مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية جُليد أبو حمار من الفلكلور اليمني السّر المجهول ( الحلقة 6 والأخيرة )
طارق السامرائي
إستدعت لمياء القهرمانة، وقالت لها :ماذا حصل ؟ لقد إستمعت إليك، وضحّيت بكلّ شيئ : دارنا وأخي ،والآن يتخلّى عني سيّدك !!! أجابتها: لقد نفذت ما أوصاني به مولاي ،أما الباقي فلا يعنيني ،أمسكت الفتاة برقبة العجوز ،وصاحت : ستجدين حلاّ الآن ،وإلا ستندمين ،هل فهمت ؟ ردّت العجوز: لعلك تنوين قتلي كما فعلت مع أخيك !!! تراجعت لمياء ،وأحسّت أنها زادت في تعقيد الأمور، وكان خوفها في محلّه ،ففي المساء طلب منها السلطان مغادرة القصر ،والعودة إلى دارها ،وأعطاها خمسة نعاج ،وعشرة دجاجات لتأكل ،فبدأت تبكي وتصرخ ،لكن لم يسمعها أحد، فبعد عشرة أيام قضتها في القصر، ها هي تجد نفسها مرّة أخرى وسط الغابة ،ولم تعرف ماذا ستفعل ،ولا كيف ستعيش بمفردها ،فلا أحد سيحميها ،ويؤنس وحدتها ،وشعرت بندم شديد ،فأبوها محق لما أوصى بالتخلص منها ،ولم يربح أخوها سوى المصائب من ورائها ،وهي تستحق كلّ ما يحصل لها .
وكان من عادة المملكة تنظيم سباق للخيل بعد كل موسم حصاد، وتأتي الممالك المجاورة للمشاركة ،وهم يفوزون دائما ،وطلب نعيم من السلطان أن يأذن له بالمشاركة تلك السنة ،ووافق فهو ليس لديه ما يخسره، فقد فشل من قبله كل فرسانه ، لكنه لا يعرف مهارة نعيم وقدرته على الكلام مع الخيل ،واستغرب المتسابقون لما رأوا فارسا غريبا في السّباق ،وسخروا من هيئته الرّثة ،لكنه لما بدأت الخيل في العدو كان أسرعهم، وفاز عليهم جميعا ،فرح السلطان بذلك الفتى، وأهدى إليه الفرس الذي كان راكبا عليه ،وعيّنه قائد الخيّالة في جيشه ،وفوق ذلك أسكنه في القصر .وذات يوم قال له :أريد أن يرافقني مولاي لخطبة فتاة أحبها ،وذهب موكب السلطان إلى دار الجمّال ،وخطب نعيم ابنته ،وأعطاه مهرا مائة من الإبل .وبعد شهر تزوّج من حبيبته ورجعت له السعادة التي افتقدها حين كان في الغابة . لكن نعيم بدأ يتساءل عن أخته ،فرغم أنه يعيش في القصر فهو لم يرها ولو مرة واحدة ،ولم يسمع أي خبر عنها ،وبعد مدّة علم أنّ السّلطان قد أطردها بعد أن اكتشف لؤمها ،لكنّه لم يفكر أبدا في الذّهاب إليها رغم معرفته أنها في الدار التي وسط الغابة ،وقال في نفسه: لقد نالت جزاءها ،وستعيش وحدها .
أما لمياء فلم يعجبها ما فعله السلطان ،وعزمت على قتله ،وبقيت تفكّر في حيلة فهي تعرف مداخل القصر ومخارجه ،في ذلك الوقت أحس نعيم بشوق كبير لوالديه وقريته فلقد مضى زمن طويل على فراقها ،وحين رجع لم يعرفه أبوه ،فلقد تغير كثيرا وصار رجلا، أمّا أمّه فبكت كثيرا لما رأته ،وقال لهما أنّ أخته لئيمة ،وهي تعيش وحدها الآن ،لكن أباه قال له : سأفصح لك عن سرّ لا يعلمه أحد سواي ، النّبوءة تقول أنّ من ستقتله أختك هو السّلطان ،وليس أنت ،ولقد أخفيت ذلك خوفا أن يسمع أحد بذلك الكلام !!! والآن تعلم كلّ شيء، فاسرع إلى القصر، فمولاك علاء الدين في خطر ،في تلك الأثناء تنكّرت لمياء في زيّ الخدم ،ودخلت المطبخ ،ورمت في القدر نبتة مسمومة ،وكان السّلطان قد أقام وليمة استدعى لها الوزراء وكبار القادة ،وكلّ من أكل من ذلك الطعام مات ،ولم يبق سوى نعيم الذي كان يزور أباه، وللمرّة الثانية ينجو من الموت ،وبما أنّه لم يبق سواه من الحاشية، فلقد أوكلوا له تسيير أمور المملكة ،في انتظار تنصيب سلطان آخر، لكنه أثبت كفاءة كبيرة ،وفي النهاية عيّنوه سلطانا على المملكة .
وقال نعيم في نفسه :لا أعرف هل نبوءة العرّافة نعمة عليّ أو نقمة ؟ فأنا لست إلا مجرّد صيّاد !!! أمّا أخته لمياء فقد اختفت ،ولم يرها أحد بعد ذلك ،والبعض يقولون أنها أكلت من نفس العشبة السامة لتكون مع حبيبها في الحياة وفي الموت ،لكن لا أحد يعلم الحقيقة ، لقد صدقت النبوءة هذه المرّة ،لكن ما يقوله العرّافون وهم، حتى ولو وقع ما تنبؤا به ،ولا يعلم الغيب إلا الله .
…