مقالات

* عنوان المقالة: “ماء زمزم وركض هاجر: يقين امرأة فجر أمة” (11)

* يقين أنثى مؤمنة! * رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية - * السلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة. عنوان السلسلة: "أنوار اليقين: بين رحلة التوحيد والإيمان، في زمن التحديات"

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* هاجر.. اليقين في وسط التحديات
في وسط صحراء جرداء… وفي وادٍ غير ذِي زرع… كان اليقين أبصر في تلك القفرِ من أبصار الناس، كان اليقين في صدرِ امرأةٍ وحيدةٍ تركت دارها بأمر الله ﴿رَبَّنَا إِنِي أَسكَنتُ مِن ذُرِيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ (إبراهيم: 37)، واتجهت نحو قدرٍ غامضٍ لم تكن تعلم مدى تأثيره على الأجيال التي ستتلو، تلك المرأة هي (هاجر) -عليها السلام- بطلة اليقين في وسط التحديات التي كان لها الفضل في نشأة أمة كاملة: أمة التوحيد.
* اليقين في رحمة الله وعطائه
ينبع اليقين في النفس الإنسانية عند الخلوِّ الكامل من الأسباب المادية والاعتماد التام على الله ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لهُ مَخرَجًا﴾ (الطلاق: 2-3)، هاجر لم تكن تتكئ على جيشٍ ولا على عتادٍ ولا على جاهٍ في قومِها، بل كان يقينها أبعد نظراً: كان يقينًا في رحمة الله وعطائه. كان يقينًا في أنَّ الله لا يضيع أبداً أهله ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (النحل: 128).
* السعي مع اليقين: تطبيق على الواقع
في تلك اللحظات القاسية التي كان رضيعها يتلوّى من العطش في حرارة المكان الخانق، لم تستسلم هاجر للعجز ولا للتسليم الكامل، بل انطلقت تسعى… تسعى جيئة وذهابًا… تتنقل بين الصفا والمروة… تبحث في الأفق الخاوي عما يروي ظمأ صغيرِها… في هذا السعي كان اليقين يتفجر في عروق الأمل في رحمة الله، كان اليقين يقود خطوتها ويمنحها القوة على مواصلة التضرع والرجاء.
هكذا علينا أن نؤمن أن اليقين يتطلب عملاً بالإضافة للتوكل على الله ﴿فَاسعَوا﴾ (الجمعة: 9) ويؤتِي الله الفرج في التوقيت الصحيح.
* ماء زمزم… بداية التكوين والنماء
ثم كان الفرج… كان ماء زمزم يتفجر بسبب حسن ظن هاجر بالله… كان هذا الماء بداية التكوين والنماء… كان محضناً للتكاثر والنسل… كان قاعدة انبعاث أمة التوحيد التي كان النبي في مقدمتها.
قال النبيﷺ : «ماء زمزم لما شرب له» (رواه ابن ماجه [3062]، وهو حسن).
* اليقين أبعد نظراً من التوقعات الإنسانية
هكذا كان يقين هاجر أبعد نظراً من التوقعات الإنسانية… وكان أكثر واقعية في تغيير محيط المكان والزمان.
فلو لم تكن هاجر، لم تكن تلك الأمة…
لو لم تكن هاجر، لم تكن مكة…
لو لم تكن هاجر، لم تكن الكعبة…
لو لم تكن هاجر، لم تكن التلبية في مواسم الحج: «لبيك اللهمَّ» تتردد في الأرجاء عبر الأزمان…
هكذا تنبع الأمم بسبب يقين امرأة في قدرة الله على الفرج والنصر والرحمة.
* اليقين في عصر التحديات
نحتاج اليقين في عصر التحديات أكثر من أي وقت مضى:
• اليقين في قدرة الله على تغيير الأحوال ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بقَوْمٍ﴾ (الرعد: 11).
• اليقين في الفرج والنصر عند الأزمات ﴿فإنَّ مَعَ الْعُسرِ يُسراً﴾ (الانشراح: 5-6).
• اليقين في حسن الخاتمة والنهاية ﴿وَالعاقِبَةُ للتقوى﴾ (الأعراف: 128).
ينبغِي أن ننهض بهذا اليقين في أبنائِنَا وفي أسرِنَا وفي شعوبِنَا لكي نصنع التغيير في عالمٍ تمزقه التحديات والظلم.
* اليقين في بناء الأجيال
لقد كان يقين هاجر بداية لبناء أمة قوية على التوحيد والحق والعدل. وهذه تجربة تنادي الأمهات والآباء أن يربوا أبنائهم على اليقين والثقة بالله، ويعلموهم أن الفرج والنصر أبداً آتٍ مهما طالت الأزمات، اليقين يقوِّي النفوس ويجعل التحديات فرصًا للتطور والنقاء.
* اليقين في العمل الجماعي
كم نحتاج اليوم إلى اليقين الجماعي في تغيير واقع أمتِنَا! اليقين في أنَّ الله يقف مع الحقَّ أبداً ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249)، ويؤيد العاملين على نشر العدل والرحمة. بهذا اليقين نستنهض الهمم ونزيل اليأس… فيؤسس اليقين لمستقبلٍ أكثر أمانًا، أكثر كرامة، أكثر عدلاً… ولكم مني التحية والسلام.

* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “النار التي أصبحت بردًا: التسليم المطلق في قلب البلاء”
* اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، والبصيرة في كل عمل، ووفّق أمتنا، وامنح شعبنا الأمن والسلام.

* مقالة رقم: (1990)
* 17. ذو الحجة. 1446 هـ
* ألجمعة . 13.06.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق