مقالات

إقرأ. تدبّر. إجتهد رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – * سلسلة خاصّة بالعشر الأواخر من رمضان وعنوانها: “

* ليلة القدر: سرّها العظيم وفضائلها كما وردت في القرآن والسنة (3)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد

الحمد لله الذي فضّل بعض الأزمنة على بعض، وجعل في أيامه ولياليه نفحات يتعرض لها العابدون، وكان من أعظمها ليلة القدر، ليلة الاصطفاء والتشريف، التي تفضل بها الله على الأمة الإسلامية، فجعلها خيرًا من ألف شهر، ليلة لا تماثلها ليلة، ولا تضاهيها عبادة، اختصها الله بإنزال القرآن، وجعلها موطنًا لتنزل الملائكة، وموعدًا للرحمة والمغفرة والعتق من النار، فقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 1-3)
* سرّ ليلة القدر وعظمتها
ليلة القدر تحمل سرًا عظيمًا، وهو كونها ليلة مفصلية في حياة العباد، إذ تكتب فيها المقادير وتتنزل فيها البركات، وتتجلى فيها الرحمة الإلهية، ومن أبرز أسرارها:
• نزول القرآن فيها: وهو الحدث الأعظم، فقد كان نزول الوحي بداية تحول الإنسانية من ظلمات الجهل إلى نور الهداية.
• تنزل الملائكة: وهو مظهر من مظاهر العناية الإلهية، إذ تملأ الملائكة الأرض، تنشر السلام، وتبارك الطائعين.
• مضاعفة الأجور: فكل عمل فيها يُضاعف، والقيام فيها يعدل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة.
• إخفاء موعدها: وذلك لحكمة عظيمة، ليبقى العباد في اجتهاد دائم في العشر الأواخر، ولكي لا يقتصروا على ليلة واحدة فقط.

* فضائل ليلة القدر كما وردت في القرآن والسنة
• خير من ألف شهر: أي أن ليلة واحدة تعادل عبادة أكثر من 30,000 يوم، وهو فضل لا يدركه العقل إلا بإيمان راسخ بعطاء الله.
• مغفرة الذنوب: فقد جاء في الحديث: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه).
• ليلة سلام حتى مطلع الفجر: فهي ليلة يفيض فيها الأمن والسكينة، وتكتب فيها الأقدار، ويعم فيها الخير، قال تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (القدر: 5).
• إستجابة الدعاء: فقد علّم النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها أن تقول في هذه الليلة: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» (رواه الترمذي).

* كيف نستعد لليلة القدر؟
• قيام الليل: وهو من أعظم الأعمال، فقد كان النبي ﷺ يجتهد في العشر الأواخر أكثر مما يجتهد في غيرها.
• الإكثار من الذكر والاستغفار: والدعاء بخيرَي الدنيا والآخرة، وخاصة بدعاء العفو والمغفرة.
• قراءة القرآن: فهو الذي نزل في هذه الليلة، وهو مصدر النور والهداية للمؤمنين.
• الإحسان والصدقة: فقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان، وخاصة في العشر الأواخر.
• الاعتكاف: وهو سنة مؤكدة، وكان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر تحريًا لهذه الليلة.

* علامات ليلة القدر
ذكر العلماء بعض العلامات التي قد تدل على ليلة القدر، منها:
• اعتدال الجو، فلا تكون حارة ولا باردة.
• شروق الشمس بلا شعاع في صباحها، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم.
• شعور العباد بطمأنينة وسكينة خاصة، وإحساس روحاني مختلف عن باقي الليالي.

* ليلة القدر بعد رحيلها
ليست ليلة القدر مجرد ليلة عابرة، بل هي محطة يتزود فيها المؤمن بالطاقة الروحية، فمن وفقه الله لقيامها فقد أصابه الخير كله، ولكن المهم هو أن يبقى أثرها في القلب، فليست العبادة موسمية، بل يجب أن تمتد روحها طوال العام، وأن يكون العبد مستمرًا في طاعته، ثابتًا على إيمانه، عاملًا بما وفقه الله له من خير.
• نسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر، ويوفقنا لقيامها، ويتقبل منا أعمالنا، ويجعلنا من عتقائه من النار… عنوان مقالة الغد بمشيئة الله تعالى: “الدعاء في العشر الأواخر: مفتاح الخير في الليالي المباركة”

* تقبل الله الصلاة والصيام والقيام وسائر الطاعات وبلّغنا وإياكم ليلة القدر.
* مقالة رقم: (1909)
* 23. رمضان . 1446 هـ
* الأحد. 23.03.2025م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق