مقالات

قراءة في كتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (31)

بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
نمضي قُدُمًا وهذه المرة مع إنجيل متّى وهو أحد الأناجيل الأربعة التي اعتمدتها المجامع الكنسيّة التي عُقِدت عبر تاريخها وأسفرت عن اعتماد هذه الأربعة أناجيل كما سبق وذكرنا ذلك.
– إنجيل متّى التاريخ والتأليف وما له وما عليه
يعتبر إنجيل متّى ذو قيمة ودرجة رفيعة بين الأناجيل الأربعة، بل بالإمكان القول أنه يأتي في مقدّمتها، وهي مكانة لها ما يبرّرها فهذا الإنجيل هو بمثابة العهد الجديد وفي نفس الوقت يعتبر امتدادًا للعهد القديم (التوراة) بشكل ما! فقد كُتب على أساس أن المسيح يكمّل تاريخ إسرائيل، وهذا ما يقوله المعلّقون على الترجمة المسكونية، وهي الترجمة التي سوف نستعير منها العديد من الفقرات، واعتُبر كذلك لأنه يستعير العديد من فقرات العهد القديم التي تشير إلى أنّ المسيح يتصرّف كالمسيح الذي ينتظره اليهود.
– يبدأ هذا الإنجيل بشجرة نسَبِ المسيح، ومتّى يجعل المسيح ينتسب إلى إبراهيم عن طريق داوود، وهذا النّص محض خطأ ويسكت عنه المعلقون بشكل عام، وأيًا كان الأمر فقد كانت نيّة متّى واضحةً في أن يُعطي بنسب المسيح المعنى العام لكتابه، إن متّى يتابع نفس هذه الفِكرة حين يوضّح بشكلٍ دائمٍ موقف المسيح من القانون اليهودي وسيادته العريضة من صلاة وصومٍ وزكاة.
– إن المسيح يريد أن يوجّه تعاليمه أولًا وأولويًا إلى شعبه، ويحدد رسالته بهذه الكيفية، وعندما يتوجه إلى حوارِيّيه يقول: ” إلى طريقِ الوَثنيّين لا تَمضُوا، وإلى مدينةِ للسامريّين لا تدخُلوا، بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.” (متى 10: 5-6).. “ولم أُرسَل إلى خرافِ بني إسرائيل الضالة” (الإصحاح 15.الآية 24) وبشكلٍ ثانوي فإن متّى يمُدّ في خاتمة إنجيله إلى كل الأمم تبشير تلاميذ المسيح الأولين الإثني عشر، ويجعل المسيح يُعطي الأمر التالي:
“فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.” (متى 28: 19)… وهذه الاعتبارات وحدها تضع أصل إنجيل متّى داخل الجماعة اليهودية المسيحية والتي تحاول على حد قول (كولمان) الذي يقول: ” أن تقطع العلاقات التي كانت تربطها باليهودية مع الاحتفاظ في نفس الوقت بخط مستمرٍ مع العهد القديم، إنّ نقاط الأهمبة والنبرة العامة لهذا الإنجيل توحي بوجود وضعٍ متوتر” وربما كان هذا النص متصلًا بعوامل ذات صفة سياسية..
– أما ما هي شخصيّة متّى؟ فأترك الحديث حولها إلى مقالة الغد بمشيئة الله تعالى، فإلى لقائنا المتجدد دمتم بألف خير.
– مقالة رقم: (1620)
24. ذو القعدة. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق