اقلام حرة
السلم الأهلي في الحالة الفلسطينية إلى أين؟
بقلم: تمارا حداد.
يُعتبر السلم الأهلي من أهم القضايا لتحقيق التسامح ومبدأ لحماية حقوق الناس والتفاعل الإيجابي بين المكونات المجتمعية وهو شرط لتحقيق التعايش والمساواة والعدالة، وهو حالة من التوافق والأمن والاستقرار وغياب للنزاعات العائلية والفردية والحزبية، فهو مفهوم يتمحور ببناء علاقات حسن جوار حقيقية بين الأفراد.
إن أهم مرتكزات السلم الأهلي هو ترويج ثقافة الحوار وتعزيز عملية قبول الرأي الآخر، والركيزة الأخرى هي احترام الحريات للأفراد وإشاعة مبدأ الشفافية في التعامل ونبذ العنف والكراهية والتحريض والتشويه وزيادة مفاهيم التلاحم والاندماج.
كما أن العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتطبيق القانون على الجميع بصفة عادلة ومحاسبة الفاسدين وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد بقواعدها السبعة “تطبيق القانون، المشاركة المجتمعية، المساءلة، الفاعلية، والكفاءة، المحاسبة، الشفافية” يؤدي الى تحقيق السلم الأهلي.
وبناء السلم الأهلي يتضمن إعادة عملية سياسية متوازنة ترتكز على شرعية قانونية ومجتمعية بين الحكومة والمجتمع تمكنها بناء علاقات تستعيد القدرة على إدارة الشؤون الداخلية، وهي بحاجة إلى الكل فرداً ومجتمعاً وحكومة لبناء أحكام تُنظم حياة الجماعات والأفراد لمنع الانزلاق نحو العنف والمحافظة على ديمومة السلم الداخلي الوطني وتعزيز التماسك الاجتماعي.
واقع السلم الأهلي في الحالة الفلسطينية:
إن حالة السلم الأهلي تختلف في الضفة الغربية عن القطاع عن القدس نظراً لخصوصية كل بقعة، كون أن القدس محاصرة كلياً تحت براثن الاحتلال وهناك مشاكل للمقدسيين من قوانين عنصرية يواجهونها، والمسيطر الحقيقي في القدس لتحقيق الأمن من خلال التطبيق القهري للقانون هو الاحتلال.
أما الضفة الغربية ففي أي لحظة قد يكون هناك زعزعة للسلم الأهلي لأمور عديدة:
أولا، عدم تقبل الرأي الآخر سواء لحزب أو أفراد أو جماعات، وكما ان الضفة الغربية مليئة بالسلاح ففي أي لحظة قد يضر بالسلم الاهلي وبالتحديد السلاح المشبوه، وكما أن الشارع الفلسطيني بعد إلغاء الانتخابات وشعوره بالإحباط لعدم تغيير الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأفضل قد يؤدي الى ان السلم الاهلي قد يختفي في أي لحظة، وكما أن جرائم قتل عديدة تحدث في المجتمع الفلسطيني قد يؤدي الأمر الى زعزعة السلم الاهلي، وكما ان شعور المواطن بحالة الفساد المستشري في بعض المؤسسات وعدم وصول حالة من العدالة المجتمعية قد يؤدي الى حالة من ضياع السلم الاهلي.
اما قطاع غزة فحاله ليس أفضل من الضفة الغربية فحالة الحصار الخانق في القطاع وازدياد العاطلين عن العمل والفقر المنتشر بين شرائح القطاع سيؤدي الى حالة من غليان الشارع الغزي ليؤدي الى زعزعة السلم الأهلي، وكما ان شعور الغزي في القطاع بحالة اليأس والاحباط وعدم توفر فرص العيش الكريم يؤدي الى زعزعة السلم الاهلي، لكن برأي ان القطاع لعدم التدخل المباشر من الاحتلال بعكس الضفة قد يكون فيه السلم الاهلي اكثر استقرار من الضفة الغربية كون الضفة الغربية في اي لحظة قد تكون حالة من عدم استقرار السلم الاهلي نتيجة تدخلات عديدة.
أبرز المؤثرات على مضمون السلم الأهلي في فلسطين:
• الاحتلال الإسرائيلي : يسعى الاحتلال الى زعزعة السلم الاهلي والاضرار باستقرار الحالة المجتمعية للشارع الفلسطيني لاعطاء صورة للعالم الخارجي بان الشارع الفلسطيني لا يستطيع ان يحكم نفسه، فهو يسعى بشتى الطرق من خلال زج الافكار المسمومة عبر الاعلام او الشائعات التي تضر بالمجتمع الفلسطيني، او عن طريق نشر المخدرات او السلاح المنفلت، او من خلال وسائل زرع الفتنة بين الاحزاب او العوائل او العشائر. هذا الامر بحاجة الى التيقظ والحذر من اي اسلوب قد يؤدي الى زعزعة الوحدة المجتمعية والسلم الاهلي بين المجتمع.
• الانقسام السياسي : الانقسام الفلسطيني مؤثر أساسي على السلم الأهلي فحالة الانقسام أرهقت الحالة الفلسطينية وأصبح الشارع منقسماً نتيجة اختلاف الرؤى وعدم احترام الراي الآخر، الامر الذي اضر بحالة التوافق بين الجميع فالانقسام سبب رئيس للنزاعات الفكرية والحزبية وعدم ارساء الاستقرار الوطني ضمن برنامج متفق عليه وطنيا نضاليا، الامر الذي نحن بحاجة لانهاء الانقسام لحدوث استقرار في النظام السياسي الذي ينعكس بشكل مباشر على النظام الاجتماعي.
• أجندة السياسات الوطنية: لا بد ان تتوافر سياسات عامة وطنية لحماية السلم الاهلي بكافة الاتجاهات من خلال الاطر السياسية والتي تتمثل بتفاعل القيادات السياسية بأجندات وطنية تُحقق الشفافية والعدالة والتوافق الفكري والتعاون في مجال بناء الثقة ولملمة النسيج الاجتماعي وتحقيق المصالحة الوطنية على المستوى الجماهيري والفصائلي.
• القوانين والتشريعات الفلسطينية: ان القوانين والتشريعات جزء منها بحاجة لتعديل ليتلائم مع الواقع الفلسطيني لتحقيق السلم الاهلي. حيث ان المنظومة القانونية هو مقدرة المؤسسات القانونية تطبيق مفردات القانون داخل أروقة مؤسسات السلطة جميعها، متوشحة بمفاهيم العدالة، وحقوق الإنسان، والنزاهة المطلقة وليست النزاهة المُظلمة التي تختفي وراءها ستار الفساد والظلم السياسي بشتى أنواعه. ولهذا السبب تطبيق الرقابة القانونية على جميع الأفراد دون تمييز مدخلاً مهماً نحو إعادة تشكل الوعي السياسي من قبل الأفراد نحو تغيير المفاهيم السلبية تجاه المؤسسة القانونية أيّ كان منبعها والطريقة التي تعمل بها.
• منظومة العدالة (القضاء المدني-وكلاء النيابة-الشرطة): العدالة الاجتماعية تؤثر بشكل مباشر على السلم الاهلي لتحقيق مجتمع متآلف متحاب لكن بعض الامور قد تحدث بقصد او غير قصد من قبل القضاء او وكلاء النيابة او الشرطة يؤدي الى عدم قبول المواطن لقرار ما الامر الذي ينعكس على السلم الاهلي، فتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة مكونات المجتمع لا يمكن تحقيقها دون التخلص من كافة أشكالة الواسطة والمحسوبية التي تعدّ الأساس الناظم لبناء علاقات إجتماعية سلبية داخل المجتمع. وكما ان تطبيق القانون على الجميع بشكل متساوي يؤدي الى تحقيق السلم الاهلي.
• الأوضاع الاقتصادية: الاوضاع في فلسطين صعبة للغاية قد يؤدي في اي لحظة لحدوث انفجار اجتماعي يؤدي الى زعزعة السلم الاهلي بين المواطنين لعدم انتظام العيش الكريم بينهم وكما ان البطالة تؤدي الى حالة من عدم الاستقرار المجتمعي بين الناس، لعدم وجود أفق اقتصادي بسبب الاحتلال او اتفاقية باريس التي كبلت السلطة وعدم انتظام المقاصة لعدة امور، كما ان الفساد لوجود الواسطات لتوظيف الاقارب سيؤدي حالة من عدم الاستقرار المجتمعي ليؤدي الى زعزعة السلم الاهلي.
• الحريات العامة: حرية التعبير من الاسس التي تؤثر على مسار السلم الاهلي فحرية التعبير تتعلق بتوافر البيئة السياسية او القانونية لتطبيقها، ولكن في الواقع الفلسطيني فحرية التعبير بحاجة لتطبيق وتنفيذ لتحقيق السلم الاهلي بشكل شمولي فهناك لا تتواجد مساحة واسعة لحرية التعبير الامر الذي ينعكس بشكل سلبي على السلم الاهلي.
• البنى التقليدية والعشائرية (القضاء العشائري): القضاء العشائري هناك وجهتين نظر في الموضوع اذا كان القضاء العشائري يهدف الى حماية المجتمع من النزاعات الاهلية فهذا شيء ايجابي، ولكن في بعض الامور يكون الاحتكام للقضاء العشائري يضر بالمواطن لعدم تحقيق العدالة نتيجة قضية او جريمة قتل الامر الذي يشعر به المواطن ان القضاء لم يستطع ان ياخذ حقه عندها سيأخذ حقه بنفسه ويزعزع السلم الاهلي.
• الأحزاب السياسية: الاحزاب السياسية بحاجة ان تعمل ضمن منظومة تشاركية وبرنامج لتحقيق السلم الاهلي بالتحديد ان الاحزاب لا تعمل ضمن قبول الراي الاخر الامر الذي يزعزع السلم الاهلي.
• رجال الدين: عليهم دور مباشر في ترسيخ قضية السلم الاهلي من خلال المساجد والخطابات الدينية والبرامج التلفزيونية الدينية لتحقيق السلم الاهلي، ودور الاسرة مهم في ترسيخ هذه القضية.
• الخطاب الإعلامي : للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دوراً هاماً للحفاظ على السلم الاهلي من خلال تسليط الضوء على التسامح والتكافل والتراحم والموروث الثقافي المجتمعي ذو الصبغة التآلفية من خلال عدة وسائل وأدوات، وكما أن مواجهة زعزعة السلم الاهلي من خلال معالجة ظاهرة الفلتان الفوضوي المجتمعي وذلك من خلال إعداد خطة إعلامية استراتيجية يقوم على إعدادها وتنفيذها متخصصين في السلم الاهلي.
• المؤسسات الأهلية: لها دور في نشر وتعزيز دور الفرد في عملية المشاركة في رسم السياسات العامة لتطوير المجتمع، ونشر قيم التسامح وتعزيز السلم الاهلي تماشيا مع حقوق الانسان والمواطنة والديمقراطية.
• الجامعات: لها دور في زرع ثقافة السلم الاهلي من خلال المحاضرات والندوات المستمرة بين الطلاب ونشرها عبر الابحاث العلمية المحكمة من خلال مؤتمرات علمية ترسل توصيات بتحقيق السلم الاهلي.
خلاصة: من المهم تعزيز الجهود المبذولة في تعزيز مفهوم السلم الاهلي من خلال تشكيل حكومة وطنية ” تشمل الكل الفلسطيني” تعمل على المصالحة وتعزيزها وحل الخلافات والنزاعات القائمة والمشاكل والعقبات الراهنة، ومن المهم ارساء المصالحات الداخلية داخل الاطر التنظيمية، وكما ان تعزيز ميثاق الشرف بين الاحزاب والجماعات بعدم الانجرار الى العنف وتصفية الحسابات وتعزيز الموقف الكلي للشعب الفلسطيني في صموده على ارضه يساهم في تعزيز السلام الاهلي، ومن المهم ممارسة الحق الديمقراطي في التعبير عن الراي المكفول حسب الدستور والقانون بعيداً عن الفئوية والحزبية والتخريبية والتجريح السلبي، وكما ان ترسيخ الانتخابات حيث تعتبر المدخل الاساسي لعملية التغيير من قبل الشعب كمؤثر لبقاء السلم الاهلي وتعزيزه، ومن المهم تقوية قدرة النساء والاستفادة من خبراتهن في تحقيق السلم الاهلي وكخطوة اساسية لبناء مجتمع سليم كونها نصف المجتمع، ولا ننسى دور الشباب هام في تحريك القاعدة الجماهيرية لحماية السلم الاهلي من خلال التركيز على العمل التطوعي والعمل المجتمعي ذو الصفة التكاملية والتكافلية، ومن المهم تشجيع المبادرات التي تعزز السلم الاهلي.