِما قدَّمهُ لِلإسلام، وتلك الألقاب هي: «سُلطانُ الغُزاة والمُجاهدين»، و«ملكُ المشايخ»، و«الملكُ العادل»، و«غيَّاثُ الدُنيا والدين»، و«شهابُ الدين غازي هنكار خُداونگار»، و«ليثُ الإسلام»، و«أبو الفتح»، و«غيَّاثُ المُسلمين».

وهذه المعلومات موجودة في الصفحة 98 من كتاب (موسوعة تاريخ الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة السياسي والعسكري والحضاري) للكاتب أوزتونا، يلماز و ترجمة عدنان محمود سلمان.


فتح بلغاريا


في سنة 1381م سار السُلطان مُراد على رأس جيشه لِفتح صوفيا، فاشتبك مع الجيش البُلغاري في وادي زلاتیتسا وألحق بهم هزيمةً فادحة، ثُمَّ سار البكلربك لاله شاهين باشا على رأس مُقدمة الجيش إلى صوفيا وضرب الحصار عليها. بلغ تعداد الحامية البُلغاريَّة في المدينة نحو 15,000 جُندي، يُساعدهم 4,000 جُندي صربي أرسلهم لازار، وأمَّا الجيش العُثماني فبلغ تعداده 10,000 جُندي. دام حصارُ المُسلمين لِصوفيا ثلاث سنوات تمكَّنت خلالها حامية المدينة من الصُمُود بِوجه العُثمانيين حتَّى تسرَّب اليأس إلى فؤاد لاله شاهين باشا وقرَّر رفع الحصار والعودة إلى أدرنة، لولا أن قام أحد سُكَّان المدينة الذي اعتنق الإسلام بِالقبض على قائد البلغار البان يانوقا عندما خرج من المدينة لِيصطاد، وسار به إلى المُعسكر العُثماني حيثُ سلَّمه لِلاله شاهين باشا، فاصطحبه الأخير معهُ إلى أسوار المدينة لِيراه الجُنُود المُحاصرين، ولمَّا رأى هؤلاء أنَّ قائدهم أُسر استسلموا وفتحوا أبواب المدينة لِلعُثمانيين نتيجة هذا الانتصار، وبِهذا ضُمَّت صوفيا وقسمًا من بُلغاريا إلى الدولة العُثمانيَّة، وأخذت تكتسي بِالكِسوة الإسلاميَّة شيئًا فشيئًا.


معركة قوصوه


وقعت هذه المعركة في سهل قوصوه -كوسوفو- في عام 1389م بين جيش العثمانيين بقيادة السلطان مراد وعدده 40000 مقاتل وبين الجيش الصربي والألباني بقيادة ملك الصرب ستيفان أوروس الخامس وعدده 35000 مقاتل.

ودارت المعركة بعنف وحمي الوطيس وتطايرت الرؤوس وظلت الحرب سجالاً حتى فرّ “فوك برانكوفيتش” أحد قادة الصرب ومعه عشرة آلاف فارس، والتحق بجيش المسلمين، فدارت الدائرة على الصرب، وانتصر العثمانيون نصرا ساحقا.


استشهاده


وبعد تمام النصر، كان السُلطان مُراد يتجوَّلُ مُتفقدًا ساحة المعركة والقتلى والجرحى، فانقضَّ عليه جُندي صربي يُدعى «ميلوش كوبلوڤيچ» كان يتظاهر بِالموت، وفاجأه بِطعنةٍ قاتلةٍ من خنجره المسموم كانت هي القاضية عليه بعد قليل، وسقط القاتُل قتيلًا تحت سُيُوف الانكشاريَّة مُباشرةً.

ثارت ثائرةة بايزيد إبن مراد لمَّا طُعن والده، وأمر بدايةً بِقتل الأسرى ثأرًا له، لكنَّ مُرادً رفض ذلك رفضًا قاطعًا، فقال لِقادته وإبنيه: «لًا تُعَذِّبُوا الأَسرَى وَلَا تُؤذُوهُم، ولَا تَسلِبُوهُم، فإنَّ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصحَابِه فِي أَسرَى بَنِي قُرَيظَة: “أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ، وَقَيّلُوهُمْ، وَأَسْقُوهُمْ حَتّى يُبْرِدُوا”».

ولم تدُم مُعاناة السُلطان مُراد طويلًا، فأسلم الروح بعد قليل، بعد أن أوصى بِولاية العهد إلى ابنه بايزيد وودَعَ جيشه، ولمَّا تُوفي السُلطان مُراد عفا بايزيد عن جميع الأسرى باستثناء القيصر ونُبلائه، الذين أمر بإعدامهم، فأُعدموا على الفور. واستُخرجت أحشاء السُلطان مُراد ودُفنت في سهل قوصوه كي لا يُصاب جُثمانه بِالتلف أثناء رحلة العودة الطويلة إلى بورصة لِدفنه بِجانب أبيه أورخان وجدِّه عُثمان.
*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
*****************

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق