مقالات
الوهابية بين الغلاة فيها والغلاة عنها بقلم: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
الوهابية: مصطلح أطلق على حركة إسلامية سياسية، قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية، وقد كانت بدايتهما في الدرعية إذ أعلن محمد بن عبد الوهاب ” الجهاد”، فشن سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها بالغزوات)، صادروا فيها أموال خصومهم من المسلمين بشبه الجزيرة (وكانوا يسمونها بالغنائم)، وخسر العديد من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الحروب، واعتبرتهم مصادر عديدة أنهم بذلك خرجوا على الخلافة الإسلامية التي كانت تحت حكم العثمانيين. بينما اعتبرها الوهابية إقامةً لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيرًا لأمة الإسلام من الشرك، الأمر الذي جعل العديد من العلماء السنة يرى في اتهام محمد عبد الوهاب ومريديه للآخرين بالشرك مواصلةً لطريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتاب والسنة التي نزلت في حق الكفار والمشركين وتطبيقها على المسلمين، بينما يرى الوهابية أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار، ونتج عن هذه الحروب قيام الدولة السعودية الأولى، فاستطاعت أن تصل إلى دمشق شمالاً وعمان جنوباً.
جاءت الدعوة الوهابية بالمنهج السلفي بهدف ما تعتبره تنقية لعقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل التوسل، والتبرك بالقبور وبالأولياء، والبدع بكافة أشكالها. ويصفها أتباعها بأنها دعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والرجوع إلى الإسلام الصافي وهو طريقة السلف الصالح في اتباع القرآن والسنة، أي عمليا عدم الاعتماد الكلي على المذاهب الفقهية السنية الأربعة والاعتماد المباشر على النص من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح وإجماع العلماء مدللين على ذلك بأقوال للأئمة الأربعة.
الأفكار الرئيسية التي بنيت عليها الدعوة:
1. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2. إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص بمحاربة التوسل والتبرك بالرسل والانبياء وبالأولياء والصالحين أحياء وأموات.
3. إنكار ومطالبة الحكام بهدم الأضرحة والقباب التي على قبور الأولياء ومساواته بالأرض وعدم تمييزه عن أي قبر آخر.
4. إنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد والموالد وهذا ماجعلهم يدخلون في مصادمات مباشره مع الصوفيين.
5. إثبات أسماء الله الحسنى و صفاته العلى من غير تأويل ولا تحريف و لا تشبيه ولا تكيف ولا تمثيل من المسائل الرئيسيه في عقيدتهم.
نقد الوهابية
أخذ الكثير من الفقهاء المسلمين من أهل المذاهب السنية الأخرى وبخاصة الشافعية والحنفية على الحركة الوهابية تأثرها بحوزة مدينة قُم الصفوية، وتنصيبها إماما للمسلمين من وجهة نظرها وهو(محمد بن سعود) مع انتفاء شروط الإمامة عنه، وكذلك ربطها مصداقية الولاء للدعوة بالمظهر المتزمت وتأييد الإمام وتكفير الآخرين مع الانحياز الكامل لذوي الأصول القبلية من حضر نجد ضد الحجاز حتى الآن.
وبسبب إنتشار الصوفية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة رغم محاولات الأمن السعودي وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفاشلة ضدهم لكنهم ذوي قبائل ضخمة، وكذلك منهجها التكفيري المتطرف ضد غير المؤيدين لها، وخاصة الذين ناصبتهم العداء وهم باختصار الدولة العثمانية والتي مثلت العالم الإسلامي لخمسة قرون، والصوفية ومن يقرون بشرعيتها لاسيما شيوخ القبائل والحكام العرفيين بحسب أنظمة الحكم العرفي التي كانت سائدة ومن أبرزهم الإشراف في الحجاز وآل بقار في جبال شمر وآل عريعر في الحساء وترى بأنهم طواغيت، وأن كفرهم أشد من كفار قريش واستباحت كل حرماتهم مع لجوئها للعنف بصورة مفرطة، وإستحلالها لدماء مخالفيها، إلى درجة شق بطون الحوامل، كما حدث في جبال شمر والطائف والمدينة المنورة وكربلاء والقطيف وغيرها من المدن التي وقعت في أيديهم إبان عنفوانهم في الدولة السعودية الأولى.
ولاحقا بعد تأسيس حركة إخوان من طاع الله مثل مذبحة الشعيبة و مذبحة الجليدة و لينة و بيشة، وقد أدى ذلك إلى هجرة ضخمة من نجد وشمال وشرق وغرب شبه الجزيرة العربية وذلك إلى العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا، حيث هاجر القسم الأكبر من قبائل شمر وعنزة و بني خالد و بني عطية والحويطات وزعب والضفير وغيرهم.