مقالات
ترامب تحديات على الصعيد الامريكي والدولي / خيري حمدان
بعد حملة انتخابية مثيرة ومشحونة بالعواطف فاضت وعودًا معظمها غير قابل للتحقيق، انتخبت أميركا دونالد ترامب رئيسها الجمهوري الخامس والأربعين. الرجل الذي فاجأ الجميع واعتبر من قبل نحو 61% من الشعب الأميركي غير مناسب لهذا المنصب. هكذا تمكّن الجمهوريون من تولّي مقاليد الحكم والسلطة في البيت الأبيض وفي غرفتي الكونغرس الأمريكي.
وعود شعبوية
انتشر الخطاب الشعبويّ على مستوى واسع كبير ليس فقط في أوروبا بل وفي أميركا أيضًا. لكن الأخيرة باعتبارها قوّة عظمى ستصبح دون شكّ محطّ الأنظار نتيجة للقلق الذي تركه انتخاب ترامب لهذا المنصب ذي الأهمية العالمية. الرئيس المقبل وعد بتغيير الأمر الواقع في واشنطن بصورة جذرية وتعديل مسار السياسة الأميركية تجاه اللاجئين والتجارة الحرّة والاتفاقيات الدولية والأمن وغيرها من القضايا ذات البعد الاستراتيجي.
الدستور الأميركي كما هو معروف يحتاج لموافقة الكونغرس لتنفيذ المشاريع الواعدة التي طرحها ترامب، كما يتوقّع تناغمًا ما بين الرئيس الجديد والغالبية الجمهورية في الكونغرس لكن ليس من المعروف مدى وطول هذه الفترة، وإذا ما كان بإمكان ترامب والقادة الجمهوريين تجاوز خلافاتهم الإديولوجية. رغم أنّ ترامب لم يتمكن من تشكيل الإطار العام لرؤيته الخاصّة كنظام سياسي واقتصادي متكامل وتوضيح ماهية الخطوات التي سيقدم على اتخاذها، لكن على الأرجح ستشهد سياسته تغيّرات جذرية، ستشمل مشروع الإصلاح الصحّي للرئيس أوباما والصفقة النووية مع إيران التي لا تروق له، ومن المتوقع أن يقدّم الصفقة للكونغرس لإعادة النظر في تفاصيلها وإجراء تعديلات عليها، وكذا تغييرات أخرى متوقعة في مجال السياسة الخارجية لواشنطن.
في مجال التجارة الدولية أعرب ترامب عن وجهات نظر متباينة بشأن اتفاقة الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية عبر الأطلسي- TPP، مع 12 دولة داعيًا للقيام بعملية ترميم جذرية أو الرفض الكامل لمعاهدة NAFTA اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والتبادل التجاري الحرّ مع كندا والمكسيك المبرمة عام 1994. تمكّنت الدول المعنية من التوصّل إلى اتفاقية شاملة بتاريخ 5 أكتوبر 2015، لكنها لم تدخل حيّز التنفيذ بعد ويمكن للرئيس ترامب تأجيل ذلك قدر ما يشار حتّى بعد مصادقة الكونغرس عليها. الأمر ينطبق كذلك على الجزء الأوروبي من هذه الاتفاقية، لكن الأوروبيين على أيّة حال غير راغبين بها وهناك معارضة شعبية كبيرة تجاه معاهدة التعاون التجاري، لوجود تخوّفات من رؤوس الأموال العملاقة الأميركية والكندية القادرة على ابتلاع الأسواق الأوروبية، عدا عن الرفض الأوروبي للمواد الغذائية الأميركية المحسّنة جينيًا. قد ينجح الرئيس الحالي أوباما من تحقيق الجزء المتعلق بالشراكة الأوروبية قبل مغادرته البيت الأبيض، لكن وعلى الأرجح سرعان ما سيخيّب ترامب آماله.
على صعيد الموازنة السنوية وقيمة الضرائب، تبدو وعود ترامب صعبة التنفيذ، وحال إصراره على خفض قيمة الضرائب الحالية البالغة 35% لتصبح 15% والشروع برفع موازنة وزارة الدفاع وتحسين البنى التحتية، وخفض موازنة قطاع الصحة وصندوق التقاعد في الوقت نفسه، فإنّ هذه العوامل مجتمعة تهدّد برفع الديون الوطنية وإرهاق ميزان الصرف للموازنة الأميركية والتسبّب بعجز مالي. لكن الخطاب الشعبوي البسيط الذي اعتمده ترامب أثمر عن فوزه، ومن المتوقّع أن يبدأ بالتراجع تدريجيًا عن مواقفه ووعوده كما جرت العادة لدى القادة السياسيين إثر تحقيق انتصاراتهم في الانتخابات. كما وعد ترامب بإجراء عملية ترميم شاملة للمشروع المالي الإصلاحي المعروف باسم Dodd-Frank Act الذي اعتمد عام 2010 لمواجهة الأزمة المالية التي شهدتها البلاد آنذاك، في محاولة لتحكم ترامب بقطاع الأسواق المالية، دون تقديم أيّة تفاصيل بهذا الشأن. أمّا بشأن إصلاح مشروع الصحّة فقد تراجع ترامب عن وعوده ووافق على اعتماد الجزء الأكبر من برنامج الرئيس أوباما.
مخاطر في المنظور البعيد
المخاطر الجادّة المترتبة على وعود ترامب قد تتوضّح معالمها على المدى البعيد، وستنتظر الشركات العملاقة معرفة حقيقة نوايا ترامب، وما إذا كان مصرًا على تنفيذ تهديداته باعتماد العراقيل والحواجز على الصعيد التجاري، مثالا: رفع قيمة الجمارك للسلع القادمة من الصين حتى 45% وللسلع المكسيكية حتى 35%. شركات أميركية مثل فورد ويونايتد تكنولوجيس وغيرها تعرّضت بدورها لهجمات ونقد لاذع من قبل ترامب لنقل إنتاجها خارج البلاد لدول تمتلك يد عاملة رخيصة، وقد يتقدم الرئيس بمقترحات أخرى مؤلمة للحدّ من هذه الممارسات إذا أصرّ على الوفاء بوعوده الانتخابية.
عدا عن ذلك، هدّد ترامب برفع حواجز مع العالم الخارجي وجدار عازل مع المكسيك لفرض رقابة صارمة على حركة اللاجئين، محاولا تقديم نفسه كمدافع عن قطاع العمل الأميركي. بهذا سيتمكن حسب نظريته ورؤيته الاقتصادية طرح 25 مليون فرصة عمل وفقًا لدراسة نشرت في الفايننشال تايمز. قد تروق هذه الأفكار للبنوك الكبرى خاصّة إذا تزامن ذلك مع إلغاء قانون Dodd-Frank الصادر عام 2010 والذي أدّى لرقابة صارمة لأداء البنوك الأميركية. لكنّ ترامب ذات الوقت يطالب بتجديد العمل ببعض القوانين التي ستؤدّي إلى منع البنوك من القيام بنشاطات متعلقة بقطاع التأمين بانواعه المختلفة والاكتفاء بالنشاط الاستثماري والتسليف. التضارب والتباين في توجّهات ترامب على الصعيد المالي والاقتصادي يبشّر بحالة من عدم الاستقرار في أمريكا.
هناك تضارب وتباين كبير على كافّة المستويات المطروحة، ولا يمكن الاستهانة بالتبعات المتربة على التغييرات الجذرية التي يرغب ترامب بالقيام بها على الصعيد الوطني والدولي باعتبار أميركا دولة عظمى. التسهيلات الضريبية قد تساعد الشركات الأميركية على تحقيق النمو الاقتصادي، لكن السياسة التجارية وطرد اللاجئين الذين يمثّلون عمليًا اليد العاملة الرخيصة في قطاع الصناعة والخدمات في الأسواق المحلية سيؤثّر سلبيًا على بيئة العمل والتبادل التجاري الداخلي، أخذًا بالاعتبار كذلك اليد العاملة القادمة من أوروبا الشرقية، التي تقوم بأعمال ومهام لا يرضى بها المواطن الأميركي التقليدي.
قطاع الطاقة هو المستفيد الأكبر من تولي ترامب لمقاليد السلطة لدعمه القيام بعمليات تنقيب واسعة عن النفط في الأماكن المحمية والمحظورة بما في ذلك الأراضي الفدرالية والمياه، الأمر الذي يتناقض جملة وتفصيلا مع الجهود التي بذلها في هذا المجال الرئيس الحالي باراك أوباما.
السياسة الخارجية
أعرب غالبية شركاء وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية عن قلقهم بشأن مستقبل العلاقات والتعاون مع إدارة ترامب بعد فوزه بانتخابات الرئاسة. ترامب يعرف جيّدًا الهدف الذي يسعى لتحقيقه كرجل أعمال، وألمح لإمكانية عدم الوفاء ببعض الالتزامات لحلف الناتو إلا إذا وافقت الدول الأعضاء على رفع نصيبها من التمويل، لكن يصعب على أوروبا مجاراة أميركا في مجال التسليح ورفع موازنات وزارات الدفاع على حساب القطاعات الحيوية الأخرى. في سياق مرتبط، تطالب المفوضية الأوروبية بتأسيس جيش أوروبي موحّد بمعزل عن قوات الناتو، أخذًا بالاعتبار التناغم الواضح ما بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكنّ الوقت ما يزال مبكّرًا لمعرفة حقيقة توجّهات الرئيس ترامب على الصعيد الأوروبي، وإمكانيات الدفاع عن حلفائه الأوروبيين المتاخمين لقوّة عالمية كروسيا.
جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية صرّح بأنّ انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية يحمل الكثير من المخاطر بشأن العلاقات المشتركة ما بين المنظومة الأوروبية وأميركا حسب رويترز. ولا توجد لدى القارة القديمة فكرة واضحة بشأن نوايا ترامب المستقبلية. ويرى يونكر كذلك بأنّ الرئيس الجديد يحمل في خطابه ووعوده الانتخابية مخاطر على صعيد المركّب والأسس الرئيسية في العلاقات الدولية المشتركة، وحذّر كذلك من الخطاب السياسي لترامب بشأن السياسة الأمنية، أضاف بأنّ هناك ضرورة لشرح وتعليم ترامب ماهية أوروبا وكيفية عمل المنظومة الأوروبية. وختم حديثه قائلا بأنّه وعلى الأرجح سيحتاج ترامب لسنتين على الأقل للتجوّل حول العالم الذي يجهله للتعرّف عليه جيّدًا.
الهجرة والحدّ من تدفق اللاجئين
لا يخفي ترامب رفضه القاطع لاستقبال اللاجئين من سوريا ويقترح تأسيس “مناطق آمنة” في سوريا تموّلها دول الخليج. أوباما بدوره يرى بأنّ هكذا خطّة تحتاج لمقدّرات عسكرية كبيرة والتزام أميركي لا تقوى عليه الإدارة الأميركية ويبدو غير تقليدي ومرفوض على المستوى الشعبي الأميركي بعد التجربة القاسية التي مرّت بها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق. لكن الاجراءات التي قد يتخّذها ترامب ستترك أثرها على اللاجئين القادمين من دول اميركا اللاتينية، وقد وعد الرئيس الجديد رفع جدار عازل على الحدود المشتركة مع المكسيك، وإبعاد قرابة 11 مليون لاجئ عن البلاد، يقيمون في أميركا بطريقة غير قانونية، ومنع قبول المزيد من الأجانب الراغبين بعبور الحدود الأميركية، خاصّة من المسلمين لكنّه تراجع عن هذا الخطاب تحديدًا في مرحلة لاحقة. على أيّة حال، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ ترامب قد أبدى مرونة في مواقفه السياسية، ولا يمكنه طوال الوقت المضيّ ضدّ رغبات الشعب وقطاع العمل والتوجّهات الدولية. صحيح بأنّه قد فعل ذلك لبعض الوقت كي يحقّق النجاح المطلوب، لكنّه سرعان ما سيبدأ بصعود سلّم التنازلات، لأنّ اتّخاذ إجراء غير مدروس ومتسرّع سيؤدّي إلى ردود فعل عاجلة من قبل الأسواق. وعليه هو ومستشاريه إعادة النظر في الأولويات المطروحة.
أوباما المبعوث الدبلوماسي لترامب لدى الحلفاء
من المتوقع أن يحاول أوباما في جولته الأخيرة إلى اليونان وألمانيا تهدئة القادة الأوروبيين خلال زيارته الرسمية في النصف الثاني من شهر نوفمبر 2016، والتأكيد على أنّ خلفه سيحافظ على الالتزامات الأميركية تجاه الناتو، وأفاد أوباما بأنّ ترامب قد أعلن خلال اللقاء الذي جمعهما بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، عن رغبته بالمحافظة على الالتزامات الأميركية تجاه الحلفاء الاستراتيجيين. وحسب أوباما لا توجد مخاوف من التخلّي عن نهج التتابع في الإطار العام للسياسة الأميركية تجاه الحلفاء في الناتو وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.
ربّما يتوجّب على ترامب توخّي الحذر في علاقاته مع الناتو والاتحاد الأوروبي، أخذًا بالاعتبار النجاحات التي حقّقها بوتين في بعض الدول الأوروبية، حيث يعتبر نجاح الرئيس الجديد في كلّ من بلغاريا وملدوفيا المدعومين من أحزاب يسارية موالية للكرملين، خرقًا للتوجّهات الجيوسياسية في القارة الأوروبية وبخاصّة – البلقان. تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس البلغاري الجديد الجنرال رومن رادف قد صرّح في المؤتمر الصحفي المنعقد بعد إعلان فوزه بضرورة الأخذ بالاعتبار الأمر الواقع، وأنّ العلم الروسي يرفرف فوق شبه جزيرة القرم، ما يتناقض مع موقف الحكومة البلغارية والمواقف الأوروبية وقرار محكمة الجنائيات الدولية.
كما التقى أوباما في برلين مع حليفته المستشارة أنجيلا ميركل، وتناول الحديث شأن استمرار فرض العقوبات الاقتصادية ضدّ روسيا واتخاذ المزيد من الاجراءات لوقف القصف الجوي فوق المدن السورية. والتقى أوباما بعض القادة الحلفاء لكلّ من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا في العاصمة الألمانية برلين، للتأكيد على المواقف الأميركية الثابتة تجاه الحلفاء الاستراتيجيين، رغم تصريحات ترامب التي تشير لتوجّهاته الجادّة بتقريب وجهات النظر مع روسيا. من المتوقع كذلك استغلال روسيا والنظام السوري للفترة الانتقالية بين ولايتي الرئيسين الأميركيين لإطلاق حملات عسكرية جديدة في سوريا وأوكرانيا. أوباما سيغادر بعد ذلك إلى بيرو للمشاركة للمرّة الأخيرة في مؤتمر القمّة للتعاون الاقتصادي الأطلسي – الأسيوي.
المصدر : وكالات