اقلام حرة

هل ستنضم حكومة طالبان الى التحالف الدولي لمكافحة الارهاب؟ عمر الرداد

 
 
 

تتوالى المؤشرات التي تؤكد جملة من الحقائق قاسمها المشترك ان حكومة طالبان الجديدة “2021” العائدة الى الحكم بعد عشرين عاما من الاحتلال الامريكي لافغانستان، على خلفية احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ليست طالبان القديمة، على الاقل في علاقاتها مع القاعدة، والارهاب الذي كان سببا في احتلال افغانستان.وربما كانت السياقات التي عادت فيها طالبان الى الحكم تؤكد التحولات العميقة والتغيرات  التي طالت بنيتها وعقيدتها بما فيها تحولها الى حركة تمارس اللعبة السياسية، فطالبان الجديدة اليوم لم تات الى الحكم بعد حسم عسكري مع القوات الامريكية، رغم مشاغلتها القوات الامريكية خلال العشرين سنة الماضية، بل ان وصولها الى السلطة جاء بعد اتفاق تم ابرامه مع امريكا وبوساطة قطرية، ومن اللافت للنظر ان مفاوضي طالبان خلالها كانوا في غالبيتهم ضمن المفرج عنهم من بين معتقلي الحركة في غوانتنامو.
بعد ثلاث عمليات نوعية اعلنت داعش المسؤولية عن تنفيذها ضد طالبان بما فيها العملية التي نفذت ضد جنود امريكيين خلال عمليات الترحيل المكثفة والمتسارعة من مطار كابول، يطرح السؤال مجددا حول سيناريوهات علاقة نظام طالبان الجديد مع التنظيمات الارهابية،لا سيما علاقته مع القاعدة وتنظيم داعش، رغم ان داعش كان قد خاض معارك مع طالبان قبل الانسحاب الامريكي، وما يزال يصف طالبان بالتنظيم المرتد بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان.
ورغم تعدد سيناريوهات علاقة طالبان مع التنظيمات الارهابية والتي تتراوح ما بين التعاون مع بعضها بالخفاء او بالعلن، او اتخاذ موقف منها وبما يظهر طالبان نظاما اقرب للنظام السياسي في باكستان بمواجهة التنظيمات المتطرفة، الا ان المؤكد ان افغانستان الجديدة المتروكة امريكيا لمواجهة مصيرها، في ظل تحديات اقتصادية عناوينها الفقر والبطالة والفساد ونقص الخدمات، تتزامن مع حالة انقسام مذهبي وقبلي وطائفي، كلها تجعل من افغانستان دولة “فاشلة” توفر بيئة حاضنة لاعادة انتاج التنظيمات الارهابية، وهو ما تؤكده تقارير دولية بعد الانسحاب الامريكي حول النقص الحاد في الخدمات، بعيدا عن مقولات الاعلام الغربي التي تركز على منظومات حقوق الانسان والديمقراطية.
 
 
مستقبل الارهاب في افغانستان يرتبط بحقيقة مؤكدة وهي افغانستان ستكون تحت حكم طالبان بلدا حاضنا للتنظيمات الارهابية، تتوفر فيه شروط انتاج هذه التنظيمات وتحوله الى مركز استقطاب للارهاب العالمي، بمعزل عما اذا كان ذلك سيتم بتنسيق ورغبة من طالبان او بدون ذلك،وهو ما يبرر المخاوف التي عبرت عنها كل من :موسكو وبكين ومعهما طهران، والتي تدل مخرجات تقديراتها الاستراتيجية ان خروج امريكا من افغانستان وتسليم الحكم لحركة طالبان كان هدفه ” خلق” بيئة معادية للصين وروسيا وايران.
ولعل ما يعزز احتمالات هذا السيناريو ان طالبان ليست موحدة، خاصة وان تسريبات اشارت الى خلافات عميقة داخل قيادة طالبان عند الاعلان عن تشكيل الحكومة المنقوصة قبل ايام، والتي لم يتم الاعلان عنها بعد مفاوضات مع اطراف سياسية فاعلة في افغانستان، تم تغييبها عن المشاركة والتمثيل في الحكومة الجديدة، وهو ما يعني ان تلك الاطراف ستعمل على تكوين تحالفات جديدة مع اعداء طالبان الاقليميين والدوليين.
معطى اخر محدد لمستقبل الارهاب في افغانستان يتمثل بتعدد اللاعبين الاقليميين والدوليين في افغانستان وعلاقاتهم “السرية” مع التنظيمات الارهابية، وتحديدا ايران وباكستان، فباكستان ما زالت حاضنة استراتيجية لطالبان منذ تشكيلها وتحتفظ بخطوك اتصال ساخنة مع غالبية الاوساط القيادية في طالبان، وربما كانت الحاضر الغائب في الاتفاق الامريكي الاخير مع طالبان، اما طهران فقد نجحت خلال الاحتلال الامريكي لافغانستان ببناء علاقات وثيقة جدا مع بعض اجنحة طالبان وقدمت لها دعما لوجستيا وتسليحيا، بالتزامن مع احتواء لتنظيم القاعدة، بعد الاتفاق الشهير بين “خامنئي- ابن لادن” لتوفير ملاذ امن لقيادات القاعدة في ايران، عام 2001.
وفي الخلاصة فان كافة المعطيات تؤكد ان افغانستان تحت حكم طالبان ستكون ساحة حاضنة للتنظيمات الارهابية والتي ستتخذ عناوين القاعدة وداعش بشكل مباشر او من خلال تنظيمات متحالفة معهما، وربما تكون مخرجا وبديلا لساحات :سوريا والعراق وليبيا، التي تواجه مشاكل في تصريف المقاتلين الجهاديين والمرتزقة، الذين يتطلعون لاقامة دولة الخلافة قريبا من الصين او الجمهوريات الاسلامية في اسيا او على الحدود مع غرب ايران حيث الاقليات السنية المظلومة التي تواجه شيوعيين”ملاحدة” او شيعة” روافض”.

 
 

عمر الرداد

خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية

عمان – الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق