الرئيسيةمقالات

ليس هكذا تُؤكل الكتف يا وزارة التّربية والتّعليم!

د. هيفاء مجادلة

منظومة التّعليم عن بُعد هي من إفرازات التكنولوجيا التي باتت جزءًا حيويًّا من حياتنا. منذ سنوات تُدرّس آلاف المساقات في الجامعات والكليّات والمنصّات التعليميّة -عالميًا ومحليًا-عن بُعد كلّي، وقد أثبتت نجاحًا وحقّقت الأهداف التي وُضعت لها.
أمّا ما يحدث مؤخّرًا في المدارس؛ فقد أكّد من جديد الصّبغة الكميّة الرقميّة التي يُتعامل وفقها بمنأى عن الكيفيّة، أي مبدأ الكمّ لا الكيف الذي تبرع به منظومة التعليم في بلادنا.
حين ألزمت الوزارة المدارس بتنفيذ التعليم عن بُعد في فترة زمنيّة ضاغطة جدًا على المعلّمين والأهل على حدّ سواء، ألم تنتبه إلى أنّ المعلّمين لم يخوضوا هذه التّجربة فعليًّا من قبل، وكذلك الأهل؟ ألم تراعِ الظّرف الضّاغط الخانق الذي نعيشه أصلا؟ ألم تتنبّه إلى أنّ الكثير من البيوت لا تملك أصلا حاسوبًا أو شبكة صالحة لهذا النّوع من التعلّم؟
وأستغرب، لماذا لم يُعتمد في القرار أهمّ مبدأ تربويّ تعليميّ؟ مبدأ التدرّج؟ أليس هو المبدأ التربويّ المعتمد في بناء المناهج وتمرير المواد التعليميّة؟ لماذا يتوجّب على أبنائنا تعلّم 4 حصص عن بعد، فضلًا عن لقاء تزامنيّ، ترافقها 3-4 مهام عن بُعد تُسلّم أغلبها بنفس اليوم؟ مع تنبيهات أو قل “تهديدات” أنّ عدم المشاركة يؤثّر على علامة الطّالب! لماذا لم يتمّ البدء بشكل تدرّجي، حصّة واحدة في اليوم الأوّل ليتسنّى أخذ العِبر من التّجربة، ثم زيادة عدد الحصص في اليوم الثاني وهكذا بشكل تدرّجي سلس حتى يُحقّق الفائدة المرجوّة منه؟
حين بدأت بوادر توقيف التعليم تظهر، اقتنيتُ عشرات القصص والكتب وقلتُ هي فرصة ممتازة ليمارس أبنائي قراءة القصص علّ هذا الوقت يُحوّل القراءة لديهم إلى نهج ثابت في حياتهم، ولكن ما نعيشه هذه الأيام لا يترك لي ولا لأبنائي لحظة واحدة للقراءة! كنتُ أتوخّى من الوزارة أن تستثمر هذا الظرف لتعزيز ثقافة القراءة لدى المعلّمين والتلاميذ وهي التي تدرك أن منظومة التعليم الحاليّة الضّاغطة لا تشجّع على القراءة. كان حريًّا بالوزارة أن تضع تشجيع القراءة على سلّم الأولويّات في هذه المرحلة؛ فقراءة كتاب أفضل بكثير من مهمّة محوسبة في موضوع الجغرافيا برأيي.
أتابع ما يقوم به المعلّمون بتقدير وإجلال بالِغَين، فهذه المعلّمة التي تتابع تلاميذها يوميًا، تُدخل الموادّ والمهامّ إلى الموقع المشترك، تتواصل مع الأهل عبر مجموعة الواتس أب، تحلّ وتصلّح المهامّ الواردة، هي في نفس الوقت أمّ لديها أبناء يدرسون بنفس المنظومة، وقد تضطرّ إلى مرافقتهم في دروسهم ومساعدتهم في حلّ مهامّهم! لذلك تخيّلوا معي حجم الضغط الذي تعيشه وكثرة الأعباء التي تتحمّل مسؤوليّتها فطوبى لها! وعلى سيرة الواتس أب، أمس، لأوّل مرّة أكره هذا التّطبيق، فقد أصابني الصّداع من كثرة الرسائل التي كانت تصلني تباعًا بشكل جنونيّ، وكأنّ الدنيا قامت ولم تقعد!
للعلم، أنا مع التّعليم عن بُعد، وأمارسه منذ سنوات بشكل ناجح، وأمس كانت لدى أبنائي بعض التجارب الجيّدة في التعلّم، وأعرف أنّ كثيرين استمتعوا واستفادوا، ولكن أتحدّث عن الموجة العامّة برمّتها. لستُ مع التغيير بل أنادي به، ولكن التغيير إذا كان بهذا الشكل المباغت غير المدروس والضّاغط قد يولّد قطافًا عكسيًا ومردودًا سلبيًّا! فرفقًا بنا يا منظومة التعليم، الكيف لا الكم، ورجاءً راعوا نفسيّاتنا غير المستقرّة ونحن نعيش أوقاتًا عصيبة تزداد قلقًا وترقّبًا وتوتّرًا مع كلّ مصاب جديد بهذا الوباء اللّعين!
أسأل الله أن نخرج من هذه الأزمة بأفضل حال!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق