من محاضرة للكاتب والباحث الفلسطيني غازي الصوراني حول الثقافة ودور المثقف (منتدى الفكر الديمقراطي – غزة – 31/8/2008)
عمقت ثورة الاتصال والمعلومات الهوة بين الدول وداخل البلد الواحد”. ما يستدعي من المثقف في فلسطين وبلدان الوطن العربي، التأمل والتفكير ومتابعة المستجدات النوعية التي ستدفع إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة، صاعداً بلا حدود أو ضوابط، بعد أن أصبحت صناعة الثقافة والمعلومات من أهم صناعات هذا العصر بلا منازع، وهي صناعة معلوماتية وثقافية أو معرفية مرتبطة إلى حد كبير بالحضارة الرأسمالية التي تهيمن عبر لغتها الإنجليزية على 855% من وثائق الانترنت والمكالمات الهاتفية، وعلى أكثر من هذه النسبة على مراكز البحث والاختراع العلمي في العالم كله، بحيث لم تعد الفجوة بين البلدان المتقدمة وبلدان العالمين الثالث والرابع (الذي تندرج فيه بلداننا العربية)، مجرد “فجوة موارد” بل أصبحت كما يقول د.محمود عبد الفضيل “فجوة معرفية” بدرجة أساسية نتيجة الثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال في العقود الثلاثة الأخيرة حيث تطورت ثورة تكنولوجيا الاتصال، في البلدان الصناعية المتقدمة، وفي هذا الجانب -كما يضيف د. عبد الفضيل- فإن هذه البلدان شهدت ثلاثة موجات تكنولوجية، أدت إلى تغير جذري في تقنيات الإنتاج، وقواه، وعلاقاته على الصعيد العالمي، تتمثل تلك الموجات الثلاثة بما يلي:
1) اختراع آلة البخار.
2) استخدام الكهرباء في تشغيل معدات الإنتاج.
3) تطوير تكنولوجيا الالكترونيات الدقيقة.
ويعتبر د. عبد الفضيل الثورة التكنولوجية الثالثة “ثورة الالكترونيات” هي الأساس المادي لتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وما رافقها من تحولات أنماط الإنتاج وأشكال التبادل، وأنماط الاستهلاك، ففي ظل “ثورة المعلومات” لعبت “رقائق الالكترونيات” الدور المركزي الذي كان يلعبه الفحم عند بدء الثورة الصناعية، ثم جاءت “التكنولوجيا الرقمية” (Digital Technology)، لتشكل أساس البث الإلكتروني الحديث، ولتصبح هي التكنولوجيا الطاغية مع قدوم القرن الواحد والعشرين، مما جعل البعض يلقب عصرنا الراهن بأنه “العصر الرقمي”، وفي ضوء هذه التطورات، نشأ الفضاء المعلوماتي الجديد (cyberspace)، وهو فضاء حقيقي -كما يضيف د. عبد الفضيل- وليس تخيلياً، وله لغة محددة وبروتوكولات خاصة بالمتعاملين في إطاره، الذي لا يحده واقع جغرافي محدد، ويطرح بدوره تحديات جديدة، وتحولات مهمة في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي تحولات أدت إلى مزيد من الفجوات و”التوزيع غير المتكافئ” لعناصر القوة الاقتصادية والتكنولوجية المتقدمة بين العالم الأول من جهة والعالمين الثالث والرابع من جهة ثانية.