فلسطين تراث وحضاره
مدينة صـــفد / إعداد:د.حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
( تأسست مدينة صفد على غرار كثير من مدن فلسطين الأخرى في العهود التاريخية المبكرة ، على يد الكنعانيين . أسمها القديم”صفت” أي العطاء او الوثاق)
مدينة فلسطينية عربية تبعد عن مدينة القدس 206 كم، وهي عاصمة الجليل الأعلى، وأهم موقع فيه، وهي تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 وحتى الآن.
الموقع الجغرافي:
احتل موقع صفد، مكانة هامة عبر العصور التاريخية، ولم يزل، وكان لقلعتها الحصينة شأن عظيم أثناء حروب الفرنجة، بسبب إشرافها على الجزء الشمالي من إقليم الجليل، وعلى الطريق بين دمشق وعكا، وقد حرصت الغزوات الحربية على احتلال صفد، تمهيداً للسيطرة على الجليل.
ولم يقل موقعها التجاري أهمية عن موقعها الاستراتيجي، فقد كانت صفد محطة من محطات البريد بين الشام ومصر في عهد المماليك. يأتيها البريد عن طريق غزة واللد وجنين وحطين، ومنها إلى دمشق عبر جسر بنات يعقوب على نهر الأردن. كما كان الحمام الزاجل يأتي إليها من مصر متبعاً الطريق نفسها. وكانت في العهدين الروماني والإسلامي محطة على طريق القوافل التجارية بين الشام ومصر.
تقوم صفد فوق رقعة جبلية يتراوح ارتفاعها بين 790 و 840 م فوق سطح البحر. وتحيط بها من الشمال الغربي منطقة جبل صفد التي يتراوح بين 600 و820م. كما يمتد في شمال المدينة وشمالها الشرقي جبل كنعان، الذي يزيد ارتفاعه على 950م. وإلى الجنوب الشرقي من صفد تمتد منطقة الظاهرية الفوقا الجبلية. التي تهطل بحافة شديدة الانحدار على وادي الأردن المتوسط، في حين تقف جبال زيود والجرمق شامخة غرب صفد. لتمثل قممها أعلى قمم الجبال في فلسطين 1.100 – 1.200 م.
أقيمت صفد على عدة تلال تفصل بينها أودية تتجه نحو الجنوب. والتلة الشمالية الغربية. التي تعد امتداداً جنوباً لسفح جبل كنعان، هي أقدم بقعة معمورة في صفد. ولا شك أن عامل الحماية هو الدافع الرئيس لنشأة صفد القديمة. وقد امتدت المدينة بعدئذ نحو الجنوب، فأحاطت بقلعتها التي بناها العرب. وقد شيد حول صفد سور حصين وخندق عريض لحمايتها من أخطار المعتدين. غير أن المدينة امتدت بعمرانها خارج السور نتيجة زيادة عدد سكانها وتوسعها، حتى إن المباني شغلت الأودية، مثلما شغلت التلال والمنحدرات.
يحيط بمدينة صفد من الشمال أحد روافد وادي الليمون الذي يرفد وادي عمود، الذي ينتهي في بحيرة طبرية، وتبدأ بعض الأودية الرافدة لوادي عمود. من الجبال الممتدة في الطرف الجنوبي لصفد. وقد حذرت هذه الأودية لنفسها خوانق في المرتفعات الجبلية التي تتألف في الأصل من الصخور الكلسية. وتتعرض منطقة صفد للهزات الأرضية والزلازل نتيجة عدم استقرار القشرة الأرضية ذات التكوينات الجيولوجية الحديثة، ووجود صدوع (انكسارات) معتمدة كان بعضها موضعاً لمسارات مجاري الأودية. ومن أشهر الزلازل التي تعرضت لها صفد زلزال سنة 1837، الذي راح ضحيته كثير من سكان المدينة.
المناخ :
ينتمي مناخ صفد إلى مناخ البحر المتوسط. ويؤثر عامل الارتفاع في مناخ المدينة، إذ انعكست الطبيعة الجبلية للمدينة على مناخها، فجعلت منه مناخاً لطيفاً في الصيف، بارداً في الشتاء. وبذلك تعد صفد من مصايف فلسطين الجميلة، حيث تكسو الغابات مساحات من جبالها. فتكسب المنطقة جمالاً يشبه جمال منطقة رام الله. ويتراوح متوسط درجة الحرارة في شهر آب ما بين نهاية دنيا تبلغ 18 وبين نهاية عظمى تبلغ 29، في حين يتراوح متوسط درجة الحرارة في شهر كانون الثاني ما بين نهاية دنيا تبلغ 4 وبين نهاية عظمى تبلغ 10.
وتهطل الأمطار بكميات كبيرة على مدينة صفد، فمتوسط كمية الأمطار السنوية نحو 728مم، وهي كمية كبيرة إذا قورنت بالكميات التي تتلقاها مدن فلسطين الأخرى. وتسقط الثلوج على صفد كل عام تقريباً. وهي كالأمطار، تساهم في تغذية خزانات المياه الجوفية بعد ذوبانها.
تتوافر المياه في منطقة صفد. وبخاصة مياه الينابيع التي تستخدم لأغراض الشرب والري. وتكثر الينابيع في المنخفضات وبطون الأودية وعلى طول أقدام الجبال والصدوع (الانكسارات). ومن العيون المشهورة، عين العافية وعين الحاصل وعين الزرقاء وعين الجن وعين التبنة. ويتأتي الماء إلى صفد من منبعين ينبثقان شرق صفد، ويسميان عين الرمانة وعين اللبوية. أما الآبار فيتراوح عددها بين 20 و30 بئراً، ويكلف حفرها كثيراً بسبب عمق خزانات مياهها الجوفية. وتعتمد الزراعة على مياه الأمطار الكافية لنمو جميع أنواع المحاصيل.
وتشتهر صفد بأشجار اللوز والزيتون والعنب والبساتين، وينابيعها الكثيرة حيث تعبر أراضي المدينة أربعة أنهار هي حصبايا وبانياس والدان والبريغث التي تنبع من جبل الشيخ وتصب في نهر الأردن.
تاريخ المدينة:
تأسست مدينة صفد. على غرار كثير من مدن فلسطين الأخرى في العهود التاريخية المبكرة، على يد الكنعانيين. اسمها القديم “صفت” أي العطاء أو الوثاق. وكانت عند تأسيسها قرية صغيرة ضئيلة الشأن، وظلت كذلك حقباً طويلة من الزمن. احتلها الرومان وكانت فيها قلعة حصينة في عهودهم. ولم يكن لها شأن عظيم في صدر الإسلام، ولم يرد لها ذكر في الفتوحات العربية الأولى، ويعود أقدم ذكر لها إلى القرن العاشر الميلادي.
اشتملت المدينة على أحياء متعددة، ثلاثة منها ممتدة على سفح جبل كنعان. ومن أحيائها الاكراد والديانة والجورة والقلعة والبرج والصواوين وجامع الأحمر والوطاة والسوق. وأحسن الأحياء عمراناً حي القلعة الذي اشتمل على نحو 100 منزل حديث. وباستثناء ما يقرب من 400 بيت آجرية السقوف، حديثة الطراز، فإن بقية بيوت صفد مبنية على الطراز القديم بالحجارة البيضاء، ومتلاصقة بعضها ببعض. وتتألف أكثر بيوت صفد من طابق واحد. وقد اكسبت الأبنية الجديدة مدينة صفد جمالاً عمرانياً ملحوظاً.
يشتمل وسط مدينة صفد على الأسواق التي ضمت 80 محلاً تجارياً. وفيه الجوامع، وأهمها جامع اليونسي والجامع الأحمر وجامع السويقة وجامع الجوقنداري وجامع سيدنا يعقوب وجامع خفاجة الجوامع والمساجد. كذلك توجد في وسط المدينة دار الحكومة والمشفى وبعض المكاتب الحكومية. ويتخذ مخطط صفد شكلاً دائرياً، أو شبه دائري. بمعنى أن الشوارع تحيط بقلب المدينة في أشكال دائرية، فيمثل وسط المدينة البؤرة التي تصب عليها شوارع المدينة من الأطراف. ولا شك في أن الطبيعة الجبلية لأرض صفد فرضت على المخطط مثل هذا الشكل الدائري الشعاعي.
السكان والمساحة:
احتفظت صفد في عهد الانتداب البريطاني بشكلها العام. رغم تطور نموها السكاني والعمراني. ففي عام 1922 بلغ عدد سكان المدينة 8.761 نسمة. وهو أقل ما كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها. ويعزى هبوط عدد السكان إلى الظروف السيئة التي مرت بها المدينة خلال الحرب، إذ تعرض كثير من سكانها للأمراض والمجاعات. وهاجر بعضهم منها إلى الخارج ابتغاء الرزق الواسع. وبعد أن اسقر الوضع قليلاً في المدينة أخد حجمها يتزايد تدرجاً، فارتفع عدد سكانها في عام 1931 إلى 9.441 نسمة، كانوا يقيمون في 2.126 بيتاً. وفي عام 1945 وصل عدد السكان إلى11.930 نسمة، وقدر عددهم في أواخر الانتداب بنحو 13.386 نسمة.
تركز السكان العرب في الجزئين الشرقي والجنوبي من المدينة، وتركز اليهود في الجزء الغربي منها. وقد جاهد العرب لتحرير مدينتهم من المستوطنين الصهيونين طوال فترة الانتداب، ووصل جهادهم إلى ذروته في حرب 1948. لكن الصهيونيين تمكنوا من السيطرة على الموقف، واحتلال صفد بتاريخ 12/5/1948 . ونتج عن الحرب ترحيل معظم السكان العرب من صفد، فانخفض عدد سكانها إلى 2.317 نسمة في أواخر عام 1948. ويبلغ عدد سكان صفد اليوم حوالي 30 الف نسمة معظمهم من اليهود.
توسع امتداد صفد العمراني، إذ بلغت مساحتها عام 1945 نحو 1.429 دونماً وتصلح الأراضي الجبلية المحيطة بصفد لزراعة القطاني والعنب والزيتون والتبغ. كما تحيط بالمدينة بساتين الأشجار المثمرة كالعنب والزيتون على منحدرات الجبال. أما الحبوب والخضر وبعض أنواع الفواكه فإنها تنتشر في المنخفضات وبطون الأودية. وتجود زراعة الليمون الحلو في وادي الليمون الواقع في المنحدرات الغربية للمدينة، ويعرف أيضاً بوادي الطواحين.
ويمتد في الجنوب الشرقي من صفد وادي الحمراء الذي يمتلىء بالبساتين، ويزود المدينة بنصف حاجاتها من الفواكه والخضر. ولا سيما التوت والخوح والرمان والبندورة. وكانت صفد تستمد بقية المنتجات الزراعية التي تحتاج إليها من القرى العربية المجاورة لها. وأهم المحصولات الزراعية التي ينتجها قضاء صفد الزيتون والعنب والتين والبطيخ والمشمش والبرقوق والخوخ والكشمري والبرتقال والقمح والشعير والذرة وأنواع الخضر المختلفة.
اما من الناحية التجارية كانت صفد محطة لمرور القوافل التجارية في القديم، وهي مركز تسويقي لمنتجات إقليمها الزراعية والحيوانية، ومركز تجاري يجد فيه القرويون ما يطلبون من المواد التموينية والأقمشة والملبوسات والأدوات الكهربائية والمنزلية … إلخ. وكانت أسواق صفد تغص بالمنتجات الزراعية والحيوانية والغابية. كالبندورة والعنب والتين والليمون والقمح وأنواع البقول المختلفة، ومنتجات الألبان والفحم والحطب وغيرها. وبالإضافة إلى هذه الأسواق كانت تقام سوق رئيسة كل يوم جمعة. يؤمها عدد كثير من سكان الإقليم لتبادل المنتجات المختلفة.
ومما شجع الحركة التجارية في صفد كونها مركزاً سياحياً ومصيفاً مشهوراً من مصايف فلسطين، فهي تشبه بالمقومات السياحية، كالمناظر الطبيعية الجميلة كالأشجار الباسقة وعيون الماء. والأماكن الأثرية والتاريخية. لذا تكثر فيها الفنادق والمحلات التجارية التي تروج الحركة التجارية. وتنشط وسائل المواصلات المختلفة. حيث كان معظم السكان العرب في صفد يشتغلون بالتجارة ويحترفون البيع. قبل احتلال (إسرائيل) للمدينة عام 1948.
اما الوظيفة الصناعية فقد عرفت صفد بعض الصناعات منذ القديم، إذ نشأت فيها صناعة اللباد معتمدة على الأصواف التي توفرها أغنام المنطقة، وخلال القرن التاسع عشر، كانت الصباغة بالنيلة ونسج الأقمشة القطنية، مهن الأهالي الرئيسة في صفد. وفي عهد الانتداب البريطاني أضيفت إلى الصناعات السابقة صناعات جديدة كالصناعات الغذائية والخشبية والجلدية وصناعة الخضر والكراسي من نباتات سهل الحولة المائية، وغيرها من الصناعات الخفيفة التقليدية.
التعليم:
تـأسست المدرسة الرشدية في صفد عام 1880م. وضمت في أواخر القرن التاسع عشر 30 تلميذاً. وكان للإنكليز مدرسة إعدادية ضمت في الوقت نفسه 50 تلميذا. وفي الحرب العالمية الأولى بلغ عدد المدارس في مركز القضاء وفي جميع ملحقاته عشر مدارس رسمية و26 مدرسة غير رسمية، منها في صفد ثلاث مدارس للذكور ومدرسة واحدة للإناث. وضمت هذه المدارس 280 تلميذاً و150 تلميذة.
أثر تقدم التعليم في ارتفاع المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لسكان صفد. وقد ساهم المتعلمون من أبناء المدينة مساهمة إيجابية في تربية أبناء المدن والقرى الفلسطينية الأخرى وتعليمهم. كما ساهموا في نشر الثقافة والوعي بين أبناء صفد، مما كان له أثر إيجابي في كفاحهم الاستعمارين البريطاني والصهيوني في فلسطين.
معالم المدينة:
توجد الكثير من المعالم التي تظهر الهوية العربية والإسلامية لهذه المدينة مثل الجوامع والزوايا ومنها :
* الجوامع
• جامع الظاهر بيبرس أو الجامع الأحمر
• جامع الجوكنداري
• الجامع اليوسفي الكبير أو جامع السوق، اتخذه اليهود معرضا للصور.
• الصواوين وهدمه اليهود وبقيت مئذنته جامع يعقوب، جعله اليهود مخزنا للأخشاب.
* الزوايا
• زاويةالاسدي “زاوية الصدر الاسدية ب حارة الاسدي
• زاوية الشيخ العثماني
• زاوية حسام الدين بن عبد الله الصفدي
• زاوية الشيخ شمس الدين