نشاطات
أولياء عهد البيوت – بقلم صديق بن صالح فارسي
أولياء عهد البيوت. ٠٣/ ١٠
٢٨ / ٠٣ /١٤٣٧ هـ
قالت : الأولاد يحتاجوا للتوجيه والإهتمام وهم قد أصبحوا كباراً في العمر.
وأنا مسؤوليتي عليهم في التربية قد إنتهت.
وهم يحتاجون إلى رجل وأب قادراً على القيام بمسؤوليته تجاههم.
ووالدهم غير قادر على ذلك.
ورغم أنها متعلمة وعلى درجة من الوعي والتقوى والإيمان ويؤلمها أن ترى زوجها وأبناءها على مستوى أقل مما يجب سلوكياً وعملياً.
أو على الأقل أن يصلوا إلى مستوى طموحها في أن يكونوا من الفضلاء والأتقياء والصالحين.
قلت لها :
ليس علينا الهداية أو أن نجعل أبناءنا كما نريد أو كما نتمنى أو نحب.
( إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ). الآية.
وتظل أحلامنا في تحقيق مانريد من أماني وأمنيات في أبناءنا رهينة لثلاثة محاور رئيسية وهي.
المحور الأول . المسؤولية.
مين المسؤول وكيف يكون المسؤول ومتى وأين وبماذا ولماذا.
الزوج يتهم زوجته بسبب تقصيرها في التربية.
والزوجة تتهم زوجها بعدم إهتمامه بالأبناء.
وهذا الشريط وهذه النغمة نسمعها دائماً بين معظم الأزواج والزوجات.
كل يرمي القرد على الآخر ويتهمه بالتقصير في الواجبات ويحمله مسؤولية السلبيات في البيوت بصفة عامة وفي الأبناء على وجه الخصوص وبطبيعة الحال في مقدمتهم ولي العهد للبيت الذي غالباً ما إذا صلح فقد صلح البيت كله.
وإذا خاب وخسر فربما خاب و خسر البيت كله.
على أي حال ليس هناك معيار للمسؤولية الملقاة على عاتق الزوجين تجاه الأبناء وتربيتهم وتوجيههم أو تعنيفهم إذا لزم الأمر ومنذ نعومة أظفارهم كي يستقيم عودهم ويعتدل طبعهم.
ففي رأيي أن المسؤولية تقع على كل منهم بقدر ما يستطيع وبقدر مالديه من علم ومقدرةً على القيام بأي عمل من شأنه إصلاح أحوال البيت.
فَلَو قدر الله تعالى أن كان الأب ضعيفاً أو غير كفأً في معالجة أمر من أمور الأبناء.
وكانت الزوجة لديها القدرة على ذلك فإنه يصبح من مسؤولياتها القيام بذلك العمل المطلوب عادةً من الزوج أو من الرجل أن يقوم به في العادة.
وذلك بدون من أو تضجر أو أَذًى على الزوج من تقريع وتوبيخ.
وهذا شغلك وماهو شغلي.
وأنت مقصر في حق بيتك.
وشوف فلان كيف يعمل مع أولاده.
ولو عملت كذا. ولو فعلت كذا.
والكثير من اللولآءات التي تفتح عمل الشيطان كما أخبرنا رسول الله صَل الله عليه وسلم.
( فإن لو تفتح عمل الشيطان ) الحديث.
والعكس صحيح لو كانت هناك مسؤوليات للزوجة تعجز عنها وكان الزوج قادر عليها فإنها تصبح من مسؤولياته وتجب عليه بقدر أهميتها إنطلاقاً من التوجيه النبوي من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه او كما قال صَل الله عليه وسلم.
والذي نستفيده من الحديث أن المسؤولية تقع بالإستطاعة والقدرة وليس بالتقليد والمحاكاة ومثل مايعمل الناس.
فلكل بيت ظروفه وأحواله الخاصة والتي قد تختلف عن الآخرين.
كم نذكر من الأمهات في الزمن الماضي اللآتي كن يضعن العباية على رؤوسهم.
( كناية عن الهمة والإستعداد لممارسة أدوار الرجال في التربية ).
أقول يلبسن العباءات أو مايسمى ( الخمار ) ويركضن خلف أبناءهن من شارع إلى شارع وسط أزقة الحوائر يبحثون عنهم ويتفقدون أحوالهم ويباشرون الإشراف الميداني عليهم ليتأكدوا بأنفسهن مع من يلعب أولادهم.
ومع من يذهبون ويجيئون ومع من يتكلمون ويتحاورون وكيف هو سلوكهم في الحارة مع أقرانهم بل ربما ذهبوا إلى مدارسهم يسألوا عن أحوالهم كل ذلك مع وجدود آباءهم.
ولكن شعارهم كان أداء الرسالة والأمانة في التعاون والتكاتف في تربية أجيال من الأبناء ويؤدون الأمانة التي في أعناقهم.
وكل منهم يعتبر نفسه مسؤول بما يستطيع عمله وتقديمه في هذه الحياة.
هذه هي الحياة الزوجية السعيدة المبنية على التكامل.
فكل واحد يكمل النقص في صاحبه.
لا أن يتربص كل من الزوجين بالآخر نقاط الضعف التي بصاحبه ويبدأ يتخذها شماعة يعلق عليها سلبيات الحياة ومشاكلها ويجعلها حجر العثرة الذي تتحطم عليه سفن الحياة السعيدة بينهما ويكون البيت هو صداها والأبناء هم المتصدعون في أرجاء بيت غابت فيه القيادة التي يجب أن يمارسها الأبناء كما تعلموها من والديهم.
ما أجمل أن يتفق الزوجان على تحدي المسؤوليات وفق ظروفهم وإمكاناتهم وقدراتهم لازلت أذكر تلك المرأة العاملة التي قابلتها في شركة تعاملنا معها ( في النمسا ).
كان إسمها بريجيت.
وقد كانت شيئاً ما محرجة وهي تروي قصتها وأذكر أنها كانت تتوقع مني التعجب ولكنني تمالكت نفسي تأدباً مع الموقف وأثنيت على فعلها عندما قالت أنها إتفقت مع زوجها الذي لا يجيد الأعمال أن يبقى هو في البيت ويتفرغ لرعاية الأبناء وأن تتولى هي العمل وكسب العيش.
وقد كانا سعيدين بهذا القرار وهذه الحياة ورغم أن فيها إنعكاس لما عرف بحكم العادة.
ولو لم يتم ذلك لبقي هو يتهمها بالتقصير في التربية وهي تتهمه بالتقصير في العمل.
على أي حال أنا لا أدعوا لمثل هذا ولكن يهمنا الإستفادة من القصص التي نسمع عنها في الحياة والحكمة ضالة المؤمن يتبعها حيث وجدها.
هناك فائدة عظيمة نستخلصها من حديث التدرج في مسؤولية الأمر بتغيير المنكر.
وهو في حالة الإنكار بالقلب والتي هي أضعف الإيمان بالنسبة لعجزنا أمام التغيير.
وهي لغة القلوب المنكسرة بين يدي خالقها.
فلو عرفنا أهمية أن ينكسر القلب المخلص السليم إلى الله تعالى.
ويتوجه بتفويض الأمر إليه وتسليم النفس والقلب والحول والقوة لله تعالى.
البعض يظن أن الإنكار بالقلب يعني الضعف والخذلان والتراجع والإستسلام.
في حين أن للقلب العائد إلى الله تعالى بإخلاص المنكسرين العاجزين أقوى وأعظم سلاح في تحقيق ما يعجز عنه أهل العقول وأولي النهى.
فيامن أعجزه التغيير بيده أو بلسانه في إصلاح زوجه أو أولاده لا يفوتكم توجه القلوب بالدعاء والإنطراح بين يدي الله تعالى الذين لايرد سؤال من سأله ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
عندها أدرك حكيم الزمان الآذان.
فأمسك عن الإفصاح والبيان.