مقالات
قراءة في كتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (3)
بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
*؛بوكاي الطفل، بوكاي المتأمل، بوكاي المتسائل، بوكاي الجريء!
– لا حرج في البحث عن الحقيقة، ولا حياء ولا خجل في ذلك، حتى لو كانت الحقيقة تخالف التوقعات والقناعات فالعالِم المتجرّد للعلم هو الذي يجعل من الحقيقة ضالّته وهدفه، فلا يوجد في رحلة العلم محاباة أو خوف أو وجل.
– لقد أشرتُ في مقالة الأمس الى الحادثة التي أثّرت في حياة موريس بوكاي واعتُبِرت المحطة الأولى المتميزة والمُؤثّرة في حياة بوكاي، ولأنه لم يقتنع كذلك بالاجابة التي قدمها له مدرّس الديانة الأب المعلم.
– ودعونا نتابع ما قاله بالحرف: تعمقت في الإنجيل، وتعمقت في التوراة، وقرأت في الديانات الأخرى!” ويُضيف: “بعد أن تعبت في البحث عن مضامين الحقيقة بين الدين والإيمان، ذهبت إلى القرآن، قال: ونحن تربينا على أن آخر كتاب يمكن أن نلجأ إليه هو القرآن!! ثم يضيفُ كلامًا مهمًا وهو: “وأقبلت على القرآن، وعندي يقين جازم أنّ كاتِبهُ محمّدًا! وأنه كتاب بشريّ، وأنه ملحون على الله!!”؛ -طبعًا هذا بحسب الثقافة التي نشأ وترعرع عليها-.
– بدأ الرجل قراءة القران بالفرنسية وبالرغم من ذلك بدأ يظنّ ويعتقد أن الأمر مثير وكلما تمعن أكثر في القرآن كلما ازدادت قناعته بأن هذا الكتاب يستحق التأمّل فيه أكثر ولكن ترجمة القرآن بالفرنسية لن توصله إلى ضالّته المنشودة، لأن اللغة الفرنسية تختلف عن اللغة العربية والمضامين اللغوية تختلف كذلك، ولذلك كان لا بد من اتخاذ خطوة متقدمة أخرى نحو اللغة العربية، فيقول: “آمنت بعد مدة أنه لا جدوى من قراءة القرآن مترجماً إلى الفرنسية، ولا الإنجليزية؛ -مع أنه يتقنهما معاً-، ويضيف: “بدأت أتعلم العربية في سن 60!”؛ -فكان بعد تدريسه صباحاً في كلية الطب جامعة السوربون، وقيامه بجراحات مضنية في المستشفى المركزي في باريس، يأتي في المساء وهو الذي تقدّم في السنّ فيذهب إلى معهد متخصص في تعليم اللغة العربية! ويكابدُ تعلُّم لغة صعبة بالنسبة له، بل ومعقدة!. إلّا أن إسراره ورغبته وتجرّده للعلم ساهموا في وصوله إلى مبتغاه، وبعد سنتين كاملتين أتقنها بالرغم من كثرة اشغاله وأعماله وتقدمه في السن!
– مما لا شك فيه أن قراءة القرآن بغير العربية لغته الأصلية لن يصل الإنسان من خلالها إلى مكامن الإعجاز؛ لأنها لغة دقيقة، وضرب مثالاً واحداً على ذلك كان قد لفَتَ نظره كونه طبيب، وهي: كلمة: (العلقة) التي وردت في سياق الآيات التي تشير إلى تطور خلق الله سبحانه وتعالى للجنين في بطن أمه، فقال: “العلَقة لا تُتَرجم في الفرنسية إلا بجملة كاملة أي: الشيء الذي يلصق في الجدار، قال: فالعلقة لا تُفهمُ إلا هكذا، قال: ليس عندنا في اللغة الفرنسية، ولا في اللغة الإنجليزية مقابل لهذه اللفظة، قال: فمن أدرى محمّداً بهذه المرحلة التي كانت إلى عام 1950م مجهولة وغير معروفة؟! إلى أن جاء الأطباء وشرّحوا ملايين الحيوانات في مراحل دقيقة من الحمل كل سنةٍ وكل شهرٍ، وكل يوم، فوصلوا إلى أن هناك مرحلة تسمى العلقة، وأضاف: لا بد أن أعرف أسرار الإعجاز في القرآن في الجانب العلمي من اللغة العربية”… وأما المزيد من الأحداث فسوف أتناولها بمشيئة الله في مقالة الغد فكونوا على موعدنا المتجدد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1592)
25. شوال. 1445 هـ