اقلام حرة

كتاب مثير للجدل يسلط الضوء على الانقسامات في إسرائيل ..

منذ اللحظة التي تم فيها إصدار كتاب مدنيات أثار جدلًا شرسًا وحادًا، وتحول تركيز منتقديه بسرعة من مضمون الكتاب المدرسي الذي يتضمن 500 صفحة إلى ما حُذف منه، والذي يرى النقاد الإسرائيليين بأنه يكشف عن التمييز.

كتاب “أن تكون مواطنًا في إسرائيل” يهمش المجتمع العربي في إسرائيل ومواطني الدولة العلمانيين، ويمر على المستوطنات والفلسطينيين بشكل عابر فقط، ويعرض “يهودية أكثر وديمقراطية أقل”، بحسب نقد للكتاب في مقال لهيئة تحرير صحيفة “هآرتس”. أكثر ما تم التركيز عليه هو عدم وجود محررين عرب على قائمة الاعتمادات في الكتاب.

النقاد في صحيفة “يديعوت احرونوت” احتجوا على أن الانقسامات الاثنية بين المزراحيم والأشكناز في إسرائيل بالكاد ذُكرت في الكتاب، ما يخفي سنوات من التمييز. والنشطاء المثليون عبروا عن غضبهم بأن الكتاب لا يشير إلى نشاطهم، باستثناء الإشارة إلى جريمة قتل الفتاة شيرا بانكي (16 عامًا) في موكب الفخر للمثليين عام 2015؛ وعلاوة على ذلك، تصنيف الجريمة على أنها جريمة دينية.

الكتاب واحد من ثلاثة كتب مدنيات متوفرة للدارسة الإسرائيلية لامتحانات شهادة الثانوية العامة الإلزامية، ولكن الكتاب الوحيد الذي ستتم ترجمته إلى اللغة العربية لم يتم تحديثه منذ عام 2000؛ النسخة الجديدة تم بدء العمل عليها قبل 6 أعوام تحت قيادة الوزير السابق جدعون ساعر (الليكود). الكثير من النقاد اعتبروا الكتاب غير حيادي، يهدف إلى صب – أو على الأقل إعلام – وجهات النظر السياسية لجيل جديد من الناخبين باتجاه اليمين.

تأجيج الجدل

جميع النقاط الخلافية التي أشعلت النقاش في الأشهر الاخيرة لم يتم في نهاية المطاف شملها في النسخة الأخيرة. الكتاب كما يُزعم أشار إلى أن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق يتسحاق رابين لم يكن نتيجة لتحريض معسكر اليمين، وتمت مقارنته بحادثة “ألتالينا” (المواجهة العنيفة بين الجيش الإسرائيلي الوليد ومنظمة “الأرغون” شبه العسكرية)، لكن النص النهائي يوفر رأيين متضادين حول دور التحريض في جريمة الاغتيال في عام 1995 ويترك للطلاب إمكانية اتخاذ القرار؛ ولا يقارن الجريمة بـ “ألتالينا”.

في السياق نفسه، قبل نشره كانت هناك مزاعم بأن الكتاب يقول بأن المواطنين العرب في إسرائيل لعبوا دورًا في موجة العنف الأخيرة (هناك فقط إشارة واحدة وبإيجاز للعنف الذي اندلع في خريف 2015، من دون الحديث عن منفذي الهجمات؛ الكتاب يؤكد أيضًا على أن للمواطنين العرب في إسرائيل لم يكن هناك دور إلى حد كبير في الانتفاضة الثانية ما بين الأعوام 2000-2005)، وبأن الكتاب يبدأ بصلاة يهودية بدلًا من إعلان الاستقلال (وهذا غير صحيح).

المحللون الإسرائيليون أحسوا بالرضا، ونسبوا التنقيحات في الكتاب إلى الضجة العامة من حوله. في غضون ذلك، أصرت وزارة التعليم بقيادة الوزير نفتالي بينيت بأن الكثير من التقارير كانت غير صحيحة، حتى في الوقت الذي حجبت فيها الكتاب عن الرأي العام والإعلام، حتى قبل نشره بوقت قليل. مع ذلك، يرى النقاد بأن النسخة النهائية للكتاب ذات توجه يميني قومي أرثوذكسي متدين.

محرر الكتاب يهودا يعاري، الذي قام بتسريب أجزاء من الكتاب للصحافة في شهر يناير، كتب على صفحته عبر موقع “فيسبوك” في أوائل مايو “تصفحت كتاب المدنيات المنقح، وأدركت أنه في النهاية ساعدت فقط في المصادقة عليه”. وأضاف “لو لم تصل رسالتي إلى الإعلام وتسببت بضجة، فكان سيتم إلقاء هذا الكتاب في سلة المهملات بسبب الأخطاء الفظيعة. عمليًا، تم تصحيح هذه الأخطاء بالتحديد، ولكن الروح التبشيرية المتدينة – القومية بقيت. المجموعة المتطرفة التي تحاول السيطرة على البلاد وتغيير طابعها استولت على تلة أخرى.

ردًا على ذلك، قالت فردا اشكنازي، إحدى مؤلفي الكتاب، لإذاعة الجيش أن “يعاري كان منشغلًا بآرائه الشخصية وموافقه الأيديولوجية أكثر من تحرير النسخة خلال عمله”، ودعمت الكاتبة القضية الرئيسية المطروحة: الجدل حول كتاب المدنيات الإسرائيلي، كما قالت “ما هو إلا أحد أعراض المجتمع الإسرائيلي المنقسم بشدة”. وأشارت إلى ان “الكتاب عبارة عن زناد، انعكاس لما يحدث في مجتمعنا – الانقسام الفظيع بين اليمين واليسار – الدولة وطابعها، الصراع ليس حول الكتاب، فهو أحد تعابير الصراع”.

حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والعلاقات اليهودية – العربية

الكتاب تعرض أيضًا لانتقادات لتهميشه المواطنين العرب في إسرائيل، وتقسيمه بلا داع بين المسلمين والمسيحيين والأرمن والدروز، والتركيز على الخدمة العسكرية التي تقوم بها المجموعة الأخيرة أكثر من التركيز على المجموعة الفرعية الأكبر: المسلمون العرب في إسرائيل. ويقول الكتاب أيضًا، فيما قد يُنظر إليه كتدعيم للقوالب النمطية، بأن العرب في إسرائيل يعيشون في حمولات، في حين أن الدروز يتميزون بـ “حسن الضيافة والتسامح الديني والولاء”.

في الوقت نفسه، يسلط الكتاب الضوء على مجزرة كفر قاسم في عام 1956 (والتي قام فيها عناصر من شرطة حرس الحدود الإسرائيلية بقتل 49 عربيًا من مواطني إسرائيل بعد إطلاق النار عليهم)، بما في ذلك اعتذار الرئيس رؤوفين ريفلين عام 2014 على “الجريمة المروعة”. ويشير أيضًا إلى الفجوات في التعليم والمكانة الاقتصادية بين العرب واليهود في إسرائيل وانعدام الثقة العميق الذي يميز العلاقات الاجتماعية بين الوسطين، ويكرس الكتاب أيضًا قسمًا كاملًا للتسامح والتعددية، ويعطي أمثلة عن العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، مثل تلك التي تشهدها مباريات كرة القدم.

استطلاع رأي حول من هم الأشخاص الذين لا يرغب اليهود والعرب بالعيش بجوارهم يشير إلى أنه “إذا كانت نتائج الاستطلاع انعكاسًا صحيحًا لآراء الإسرائيليين، فهناك إذًا مشكلة تسامح حقيقية”. ويتضمن الكتاب أيضًا قضية تمييز عنصري معروفة في مدينة الملاهي “سوبر لاند” ويحث الطلاب أيضًا على البحث عن مبادرات تعايش، مثل “تاغ مئير”، والنقاش حول كيفية المساهمة في علاقات أفضل.

القسم حول العلاقات اليهودية – العربية يتم التنويه بأنه لن يتطرق إلى السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

92 صفحة عن الدولة اليهودية، 117 عن الديمقراطية

يتخلل النص بشكل غير قابل للجدل إشارة إلى مصادر يهودية أكثر من نسخات سابقة، إلى جانب اقتباسات من قادة ومفكرين وشعراء إسرائيليين. دق النقاد ناقوس الخطر من الإقرار في الصفحات الأولى من الكتاب بأن مؤسسي دولة إسرائيل اختاروا حذف “وعد الله” كمبرر لإقامة دولة إسرائيل في إعلان الاستقلال، معتبرين هذا إشارة على التحيز الديني للكتاب، ولكن الكتاب بنفسه يشير ضمنيًا إلى مسألة عمّا إذا كانت الإشارة إلى المصادر اليهودية هي مشكلة بحد ذاتها في المجتمع الإسرائيلي، في قسم بشأن النقاش حول استخدام المصطلح “تسور يسرائيل” (صخرة إسرائيل) وهو مصلح يُستخدم كإشارة إما لله أو للشعب اليهودي في إعلان الاستقلال: في النهاية، فإن قرار استخدام عبارة “تسور يسرائيل” تميز حلول الوسط بين العلمانيين والمتدينين حول مسائل أخرى كثيرة أيضًا، بإمكان المتدينين اعتبار أن المصلح يشير لله وبأنه ذات أهمية دينية، في حين يمكن للعلمانيين النظر إليه كإشارة إلى الأمة، وبالتالي يحتوي على معنى وطني.

في حين أن هذا المصطلح التوراتي قد يكون شكل مصدر تسوية في عام 1948، لا يبدو أنه يعمل على هذا النحو في 2016.

لاستباق النقاش حول الكتاب، يعرض مؤلفوه الوصف التالي للاتجاهات المختلفة للدين والدولة: في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، هناك منظومة مشتركة من القيم والرموز والممارسات المأخوذة من الديانة والتقاليد اليهودية، ولكن هناك اتجاهات مختلفة للطابع المرغوب للدولة، هناك أولئك الذين يعتقدون بأنه ينبغي أن يكون للدين تأثير على طابع الدولة في التشريع والأحكام القانونية وفي المجال العام. آخرون يعتقدون بأن تأثير الدين يجب أن يكون محدودًا، وهناك من يعتقد بأنه لا ينبغي أن يكون للدين أي تأثير، وبأن المجال العام بجب أن يكون خاليًا من أي دين.

في مسائل الدين اليهودي والديمقراطية، يؤكد النص في الكتاب على أن هناك “توترات” بين المبادئ اليهودي والديمقراطية لدولة إسرائيل، ولكنه يشير إلى أن “معظم الجمهور الإسرائيلي يعتقد بأنه من الممكن الدمج – بطريقة أو بأخرى – بين الأساس اليهودي والأسس الليبرالية والديمقراطية. وككتاب مدنيات، فإن تركيزه الأساسي هو على النظام الديمقراطي في إسرائيل، مثل الانتخابات والنظام القضائي والتشريعي فيها وأمور أخرى. لكن معظم الضجة حول الكتاب تمحورت حول القسمين اللذيْن يتناولان الهوية الإسرائيلية، وبالتحديد تصوير الهوية العلمانية اليهودية – التي تحظى باهتمام أقل من الأجزاء عن اليهود الحريديم واليهود القوميين المتدينين واليهود المحافظين – على الرغم من أن هذا الجزء يضم غالبية اليهود الإسرائيليين. الإشارة الخاطفة للتوترات بين السفارديم والأشكناز وتاريخ التمييز أثار ردود فعل غاضبة، وكذلك الأمر بالنسبة لتصنيف جريمة قتل الفتاة شيرا بنكي بيد رجل حريدي في موكب الفخر المثلي في القدس في عام 2015 كجريمة “دينية”.

في معالجته للهوية اليهودية الإسرائيلية، يقوم الكتاب بتقسيمها إلى 4 فئات: الحريديم والمتدينين القوميين والمحافظين والعلمانيين، مع التركيز على أن هذه الفئات هي بمثابة “طيف” وليس مجموعات منفصلة، وبأنه “لا توجد هناك بالضرورة علاقة مباشرة بين خصائص المجموعة وهويات الأفراد المدرجين في تلك المجموعات”، وبأن بإمكان اليهود “التأقلم مع عناصر مختلفة من مجموعات مختلفة”. ويقول الكتاب “على المرء أن يتذكر أن الحديث يدور عن طيف، المجموعات ليست مغلقة والخط الفاصل بينها غير واضح”. الهوية العلمانية الإسرائيلية “ليست متجانسة”، ولا يوجد لمصطلح “العلمانية” تعريف واحد مقبول، بحسب الكتاب. “بصفة عامة، العلمانية هي عدم وجود التزام بمؤسسة دينية وعقيدة دينية ملزمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يضيفون لتعريف العلمانية مركبات أخرى، مثل الإيمان في سيادة الإنسان على مصيره أو التمسك بكرامة الإنسان والحرية كقيم أساسية”.

في تعليقها على ذلك، كتبت صحيفة “هآرتس” في مقال لهيئة التحرير بأن هدف الكتاب المنقح “أن تكون مواطنًا في إسرائيل” ليس توسيع معرفة الطلاب، وبالتأكيد ليس عرض وجهة نظرة مركبة للواقع؛ ولكن هدفه عرض نسخة واحدة لواقع مع خصائص دينية وقومية. وجهات النظر الأخرى تم تصغيرها إلى الحد الأدنى أو استبعادها تمامًا تقريبًا، من المستحيل فهم رسالة الكتاب بصورة خاطئة: الهوية اليهودية – كما يتم التعبير عنها في تعريف الدولة لنفسها وفي المجال العام – تأخذ الأولوية على حساب الهوية المدنية، هذا بالأساس يعكس وجهات نظر التيار الأرثوذكسي والمحافظ واليميني في اليهودية.

وفي مهاجمتهم لتعريف الكتاب للعلمانية الإسرائيلية وتوجيه أصابع الاتهام لليمين والقوميين المتدينين؛ تجاهل بعض النقاد انزعاج الكتاب المتسق مع فكرة هوية ثابتة لجميع الفئات. وردود الفعل على هذا التعزيز للخطوط الاجتماعية – السياسية التي يحاول الكتاب طمسها يعطي ربما معلومات عن المواطنة والهوية الإسرائيلية أكثر من النص نفسه.

عن تايمز اوف اسرائيل

مقالات ذات صلة

إغلاق