مقالات

الإبادة الجماعية ليست حلاً للقضية الفلسطينية!

بقلم : البروفيسور مناويل حساسيان سفير دولة فلسطين لدى مملكة الدنمارك

نتذكر، بجانب الحرب الباردة، في الستينيات والسبعينيات، أننا شعرنا بأمان أكثر وكان العالم أكثر استقرارًا عندما كانت هناك تعددية قطبية بدلاً من أحادية القطب، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1988، شهدنا صعود القوى الأحادية، والتي نرى تداعياتها اليوم مع الحروب الإقليمية وعدم الاستقرار وما أسميه الإمبريالية الجديدة.

الآن، سمعنا الكثير عن الصراعات الإقليمية وعن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يمكنني البدء بالقول إن هذا الصراع لم يبدأ في السابع من أكتوبر، ولا أريد الخوض في شرح لماذا حدث السابع من أكتوبر، لكنه رد فعل طبيعي لشعب تحت الحصار لمدة 13-14 سنة أن يتصرف بالطريقة التي تصرف بها.

السؤال هو، في الثامن من أكتوبر، هوجم الفلسطينيون في كل مكان، وقيادتهم، باعتبارهم إرهابيين، كما لو أنهم ليسوا بشرًا يعانون من الاحتلال منذ 75 عامًا. ولكن مع تطور الحرب، وتفاقم العدوان ضد شعبنا في غزة، بدأ الضمير الدولي يستيقظ ليرى ما إذا كان هذا الرد المفرط على ما حدث في السابع من أكتوبر، وللسنوات الخمس والسبعين الماضية، مبررًا أم لا؟ كان هذا السؤال التحدي الذي طرح على المجتمع الدولي. وبدأنا نشهد، يومًا بعد يوم، تعاطفًا أكبر مع الشعب الفلسطيني، لأن وسائل التواصل الاجتماعي والتغطية الإعلامية، لأول مرة في التاريخ، أظهرت الوجه القبيح للاحتلال، وما يمكن أن يفعله لشعب لمدة 75 عامًا.

من المفارقات، وأعتبر هذا تناقضاً، عندما ترى دولة إسرائيل التي تدعي يهوديتها، وتعرضت للمحرقة، تخلق ضحية من الضحايا، وتجعل الفلسطينيين يدفعون الثمن لما فعلته أوروبا الغربية باليهود عندما كانوا يعيشون في مجتمعاتهم. لذا، يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن. لقد تم اقتلاعهم من بلدهم، وتم قتلهم وتشويههم، وما نشهده اليوم هو إبادة جماعية. التطهير العرقي، والعقاب الجماعي، والإبادة الجماعية، يجسدون بأفضل صورة ما نسميه اليوم دولة فصل عنصري. لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة أن إسرائيل اليوم تُطلق عليها دولة فصل عنصري، لأنها أهلت نفسها لتحمل هذا اللقب.

هذا صراع، أو حرب مستمرة منذ 75 عامًا بين مجتمعين معرفيين. أحدهما يحاول إنقاذ أرضه، والآخر يحاول أخذ الأرض. لذا، ما نسميه اليوم إسرائيل هو حركة استيطانية استعمارية، لأنها بدأت في الاستيلاء على أرض فلسطين و بناء المستعمرات في العشرينيات والثلاثينيات، تحت رعاية المملكة المتحدة خلال الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد شهدنا أعمال انتفاضات واسعة ضد البريطانيين في فلسطين، في أعوام 1920 و1929 و1936، حتى حرب 1948، عندما بات واضحاً أن المملكة المتحدة كانت تدفع بشكل منهجي للهجرة اليهودية إلى فلسطين. بمعنى آخر، مع وعد بلفور لعام 1917، الذي وعد بوطن قومي لليهود، استغرق تنفيذ هذه العملية ما يقارب 30 عامًا. عندما اندلعت الحرب في عام 1948، وقبلت إسرائيل كدولة مستقلة، وتم الاعتراف بها فورًا من قبل الأمم المتحدة.

التحدي اليوم هو أن الفلسطينيين قد انخرطوا في طريق شاق باتفاقية أوسلو، أود أن أقول، نحو المصالحة مع إسرائيل. لقد قبلنا اتفاقية أوسلو، وقبلنا في عام 1988 الاعتراف بإسرائيل، ليس فقط بحكم الأمر الواقع ولكن بحكم القانون، حتى أننا حاولنا استباق أي نوع من المفاوضات النهائية. في المقابل، رأينا أن اتفاقية أوسلو قد استُخدمت من قبل الساسة الإسرائيليين لتضاعف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، من حيث الديموغرافيا والجغرافيا. ورأينا نتنياهو، الذي تولى السلطة، وكان هدفه النهائي هو تدمير اتفاقية أوسلو. ومنذ أن تم تنفيذ اتفاقية أوسلو، نحن اليوم عالقون بين ما هو حتمي تاريخيًا وما هو مستحيل سياسيًا. إنه أمر غير ممكن، مع حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، أن يتم إطلاق أي نوع من المفاوضات لتحقيق الاستقرار والأمن في المستقبل.

لذلك خلال السبع أشهر من العدوان ، قامت إسرائيل بقصف المدنيين بشكل ممنهج. بين الأمس واليوم، تم استشهاد أكثر من 75 في رفح. لدينا أكثر من 36000 شخص استشهدوا، 50% منهم أطفال؛ لدينا على الأقل 10,000 تحت الأنقاض، أكثر من 147 طبيبًا قُتلوا، 52 مستشفى تم تدميرها بالكامل؛ لا يوجد وقود لتشغيل المستشفيات المتبقية. الآن، مع السيطرة على معبر رفح الحدودي، لا يوجد وقود يدخل إلى غزة، و70% من البنية التحتية في غزة قد تم تدميرها بالكامل.

إذن، كيف يمكننا تصنيف هذه الحرب؟ هل هي حرب دفاعية؟ هل تدافع إسرائيل عن نفسها، أم هي حرب إبادة لشعب ذنبه الوحيد هو سعيه للاستقلال والحرية؟

في بعض الأحيان، يبدو الأمر مفارقة عندما أخاطب المسؤولين الأوروبيين أو الأمريكيين، كما فعلت مرات عديدة خلال مسيرتي الدبلوماسية، حيث يستمرون في تقديم خطابهم حول حل الدولتين. وأبدأ بالابتسام عند سماع هذه العبارة “حل الدولتين”. يبدو تدمير فلسطين واقعاً تقريباً، ومع ذلك يستمرون في التحدث عن “حل الدولتين”. إذا كنتم تؤمنون حقاً بحل الدولتين، فلماذا تستخدمون حق النقض في الأمم المتحدة عندما تعترف ما يقرب من 147 دولة بدولة فلسطين؟ وتستمرون في استخدام حق النقض، بينما تتبع أوروبا كلها القرار الأمريكي. أين هو التوازن عندما تتحدثون عن “حل الدولتين”؟

ماذا يطلب الفلسطينيون اليوم؟ إنهم يطلبون نفس المبدأ الإنساني المتمثل في حق تقرير المصير. لماذا يحق للعالم بأسره ممارسة حق تقرير المصير، كما نص عليه في المادة السادسة عشرة من مبادئ وودرو ويلسون، بينما عندما يتعلق الأمر بفلسطين، يصبح الأمر غير مهم؟ هل نحن أبناء إله أقل شأناً، حتى لا يتم قبولنا في المجتمع الدولي كدولة قومية مستقلة؟

عندما بدأ المشروع الصهيوني في فلسطين، كنا متقدمين إقليمياً و حضارياً و تنموياً، كان لدينا ميناء، وكان لدينا مطار، وكان لدينا اقتصاد، وكان لدينا زراعة. لم يكن الأمر كما قالت جولدا مائير، أن الصحراء ازدهرت عندما جاء الصهاينة إلى فلسطين. هذا خطأ تاريخي. هذا ليس صحيحاً، ولدينا جميع الوثائق التاريخية التي تثبت عكس ذلك.

إذن، هذا الصراع المستمر منذ سنوات عديدة لم يهز ضمير المجتمع الدولي بأسره. يتم التعامل معه كأنه صراع إقليمي، كصراع بين شعبين، كما لو أنهما يتنازعان على نفس الأرض. الفلسطينيون لا يتنازعون على الأرض: هذه أرضنا! الصهاينة هم الدخلاء. لقد جاءوا للسيطرة على أرضنا. لذا، ليست هذه أرضًا متنازعًا عليها. ليس صراعًا بين شعبين على أرض يمتلكها كلاهما. إسرائيل هي احتلال تعدى على أراضينا. لقد تم دعم المشروع الصهيوني من قبل المجتمع الدولي، ولهذا يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولية قراراته و سياساته باتجاه فلسطين.

يمكنني التحدث عن ممارسات هذا الاحتلال البشع. ولكن كل ما أود قوله هو الأساس التالي: كيف نضع حداً لهذا الصراع؟ ومن هم اللاعبون الرئيسيون في محاولة فرض حل لهذا الصراع؟ من المحبط جدًا أن الولايات المتحدة، التي تدعي أنها المتمسكة بزمام عملية السلام على مدار الثلاثين عامًا الماضية، قد أثبتت فشلها الذريع، لأنها لم تمارس حل النزاعات، بل إدارة الأزمات. واليوم، أثبت الأمريكيون فشلهم الذريع كطرف ثالث، وكوسيط نزيه للسلام، لسبب بسيط وهو أنهم دعموا بشكل غير عادل و سافر الطرف الأقوى، إسرائيل، على حساب الطرف الأضعف، فلسطين!

إذن، ليس لدينا ثقة في الأمريكيين. نتأسف للشعب الأمريكي الذي لديه قيادة ضعيفة ، برؤية قصيرة النظر حول كيفية تحقيق الأمن والسلام العالمي. الرئيس بايدن يتحدث عن السماح بالوصول الإنساني، هو نفسه الذي يرسل آلاف القنابل لقتل الأطفال الأبرياء والفلسطينيين في غزة! هذا هو الرئيس جو بايدن.

كيف يمكننا قبول تعليقات هزيلة من رئيس لا يعرف عما يتحدث؟ والبديل ليس أفضل.

لا يمكننا أن نُستخدم كأداة في الصراع العالمي بعد الآن. نعم، مثل هذا الصراع يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية، ويمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية؛ لكن في النهاية، أليس الجوع والفقر المدقع هو السبب الحقيقي للحرب؟ أليست المصالح الوطنية تأتي قبل كل شيء آخر؟ وفوق كل اعتبار لمصالح حزبية ضيقة.

إذن، ماذا يخسر المجتمع الدولي إذا اعترف بدولة فلسطين؟ لقد قمنا بتقديم تنازل تاريخي في عام 1988، عندما قبلنا فقط 22% من فلسطين التاريخية كدولة مستقلة، والتي تشمل الضفة الغربية، غزة والقدس الشرقية؛ وأعطينا الشرعية لولادة المشروع الصهيوني على أكثر من 78% من فلسطين التاريخية. ومع ذلك، لا يزال الجوع الصهيوني للأرض مستمرًا، بهدف السيطرة على الضفة الغربية. إسرائيل ليست مهتمة بغزة. إسرائيل مهتمة بغزة فقط من منظور أمني، للتحكم فيها و استغلال غازها الطبيعي، وهذا كل شيء.

ولكن عندما نتحدث عن الضفة الغربية، فإننا نتحدث عن “يهودا والسامرة” على قول الصهاينة. هذا ما يدفع به الإسرائيليون من أجل مستعمراتهم، أساسًا للسيطرة، ولضم الضفة الغربية إلى إسرائيل بشكل كامل. لأن هذه هي النبوءة التوراتية: بالنسبة لليهود، هذه هي أرض الميعاد. وكأن الله وكيل عقارات. قال: “أنتم المختارون، وفلسطين لكم.” هذا هو الله الذي يعد بالأرض، ويعتبر اليهود شعب الله المختار – لا أريد أن أؤمن بهذا الله. هذا الله لا يعني لي شيئًا، سوى سمسار أراضي.

واليوم، هناك جدل كبير بين الكنيسة الكاثوليكية وإسرائيل، وخاصة اليهود، حول مسألة النبوءة التوراتية وأرض الميعاد. الآن، هناك أصوات ترتفع لتحدي هذا الخطاب القائل “هذه الأرض لنا، لأن الله أعطاها لنا”. أكثر من مليار ونصف شخص يتبعون الكنيسة الكاثوليكية اليوم هم في تناقض تام مع الأيديولوجية الصهيونية التي تقول “هذه أرض يملكها أصحابها اليهود، أرض الميعاد التي أعطاها لنا الله”.

إنني في بعض الأحيان ، أجلس وأتأمل، خلال العشرين عاماً الماضية، هناك نقص في القيادة الشرعية، وهناك نقص في القيادة الكاريزمية في العالم، والعالم باندثار و ترهل ثقافي. بل إنه في شبه انهيار كامل مع النزاعات، والجوع، والظلم. وأتساءل لماذا لا توجد قيادة يمكنها تحمل مسؤولية قيادة هذا العالم؟

لقد درست في الولايات المتحدة لفترة قصيرة للحصول على درجة الدكتوراه والماجستير، وأجريت الكثير من الأبحاث مع المعاهد الأمريكية، بما في ذلك جامعة هارفارد. كل هذه المؤسسات الفكرية، وكل هذه الموارد التي تملكها الولايات المتحدة، وإنتاج مرشحين اثنين لرئاسة الجمهورية، بايدن وترامب، هو أمر مخجل. هذا يُظهر أن هذه الأحزاب السياسية تقود الشعب، وليس الشعب هو الذي يقودها. ولهذا السبب أعارض هذا النوع من الديمقراطية، لأنها ديمقراطية لفئة قليلة؛ إنها ديمقراطية للأغنياء. نادراً ما نرى شخصاً يأتي من الأحياء الفقيرة ليصبح رئيس الولايات المتحدة، بناءً على الجدارة، بناءً على الفكر، وما إلى ذلك.

ويمكنني أن أقول لكم، لن يكون هناك تغيير أبداً في عهد الرئيس الأمريكي، لن يكون هناك تغيير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لأنه منذ ترومان وحتى اليوم، كانت السياسة الأمريكية تعتمد على أربعة أسس: أولاً، احتواء الشيوعية؛ وعندما انهار الاتحاد السوفيتي، خلقوا شيئاً يسمى “الأصولية الإسلامية” لتبرير هيمنتهم وإمبراطوريتهم الجديدة. ثانياً، السيطرة على منتجات النفط في العالم العربي، سواء بالسيطرة العسكرية أو من خلال التحكم في الأسعار. ثالثاً، دعم نظام وكيل يقوم بالأعمال القذرة في الشرق الأوسط بشكل غير عادل، وهو إسرائيل. ورابعاً، محاولة كبح أي نوع من حركات التحرر التي تخرج من المنطقة. سواء كانوا الديمقراطيون أو الجمهوريون في السلطة، فإن هذه الركائز الأربع لم تتغير أبداً كسياسة أساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

فكيف يمكننا أن نثق في الولايات المتحدة كطرف ثالث لتجسير الفجوة وعدم التكافؤ بين الطرفين ليسوا على قدم المساواة؟ عندما جلسنا وتفاوضنا على السلام مع الإسرائيليين، لم نكن على قدم المساواة. كان الأمريكيون يصيغون القرارات، وكان يُفرض الحلول على الفلسطينيين لقبولها بالقوة! لذا، لم تكن هناك مفاوضات جدية أبداً! المفاوضات تقوم على التماثل بين قوتين متنازعتين على قدم المساواة، تحاولان حل قضية. هذا لم يكن الحال في مفاوضاتنا، لقد كان دائماً ديكتاتورية سياسات القوة. وكان على الفلسطينيين، كالأضعف، دائماً دفع الثمن و التنازل.

لا تنخدعوا بما يجري في إسرائيل اليوم فيما يتعلق بالمظاهرات. فإن الشعب الإسرائيلي يدعم قيادته بالكامل في أي حرب تخوضها.

هناك تحول كبير، من الانتفاضة الأولى حتى اليوم، في الرأي العام في إسرائيل، الجميع اليوم معظمهم متطرفون يمينيون. أما العناصر التقدمية اليسارية في إسرائيل ليست لها تأثير كبير، وتم تهميشها تماماً.

إذا لم تكن إسرائيل يمينية متطرفة، فمن كان سيضع بن غفير وسموتريتش ونتنياهو في السلطة؟ صحيح؟ كنا نستطيع توقع حكومة أكثر ليبرالية، يمكنها حقاً دفع عملية السلام. لكن للأسف، ما شهدناه هو تحول الرأي العام في إسرائيل نحو اليمين المتطرف، مما أدى إلى وصول أشخاص مثل سموتريتش، بن غفير، ونتنياهو إلى السلطة. و أريد أن أذكر هنا أيضاً، بأن حزب العمل كان مشروعه استيطاني. و هو بدأ المشروع الاستيطاني.

المثل يقول: “الصدقة تبدأ من البيت”. لا يمكننا توقع أي نوع من الاستقرار في المنطقة إذا استمرت الولايات المتحدة في هذه السياسة التي أعتبرها ازدواجية في معاييرها. و من ناحية تحاول تحقيق السلام مع الحكومات للدول المجاورة، بأن إسرائيل تتعامل بشكل جدي مع حماس فقط، ولكن يمكننا رؤية التداعيات: قد تحفز مصر، قد تحفز لبنان على حرب إقليمية. حتى الآن تم السيطرة عليها. ولكن فتيل الحرب في شمال فلسطين جاهز في أي لحظة.

لكنني أعتقد أن الأمريكيين فقدوا مصداقيتهم عندما لم يتمكنوا من تحقيق وقف لإطلاق النار، وقد شهدنا حتى الآن سياسات متناقضة من الولايات المتحدة التي لا تعمل على استقرار الأوضاع بل تزيد من زعزعتها في الدعم السافر للاحتلال الإسرائيلي، و كذلك الأمر لم نرَ المجتمع الدولي بشكل واضح وصريح يدين إسرائيل بما تقوم به من إبادة في رفح، ما يعتبرونه هجوماً محصوراً على آخر معاقل حماس، كما لو أنهم يعرفون أين يتواجد مقاتلو حماس.

لذا، هذه مبررات لممارسة الضغط على مليون فلسطيني ليبدأوا في الانتقال إلى مصر. إنهم يريدون خلق الفوضى والخوف، حتى يترك الناس منازلهم ويبدأوا بالهجرة نحو صحراء سينا. وهذا سيخلق مشكلة كبيرة لمصر، لأن موقفها هو عدم السماح للفلسطينيين بمغادرة غزة. لأن، بفعل ذلك، هم يعطون الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في تدمير الفلسطينيين، والتخلص منهم “ديموغرافيًا” من غزة.

إذا نجحت إسرائيل في هجماتها الإبادية في التخلص من حماس، فستخفق بالتخلص على أيديولوجيتها، سيظهر مقاتلون آخرون. تعلمون، عندما نتحدث عن 36,000 شهيد، كم من الأطفال الذين نجوا من هذا سيتذكرون؟ صحيح؟ لن ينسى أحد.

يجب أن تفهم إسرائيل أنها لا يمكنها، ولا تستطيع التخلص من الشعب الفلسطيني. يجب أن تفهم إسرائيل على الملأ أن شهادة ميلادها الشرعية لتكون جزء من الشرق الأوسط، لا تمنحها إياها إلا الفلسطينيون، وليس الولايات المتحدة الأمريكية! يجب أن تفهم إسرائيل أنه بدون استقلال فلسطين، ستظل قلعة عسكرية في الشرق الأوسط. وهذه المشكلة النفسية، لكونها دولة عسكرية، ستخلق الكثير من المشاكل النفسية في المستقبل لدولة كان لديها الفرصة لصنع السلام، وتركته تضيع من بين يديها طوعاً.

الأمور لن تبقى ثابتة. سيستمر الفلسطينيون في نضالهم. لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع: الجميع يعلم ذلك، حتى إسرائيل، بكل قوتها التقنية، و العسكرية لم تتمكن من جعل الفلسطينيين يستسلمون.

وإذا نظرت إلى روح هؤلاء الناس في غزة، لا يصدقه العقل! دائماً يقولون، لن تتكرر نكبة 1948. لن نهاجر أبداً. لن نترك بلادنا. سنموت هنا بدلاً من أن نغادر. هذا الصمود، هذا الإصرار، هذا الالتزام من شعب، يجب أن يوقظ ضمير المجتمع الدولي ليقول إن هؤلاء الناس يستحقون أن يكون لديهم دولتهم الخاصة، يستحقون أن يكون لديهم بلد مستقل.

إسرائيل تلعب بالنار. وأعتقد أن دمار إسرائيل من الداخل و الخارج قد بدأ. وما نشهده في الولايات المتحدة الأمريكية، من إضرابات طلابية وما شابه، يجسد إفلاس إدارة بايدن في التعامل مع الصراع في غزة؛ ويجسد عدم كفاءتها في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، وعدم كفاءتها في محاولة نشر هيمنتها على العالم كقوة أحادية القطب. وإذا قارنا بين ما يحدث الآن في الجامعات الأمريكية وما حدث خلال حرب فيتنام في الستينيات، فهذه بداية نهاية مثل هذا العصر.

ثم سنبدأ في رؤية تغييرات درامية في الشرق الأوسط. نحن بحاجة إلى حكومات جديدة. حيث نحتاج إلى حكومات تروج للأمن والاستقرار العالميين من خلال التنمية الاقتصادية، من خلال خطة الواحة. التي يروجها معهد شيلر للأبحاث و التنمية الاقتصادية في العالم.

نحن بحاجة إلى حكومة جديدة في إسرائيل! على الأقل لتكون أقل صهيونية في نهجها نحو حل النزاعات بدلاً من إدارة النزاعات.

نحن بحاجة أيضًا إلى قيادة موحدة بين جميع الفصائل الفلسطينية،” لأننا متحدون نقف، ومنقسمون نسقط”. إذا لم تكن هذه الشروط الثلاثة صحيحة وجاهزة، فإن هذا النزاع سيؤدي إلى تداعيات أخرى قد تؤدي إلى التدمير، لا سمح الله، إلى حرب إقليمية و ممكن دولياً.

اليوم، ليس الأيديولوجيا هي التي تدفع الناس نحو الحرب. إنها المصلحة الوطنية. إنها المصلحة الاقتصادية. لكن الالتزام الديني للناس مخيف، ولا سمح الله أن يتحول صراعنا يومًا ما إلى صراع بين المسلمين واليهود. لأن هذا ليس هو الهدف. نحن نؤمن بأن هذا صراع وطني، بأيديولوجية علمانية لبناء كيان ديمقراطي في فلسطين. هذا ما تؤمن به قيادتنا. لكننا لا نستطيع القيام بذلك بمفردنا. علينا أن نفعل ذلك معًا، ومعًا تعني الانتخابات الرئاسية، والانتخابات التشريعية، والإصلاح الكامل في بنيتنا السياسية. أقول هذا كنوع من النقد الذاتي، لأنني يجب أن أكون صادقًا كأكاديمي، بما يجب علينا فعله، من أجل تحقيق استدامة السلام العادل.

السلام ليس توقيع وثيقة. هناك سلام بين الأردن وإسرائيل. هناك سلام بين مصر وإسرائيل. تلك تعتبر سلام بارد. اسأل أي مصري اليوم، وسيقول لك: “إسرائيل ليست صديقتنا. ما داموا يحتلون فلسطين، لن يكون لدينا علاقة طبيعية مع الإسرائيليين. نعم، بين الحكومات، نعم.” نفس الشيء في الأردن. سيتم تحقيق السلام الحقيقي عندما يحصل الفلسطينيون على حق تقرير المصير. عندها سيكون العالم العربي جاهزًا للتعاون وقبول إسرائيل كدولة شرعية في الشرق الأوسط. لكن الآن إسرائيل منبوذة. إسرائيل هي محتل صهيوني، وليست شرعية، تعتبر الآن دولة مارقة.

من السهل توقيع اتفاقية سلام، ولكن من الصعب جدًا بناء السلام، وهذا البناء للسلام يحتاج إلى جهود في محاولة تحقيق التآزر بين المجتمعات المدنية على كلا الجانبين، وتفاعل الناس مع الناس، وهنا تأتي عملية إنهاء النزاع وتطوير الديمقراطيات، لأننا نؤمن بأن الديمقراطيات لا تقاتل بعضها البعض. هكذا تعلمنا من تجربة الصراعات في العالم.

والتنمية الاقتصادية كما يتبناها معهد شيلر للسلام و التنمية في أوروبا ومفهوم لاروش المؤسس للتنمية الاقتصادية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في عملية محاولة خلق الأمن العالمي، من خلال الأمن الإقليمي و النمو الاقتصادي، من خلال إنهاء الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي. و إذا تم ذلك فإنها ستكون، بداية حقبة جديدة حيث ستبدأ الدول في العالم، شمالًا وجنوبًا، في إدراك أن الحرب ليست الحل، بل بناء الروابط الاقتصادية هو الحل، لأن ذلك سيكون وضعًا مربحاً لكل الأطراف، و بداية استقرار أمني و اقتصادي في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق