اقلام حرة

حاكم عربي للبيع وكُلّو مِن الدولار! فولة عمرو وعكاشة اتقسمت بين السيسي والسادات فاقرأ الفات

حاكم عربي للبيع وكُلّو مِن الدولار! فولة عمرو وعكاشة اتقسمت بين السيسي والسادات فاقرأ الفاتحة على الغزاة!

لينا أبو بكر

 

Aug 23, 2018

 

أن تقرأ الفاتحة على نعش حاكم عربي، فهذا يعني أنك تعيش في زمنٍ مضى عليه الزمن، وأن الحاكم، الذي انتقل إلى رحمته تعالى هو حاكم صالح (لم يضع فوق فمٍ دبابة، ولم يقترفْ فتنة أو مذبحهْ، لم يكذب أو يخن أو يختبئ من شعبه خلف جبال الأسلحة)، أما وقد صار (العميل والخائن والجاسوس واللص والقواد وسماسرة الأغذية الفاسدة والتبغ والمخلفات الكيماوية وتجارة الأعضاء البشرية والجغرافية والتاريخية والقومية لا يتحدثون إلا عن الوطن وهموم المواطن والمقاومة والاحتلال وعار الاحتلال، فماذا يتبقى للكتاب والإعلاميين؟ ربما الحديث عن الجنس والحمى القلاعية وجنون البقر) كما قال الماغوط رحمه الله، وطيب مثواه!
لا شك أن إعلامنا العربي المعلق في الأجواء كطائرة (هليكوبتر ضجيجها أكبر من سرعتها) هو القوة المُعطلة والمعطلة بفتح الطاء وكسرها، طالما أننا «لا نشتغل بقدر ما يشتغل العالم بنا»، إعلام يقوم بتأجيج مشاعر مؤقتة، تبعا لإلحاحات المراحل، والغزاة، ينسى أن أعظم ملاكمي العصر تخلى عن روحه الأولى من أجل روحه الثانية «كرامته»، لكي لا يخوض تجربة الموت مرتين، فكيف نتخلى عنهما لصالح روح ثالثة: المصلحة، دون أي اعتبار لمئذنة جحا، أو اسطبل تيمورلنك!
لم تعد بنا شهية للعزة أو النصر، نتداول الفتيش الإعلامي كقنابل يدوية، لا يتجاوز دويها ضمة الإبهام والسبابة، ويظل الحاكم العربي في خضم كل هذا، هو النبي الثري، الذي يرتدي شماغا إنكليزيا، ويمتطي ناقة جاهلية تخرجت بدرجة بسوس من جامعة هارفارد الأمريكية، فماذا بعد؟

المرض والكارثة كدعاية إعلامية

هل رأيت أمة في الأرض تتباهى بأمراضها وكوارثها مثلنا؟ مشاهير يشترون أمراضا تليق بشفقة الجماهير، وسياسيون يصرون على اقتحام المصائب وإنتاج الضحايا بتقمص التضحية، وكلهم في ميزان الإعلام أبطال، يستحقون المزيد من الدعم والتلييك، فأي بريق هذا الذي يقوم على الإفلاس الإبداعي والفروسي، مكتفيا بالطبطبة والتصفيق؟
كُلّو مِن الدّولار، وهنا مربط النعامة، هنا فقط تستطيع أن تراهن على الحقيقة لا على الخديعة، فمن ينتصر على الأخضر، الذي اشتق حبره من عصير النخيل، ليحوله إلى سم نقدي، يتفشى كطفح جلدي فوق فراء الثعالب الفنية، أو كنمنمة الحواس على الخوذات الحريرية لعساكر الـ«سي أن أن» والـ«فوكس نيوز»؟!
مشاهد تتوالى أمام عينيك، تهرول وتكرج نحو المصيبة، بلا أقدام ولا مكابح، وأنت تنتظر المذبحة بملابس العيد، وبرامج المسابقات والربح الأكيد، فهل أنت عربي؟
الأكراد يفرون منك، والأمازيغ، والشيعة، والملحدون، والمثليون، وبنات الهوى، وحتى أنت تستعر من عروبتك، كأن العروبة جذام الهوية، فماذا يتبقى لإعلامك منك؟
تلف عام بالأعصاب يصيب نخاعك الفضائي، وتلطيشات إخبارية، بين منبر ومنبر، فلِكُلّ صواريخه الإعلامية، ومنشوارته التلفزيونية، ولكن المشهد الوحيد الذي يثير اشمئزازك ليس مشهد الدم، بل الاستديوهات المغمورة بباقات الورود الملونة والمختلفة، استديوهات باذخة أكثر مما تحتمله صحراء الربع الخالي، ومشاهد مزيفة، ومبالغة أكثر مما يستوعب مسرح المذبحة، فمن أين لكم كل هذا الصبر على التشويه؟
كَمٌّ هائل من الزهور في برامجنا يشوه المشهد أكثر مما ينمقه، لأنك تراهم يزينون الجريمة ويجملون المجرم، بأكثر مما تستحقه الجثث، عبء مهول من الابتهاج الإعلامي بالعيد، لا يليق أبدا بأحزان الموتى ودموع الثكالى، في وطن عربي مكلوم بفحولته، ومغموم بأفراحه، ولهذا تحديدا ستكره الزهور، التي تشبع غريزة النفاق لدى هؤلاء، بأكثر مما تخدش المصداقية، فمن يوقف هذا المنظر الشرير، والعرض الغادر!

أحضان للبيع وملح للحبايب

الملح ليس للمدن فقط، بل للممالك الإعلامية، بما أنني الإبنة الثالثة للملك «لير»، فهل لك أن تدلني على من لم يزل يرش على الموت سكرا أيها المشاهد؟
المفاجأة الأقسى في هذا الملكوت الفضائي الفالت من زمام الدهشة، هي عقيدة الصدمة، فلم يزل الإعلام العربي مُصِرّاً على أن المشاهد مريض يجب تبييض صفحته الدماغية بالصعقات الكهربائية من حين إلى آخر، ولذلك تجد قنوات فضائية فاعلة في مسألة تفعيل القومية بالعجمية، والناصرية بالسيسية، والبدوية بالكاوبووية، والخليجية بالناتوية، والشرق أوسطية بالصهيونية، والمملكة الهاشمية بامبراطورية التبغ أو ضفة الخيام البديلة، وشمال إفريقيا بقوارب الموت وفتنة الميتافيزيقيا، واليمن السعيد بساحل تهامة الشهيد، فهل أكتفي أم أزيدْ!!
كم أصبح الفضاء رخيصا بِلا ثَمَنٍ، رغم غلاء المَشاهد، وأصبحت الحروب المشوهة أشد إيلاما من الحروب المنظمة، والبرامج الأنيقة أحقر بكثير من النيران الصديقة، والأحضان الممنوعة أشرف بكثير من الحروب الدلوعة، وسكر العقارب أصدق من ملح الحبايب، فلماذا تحزن يا ابن جُحا؟!

فولة فضائية ونصفها السياسي!

ترى في الفضاء المصري سلة أو كيس فول، يضم وجوهًا إعلامية تعبر في حقيقتها عن نماذج سياسية تنتمي إليها أو إلى جينها السياسي، فلو أخذت عمرو أديب مثلا، لوجدت أن نصف فولته تكمل نصف الفولة السياسية للسادات، بكل تجاعيدها الأدائية، ومهاراتها الوترية بين أسلاك المايك والحبال الصوتية، حتى البحة التي يتشردق بها صاحبها، تغص بذات الأحابيل والأكاذيب والأحقاد، أما عكاشة، فحدث ولا حرج! لا يمكنك أن تتخيل زمنا إعلاميا أكثر انحطاطا في مصر من هذا الزمن، فحتى المباركية، كان انحطاطها صارما، وليس مائعا إلى هذا الحد، بل إنك ما كنت تتخيل أن ترى النموذج العكاشي ولو على سبيل الاستضافة الثانوية أو المجانية في البرامج الرئاسية مثل: «البيت بيتك» أو «ستون دقيقة»! عكاشة، نهفة هذا الزمن المصري العجيب، الذي وصل إلى الدرك الأسفل من الوعي الفضائي، هل يعبر عن إسفاف سياسي، أم إجحاف ذهني؟
صحيح أن من باعك بالفول بيعه بقشره، ولكن احذر من الوجوه الإعلامية البصاصة، لأنك لن تستطيع أن تدب في بؤبؤها رصاصة، ما دامت خلف جدار زجاجي عازل هو: الشاشة، لأن الفايكنغ الصعيدي عكاشة، يرقص حواجبه ويزغلل عينيه وينتف شفايفه، وهو يتلو عليك بيانات الاتحادية كمن يعاكس «مُزة» وراء الكاميرا!

فمن هي فولة عكاشة السياسية يا ترى؟

بين البلح والفول، تتكاثر هذه الأصناف الإعلامية، ليتحول المشهد إلى سوق خضار، والشاشة إلى بيت من زجاج، واللي بيته الكاميرا، يغير هدومه في الكواليس، مش على عينك يا ريموت!
حسنا إذن، لم يتبق على عكاشة إلا المشي بشبشب جنكيز النهضة، أو ركوب عجلة الحجاج في الطريق إلى ثلاجة المنوفية، أو الدخول في مزاد فول، لبيع حاكم عربي مسطول في السوق السوداء، وقراءة الفاتحة ترحما على الغزاة في مدائن البسبوسة والمفتول… وعمار يا أمة المفعول والمسؤول… وإديلو!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

المصدر : القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق