مقالات
تأثير الانحراف الاجتماعي على تشكيل شخصية المجتمع (8)
بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة
* تأثير الانحراف الاجتماعي على تأخير وعد الله بالتمكين (1)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
تناولنا في مقالة الأمس نقطتين أخيرتين في تأثير الانحراف الاجتماعي على تفكك الهوية الوطنية، أما في هذه المقالة فسوف نضع فرضيّة بصيغة سؤالٍ ونناقشها والفرضيّة تقول: هل هناك تأثير للانحراف الاجتماعي عن المعتقدات والقِيم على قضيّة التمكين في الأرض للمجتمع وللأمّة؟ وللأجابة على هذا التساؤل أبدأ بالآتي:
– تتشكل الأمة الإسلامية كغيرها من الأمم من مجتمعات متعددة الأعراق والأحساب والأنساب والأجناس البشرية والألوان، ولكنّ الذي يجمعها هو الإله الواحد، والعقيدة الواحدة والنبيّ الواحد والكتاب الواحد، وقد عزّت هذه الأمة بين الأمم وعلَت وسَمَت وأصبحت مجتمعاتها الإسلامية تشكّل النموذج البشري الفريد الذي يقدم للبشرية الخير كلّ الخير، وفي أقل من نصف قرن من الزمان إمتد الفتح الإسلامي من الهند شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وهي سرعة قياسيّة مذهلة لا مثيل لها في تاريخ البشريّة كله، ولم تكن المُكتسبات حيازة الأراضي وفتح البلدان فقط! وإنما كان الكسب الأعظم هو القلوب التي اهتدت بنور الله، ثمّ دخلت في دين الله أفواجًا، وقد يقول قائل هل سوف نبقى نتغزل بالماضي ونقول كُنّا وفتحنا وسيْطرنا وحكمْنا كمجتمعات إسلامية جُلّ المعمورة؟ فحدّثنا عمّا آلت إليه أوضاع الأمة ومجتمعاتها في هذا الزمان، فما مضى أصبح من الماضي، فماذا عن الحاضر يا تُرى؟
– ذكرنا فيما مضى من مقالات وسلاسل متنوعة أن الأمّة تمرّ في مراحل حياتها ووجودها كما يمر الإنسان في مراحل حياته، حيثُ يولد ثمّ يعيش فترة الصِّبا، ثمّ الشباب والكهولة والشيخوخة ثم يموت، وهكذا تعيش الأمة في مراحل وجودها وبمجتمعاتها، وأنا هنا لا أبغِ دغدغة المشاعر بهذا التذكير إنما لأخذ العبرة والانتباه إلى أسباب الرِّفعةِ والعزّة، وكذلك إلى أسباب الهزيمة والذّّلة والهوان، لعلّ ذلك يكون محفّزًا للتغيير بعد وضع الاصبع على الجرح وتشخيص الحالة بهدف الخروج من هذا الواقع المعقّد والمُركّب للأمة بكافة مجتمعاتها، ويمكن هنا طرح سؤال آخر: كيف ولماذا وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه في ماضيها المشرق؟ ثم لماذا وصلت إلى ما وصلت إليه في هذا الحاضر المعقّد؟
– في الحقيقة “ما كانت الأمة الإسلامية تقدر على دك حصون الشرك، واقتلاعها بمثل هذه السهولة، وبمثل هذه السرعة، وما كانت لتقدر على إبراز تلك المُثُل الرفيعة التي أبرزتها في عالم الواقع، من إقامة العدل الرباني في الأرض، ونظافة التعامل، والوفاء بالمواثيق، وشجاعة النفس، والبطولة الفذة في ميدان الحرب والسلم على حدٍ سواء، وما كانت لتقدر على إنشاء حركتها العلمية الضخمة، ولا حركتها الحضارية السامقة.. ما كانت لتقدر على ذلك كله، ولا على شيء منه، لولا هذا الإحساس العميق لديها بأنها في ذلك كله تقوم بتطبيق منهج ربّها من خلال اعتبار أن جميع ما تقوم به هو عبادة لله الذي خَلق الله الإنسان من أجلها وهو عزّ وجل القائل في كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56).. وللحديث بقيّة
بمشيئة الله تعالى في مقالة الغد، فكونوا على الموعد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1587)
20. شوال. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)