مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية جُليد أبو حمار من الفلكلور اليمني ضيف عند الجمّال ( الحلقة 5 )

طارق السامرائي

بقي الفتي هناك لا يقدر على الحركة إلا بصعوبة ،وصار يأكل الأعشاب من شدة الجوع، وفي أحد الأيّام مرّ عليه جمّال، ورأى حالته ،فقال: أعمل فيه معروفا ،وأجري على الله !!! ثم أركبه على ناقته، وسار به لداره ،ولمّا وصل فرش له ركنا في الزّريبة ،وقال له :سنعتني بك حتى تشفى ،بعد ذلك مسح الدّم الذي عليه ،ووضع على الجروح الصّبر اليمني ،وصارت إبنة الجمّال تحمل لنعيم طعامه كل يوم ،وأعجبت الفتاة بذلك الولد الجريح ،وكل مرة تختلق عذرا للذّهاب إليه ،وتضايق الجمّال من ذلك، وعندما بدأ نعيم يسترجع عافيته جاءه الرّجل وطلب منه أن يحكي له قصته ،فربّما تمكّن من مساعدته ،روى الفتى كلّما حصل له ،وعن أخته التي حاولت قتله ونبوءة العرّافة الغريبة ،تعجّب الجمال من تلك الحكاية فهو أيضا لا يصدّق كلام العرّافين ،ونصحه أن يترك أخته، فلعلها سعيدة الآن ،ففكّر نعيم وقال : والله معك حقّ ،لكن السّلطان سيدفع الثمن على قتله حصاني. !!! مرّت الأيام، وأحسّ الفتى أن عليه الذهاب في سبيله ،فالجمّال صار يحمل له صحفته طعامه ،ولم يعد يرسل إبنته .
وليلة رحيله قال له ليست لي ثياب لأعطيها لك، لكن عندي جلد حمار خذه، وتدثر به لمّا تشعر بالبرد ،لكن الفتاة غافلت أباها ،وأعطته جرابا فيه خبز وجبن ،وقلة ماء ،وقالت له : أتمنّى أن نلتقي مرّة أخرى ،فأجابها :وأنا أيضا!!! ولمّا إبتعد قليلا جاء الذئبان يجريان ،وقد أحسّا بالسّعادة لرؤية سيّدهما بصحّة وعافية .ثم ّسأل نعيم عن مزرعة السّلطان التي يربّي فيها الخيل فقيل له أنها شمال المدينة ،وفي الطريق اعتقد الناس أنّه درويش، وأطلقوا عليه إسم جليد أبو حمار ،ولمّا وصل أخذ يتفرّج على حصان هائج لم يقدر أحد على ترويضه ،فدخل ،وقال. لأعوان السّلطان ماذا أربح إن جعلته مثل الخروف ؟ ضحكوا، وأجابوه :سنرميك في حوض الماء لكي تستحمّ ،فاقترب من الحصان ،ووشوش له ثم مسح على رأسه ،فتخلّى عن هياجه ثم ركبه نعيم ،ودار به في المزرعة ،وكان الرّعاة ينظرون، ويتعجبّون من براعته .
ولم يتمّ النّهار حتى روّض كلّ الخيول ،ثمّ إستحم نعيم، وحلق لحيته ،وأعطاه قيّم المزرعة ثيابا نظيفة ،وطعاما ،فأكل ،واستراح ،وقال في نفسه :لمّا يثقون بي سآخذ عشرة من الخيل ،عوضا عن حصاني ،وأهرب .لكن في الغد مرّ السّلطان لتفقد المزرعة، وسمع بحكاية الغريب الذي روّض خيله ،فناداه وطلب منه أن يشتغل عنده ،وسيعطيه أجرة وبيتا يسكن فيه ،فوافق نعيم وأتى بالذئبين معه ،لكنه رغم ذلك لم يجد السّعادة التي كان يعيشها ،وبقي دائم التّفكير في أخته فأين هي؟ فهو لم يعد غاضبا منها ،وكان يجد تسلية كبيرة في تذكّر لمسات ابنة الجمّال على جسده وهي تداويه ،فالبنت جميلة وتحبّه ،لقد وعدها بالرّجوع ،وسينفّذ وعده، فلقد صار الآن أحسن حالا، ولا ينقصه المال ،ثم أنّه لا يريد أن يظنّ به الجمّال السّوء ،وهو الذي أواه في بيته وأكرمه .
هذا ما كان من أمر نعيم ،أمّا أخته لمياء فقد قابلت السّلطان الذي أعجب بها ،وألبسها أحسن الثياب ،وكساها بالجواهر ،وحين أعلم أمّه جاءت لرؤيتها ،وقالت له ،الفتاة رائعة الجمال ،لكن لا نعرف عنها شيئا، هل لها أهل ؟ أجابها: نعم ،وسيأتون للتّحدث معك !!! ولمّا سأل علاء الدين لمياء عن أخيها ،ظهر عليها الانزعاج ،وقالت: لا أعلم ما حصل له ،ربما مات في المعركة ،فلقد كان يجري ورائي ،صاح السّلطان: كيف يحصل ذلك ؟ لماذا لم تطلبي من الجنود إبعاده أو حتى أسره !!!في الغد سأل قائد الفرسان، فأجابه أنّها هي من أمرتهم بقتله ،لم يصدّق علاء الدّين أذنيه، فلم يتوقّع أن تفعل فتاة صغيرة ذلك ،وقال في نفسه: إذا لم يجد أخوها فيها الخير، فهل سأجده أنا ؟ لقد كان الأجدر أن أبحث على الأخلاق قبل الجمال ،.ولم يعد السّلطان يريد رؤية وجه لمياء التي استغربت من التغيّر المفاجئ لعلاء الدين …

يتبع الحلقة 6 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق