اقلام حرة

قنبلة الفقراء النووية- الإرهاب البيولوجي- ( الإستعمار الناعم للجماعات الإرهابية)

بقلم دكتورة سهير بنت سند المهندي
الأسلحة البيولوجية تعد اليوم مقصد للجماعات الإرهابية، حيث تأتي على رأس أسلحة الدمار الشامل التي يرمز لها بالرمز -NBC النووية, البيولوجية, الكيميائية –نظراً لسهولة تصنيع هذه الأسلحة، وقلة تكلفتها حيث عرفت بالاستعمار الناعم- أو الإرهاب البيولوجي المتمثل في الإطلاق المتعمد للفيروسات أو البكتيريا أو المواد السمية أو غيرها من العوامل الضارة الأخرى، وقد تكون في شكلها الطبيعي أو معدلة من قبل الإنسان لتسبيب المرض أو الوفاة للبشر أو الحيوانات أو النباتات لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية وغيرها عبر ترهيب الحكومات أو السكان المدنيين لكونها تشكل خطورة كبيرة سواء في تداعياتها أو مواجهاتها لأنها أكثر أنواع الإرهاب خطرا وأشد فتكا.
الإرهاب البيولوجي: هو ذلك الإستخدام المتعمد لبعض الكائنات الحية الدقيقة والتي تعرف اختصارا باسم المكروبات, وافرازاتها السامة بهدف إحداث المرض أو القتل الجماعي للإنسان, أو ما يمتلكه من ثروة نباتية أو حيوانية أو تلويث لمصادر المياه أو الغذاء أو تدمير للبيئة الطبيعية التي يحيى فيها والتي قد يشملها التدمير لعدة سنوات، ومن أنواعه: (البكتيريا) وهي أكبر من الفيروس حجما مثل التيتانوس، والسل، والطاعون، والنوع الثاني وهو (الفيروسات) أصغر صورة من صور الحياة على اليابسة والتي لا يمكن رؤيتها الا تحت مجهر الكتروني مثل الجمرة الخبيثة، والايدز، والجدري، والنوع الثالث ( الركتيسييات)، وهي الوسط ما بين الفيروسات والبكتريا مثل أمراض الريكتسية التي تسخدم في الحرب البيولوجية، والفطريات التي تدمر النباتات لإحداث المجاعة ونقل الامراض، حيث أن أشهر الجراثيم المستعملة في تصنيع الأسلحة البيولوجية (الجمرة الخبيثة والبوتيولينيوم والجدري والايبولا).
ويرجع تاريخ الأسلحة البيولوجية حسب ما أشارت اليه كتب التاريخ إلى أن اليونانين استخدموا مخلفات بعض الحيوانات في تلوث مصادر مياة الشرب لأعدائهم، ومن ثم استخدام الفرس والروم الأسلوب نفسة في حربهم على الأعداء في بعض الأحيان أو مع بعضهم البعض، وذلك في الفترة الأولى من الحقبة التاريخية مابين عام 300 ق. م حتى عام 1763م، كما استخدم الإنجليز مخلفات مرضاهم من المصاببين بالجدري ليلوثوا بطانيات ومناديل اليد للهنود الحمر بمكروب الجدري لإسقاطها في معسكراتهم والقضاء عليهم بعد الثورة العارمة التي شنها الهنود الحمر على البريطانين في العام 1763م وذلك في الفترة مابين 1763م- 1925م.
كما جاءت بعدها الحقبة الثالثة من العام 1925 1945 والتي أجرت فيها اليابان أبحاثا على انتاج الإسلحة البيولوجية واستخدامها في الحروب، حيث استخدموا الأسلحة البيولوجية في 12 محاولة أثناء الحرب وأثناء هجومهم على 11 مدينة صينية ببكتريا الأنثاركس، والكوليرا، والسلمونيلا، والطاعون، حيث كانت الأنهار، والآبار، ومصادر المياه، والطعام هي الهدف من وراء هذا الهجوم الذي اعترف به اليابنيون الذين تم اسرهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أمام محكمة مجرمي الحرب، وتتوالى سلسلة الحروب البيولوجية حيث جاءت بعد ذلك المرحلة الرابعة وهي مرحلة العصر المزدهر لأبحاث التسليح البيولوجي في الولايات المتحدة في عام 1941 حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالإِشتراك مع كندا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى برنامجاً قويا لأبحاث التسلح البيولوجي، فكان العام 1942 هو بداية برنامج التسلح البيولوجي الهجومي في الولايات المتحدة في مدينة كامب ديتريك والذي اشتمل على استخدام الأنواع المختلفة من البكتريا مثل: الأنثراكس، والبروسيلا، حيث كان هذا البرنامج محفوفاً بالمخاطر نتيجة حدوث أكثر من حادث تلوث للبيئة ولبعض النباتات بأنواع من البكتريا، إذ كان أحد الأٍسباب التي منعت استخدامها في الحرب العالمية الثانية على الرغم من انتاج أكثر من 5000 قنبلة مملوءه من الإنثراكس المميته التي تم انتاجها في مدينة كامب ديتريك والتي تحولت بعد الحرب الى مصانع لإنتاج الأدوية والتطعيمات المضادة لمثل هذه الأنواع من البكتريا.
وفي العام 1972 أعلنت الولايات المتحدة أنها تخلصت من كل ما لديها من الأسلحة البيولوجية والتي تبعتها بعد ذلك كل الدول الأخرى بعد التوقيع على معاهدة 1972 لحظر استخدام أو انتاج أو تخزين الكائنات الحية والسموم واستخدامها كسلاح لأغراض هجومية، وحظر استخدام وسائل اطلاق مثل هذه الأسلحة والتخلص منها لدى الدول الموقعه على هذه الإتفاقية وذلك خلال 9 أشهر من التوقيع.
وقد عرف المجتمع الدولي والساسة والعسكريين مع مرور الوقت أهمية الأسلحة البيولجية وضرورة الإستعداد لمواجهتها، حيث اتضح أن دول العالم الثالث لديها ايضا امكانيات أسلحة الدمار الشامل والتي اطلق عليها (قنابل الفقراء الذرية) لما لها من مميزات: تمثلت في سهولة تصنيعها، وقلة تكلفتها، وعدم احتياجها الى تقنيات متقدمة أو معقدة أو وسائل توصيل متقدمة، اضافة الى أن آثارهها تعد الأشد قوة وتدمير للانسان والبيئة لكونها لا تقل أثر عن الأسلحة النووية في هجومها، وصعوبة الكشف عنها من قبل انظمة الإستشعار التقليدية لمكافحة الإرهاب، وصعوبة القبض على الجاني، وسهولة النشر والإصابة لأعداد كبيرة من الناس واستخدامها لإلحاق الضرر الكبير باقتصاديات الدول لكونها قابلة للتتغير لانها مصنع مخبري فضلا عن غياب الحدود الجغرافية وتدني مستوى المخاطر وقدرتها على احداث الإضطراب المجتمعي، وعلى سبيل المثال كان لفيروس كوفيد 19 انموذج اقلق العالم من ظهورة وسلالاته الجديده والمطورة تباعا لهذا النوع من الفيروسات، ونظرا لهذه المميزات التي جذبت انظار الجماعات الإرهابية كانت الدوافع الشخصية والفكرية والسياسية والأقتصادية والإجتماعية وغيرها.
ولذلك وظفت الجماعات الإرهابية الإرهاب البيولولجي لأعادة نشاطها وإثارة الرعب بتنظيمات هيكلية جديده بشكل سياسي لإطلاق سراح المعتقلين من السجون، والحصول على اعتراف رسمي من الدول بوجود المنظمة، اضافة الى تعطيل المستوى الفكري لتعطيل التواصل التعليمي والتأثير على العقول من خلال استخدامها للعالم الإفتراضي وغيره، كما كانت هناك العديد من التوظيفات الأخرى منها التوظيف الإعلامي لإعادة هيمنتها وكياناتها على سبيل المثال، وتوظيف اقتصادي للحصول على مكاسب مالية تدعم وتمول انشطتها وتحرك مشاريعها دوليا وتوسع تنظيماتها، كما هناك التوظيف الديني كنوع من الجهاد للقضاء على الدول غير الإسلامية أو المخالفة لتوجهاتها الفكرية، التي ظهرت آثارها السلبية على الجانب الأقتصادي، والسياسي والأمني والإجتماعي والنفسي.
(قنبلة الفقراء النووية) بشتى أنواعها في تطور مستمر في ضوء ما توفرة الأسلحة من مميزات وأنظمة سياسيلة مهلهلة، حيث اعتبر الإرهاب البيولوجي جريمة من الجرائم الكبرى المكتملة الأركان بعناصرها الخاصة المستقلة عن الجريمة الإرهابية، رغم قصور التشريعات الوطنية والدولية في عدم وجود آليات تعاون مشتركة للحد من هذه الجريمة الكبرى المتعددة الدوافع للجماعات الإرهابية.
لذا كان من الضرورة انشاء وحدة لمكافحة الإرهاب البيولوجي ( قنبلة الفقراء النووية ) بالجهات الأمنية لعدم تمكين التنظيمات الإرهابية من استخدام هذا النوع من السلاح ضد الدولة ومواطنيها، فضلا عن الإستفادة من البرامج التي ينظمها الإنتربول الدولي، بجانب الوعي المجتمعي، ووضع ضوابط للكشف الدوري عن الدول المتوقع استخدامها للسلاح البيولوجي الذي قد يتطور مستقبلا ولتكن لنا ومضة تحذيرية.
[email protected]
3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق