فلسطين تراث وحضاره

الكنعانيون في فلسطين، موجودون حتى اليوم

بقلم: المؤرخ تامر الزغاري

الكنعانيون في فلسطين، موجودون حتى اليوم
إلى متى حافظوا على ثقافتهم، وهل تأثروا بالدول التي غزت بلادهم، وكيف أصبح الفلسطينيون مسلمين.

فلسطين هي أرض كنعان، ومنها هاجروا إلى سواحل المتوسط وغيرها من المناطق، وأسسوا أعظم الحضارات مثل إمبراطورية الهكسوس والإمبراطورية القرطاجية، ولكن بقيت فلسطين أرضهم المباركة ومنطلق إنتقالهم، وبقي قسم كبير من الكنعانيين يقيم في فلسطين، ومن هنا يطرح السؤال أين ذهب باقي الكنعانيين الذين بقوا في أرض فلسطين؟


سقوط المملكة القيدارية في فلسطين


حافظت فلسطين على هويتها وثقافتها الكنعانية النقية طوال حكم الأسرة العمليقية ثم القيدارية وقد إنتهى حكم الأسرة العمليقية عام ٦٠٣ ق.م على يد نبوخذ نصر البابلي، والذي قام بدعم أسرة إضطهدها أعداؤه الآشوريون فدعم الأمير ماهلي القيداري الذي كان يقيم في فلسطين ليؤسس الأسرة القيدارية التي حكمت فلسطين، وهذه المملكة مختلفة عن مملكة دومة الجندل.


واتخذ ماهلي القيداري من مدينة لكيش عاصمة له، وثم قام إبنه إلياس القيداري بنقل العاصمة إلى مدينة غزة، واستمرت الأسرة القيدارية في المحافظة على الهوية الكنعانية النقية حتى بعد سقوط بابل وإنتقال الحكم للإخمينيين الفرس ، وعلى الرغم أيضا من قيام الفرس بنقل يهود بابل إلى فلسطين إستمرت الأسرة القيدارية وظهرت لها نقوش واثار وعملات في لكيش وغزة وشرق مصر، واستمر حكمها حتى سقوط عاصمتها غزة بيد الإسكندر المقدوني والذي قام بقتل آخر ملوكها الملك باطش القيداري في عام ٣٣٢ ق.م.


تأثر الكنعانيين بالثقافة اليونانية بعد ٣٣٢ ق.م


يعتبر حدث سقوط فلسطين تحت حكم اليونان عام ٣٣٢ ق.م حدثا فاصلا، حيث بعد سقوط غزة عاصمة الفلسطينيين أنذاك إنتقل قسم منهم إلى بلاد قرطاج، وبقي قسم آخر في أرض فلسطين، ولم يكن تأثير هذا السقوط تأثير سياسياً فقط بل ثقافياً أيضا، وقد حكم فلسطين خلال هذه الفترة أسر كنعانية وهي أسرة طوبيا والأسرة الأدومية ثم أتى الحكم الأجنبي المباشر، وخلال هذه الفترة بدأت الثقافة اليونانية تؤثر على الثقافة الكنعانية وهذا يعود للأسباب التالية:

١- خضعت فلسطين لحكم الإسكندر ثم السلوقيين والبطالمة، وقد وضعوا أنظمة وقوانين تم تطبيقها على الشعب، ومن هنا أصبح الإلتزام بالثقافة هو أساس الترقي في المناصب، وأبسط مثال أسرة طوبيا التي حكمت فلسطين من عام ٢٤٠ ق.م، والتي بدأ حكمها عندما إستطاع يوسف بن طوبيا إقناع ملك دولة البطالمة بطليموس الثالث بأنه جدير بالملك.

٢- وجدوا أن الثقافة اليونانية قريبة من الثقافة الكنعانية وأنها قد تأثرت بها سابقا من ناحية الآلهة الوثنية اليونانية التي كانت مشابهة للكنعانية وحتى أيضا من ناحية الألقاب وغيرها، فلقب الباسيليوس الذي كان يحمله ملك اليونان هو بالأساس لقب كنعاني.

٣- أعتبروا التأثر بالأغرقة من أسلحة مواجهة الثقافة اليهودية الجديدة المنغلقة التي أتت من بابل، وهذا يفسر ما قام به الملك منيلاوس بن يوسف بن طوبيا عندما قام بإلغاء الديانة اليهودية وفرض الأغرقة في عام ١٦٧ قبل الميلاد.

٤- الفترة الزمنية الطويلة التي وقع فيها الكنعانيون تحت نفوذهم، بداية من الإسكندر عام ٣٣٢ ق.م حتى قيام الرومان عام ١٠٠ ميلادي بإنهاء حكم آخر ملك فلسطيني يحكم فلسطين حكم ذاتي وهو أغريبا الثاني الأدومي، إلى أن دخلت فلسطين تحت الحكم الإسلامي عام ٦٣٨ ميلادي، أي أننا نتحدث عن حوالي ٩٧٠ عاما.


كيف دخل الإسلام إلى فلسطين؟


يوجد قسم من الفلسطينيين أسلم قبل فتح فلسطين، ومنهم الصحابي تميم الداري اللخمي وقسم من قومه حيث أسلموا في حوالي عام ٦٣٠ ميلادي في زمن النبي محمد (ص).
وقسم من الفلسطينيين حارب المسلمين ولكن بعد الفتح إعتنقوا الإسلام ومنهم زنباع بن روح الجذامي.


أين الكنعانيين في فلسطين


١- يوجد قبائل موجودة في فلسطين إلى اليوم وهذه القبائل معروفة بأصولها الكنعانية مثل القبيلة البراهمية، وقبيلة الزماعرة وغيرهم.

٢- تأثرت فلسطين بالتحالفات العدنانية القحطانية، فالكثير من القبائل قامت بالإنضمام لهما، فمثلا يوجد آراء تقول أن قبيلة جذام أدعت أنها قحطانية لأسباب سياسية، وقصة روح بن زنباع الجذامي الذي حاول نقل انتساب جذام من اليمن إلى فلسطين ومصر شهيرة.

٣- كان في جنوب فلسطين قبيلة تدعي “أهل مدين”، وقد قام الرحالة الإيطالي “أنطونينوس من بياتشينزا” بتدوين نسبها، وذكر أن نسبها يعود إلى رعوئيل، وهو الشخص الذي تزوج النبي موسى (ع) من إبنته، ولكن بعد الإسلام تم تدوين نسب هذه القبيلة مع القبائل القحطانية، وهذا لنفس السبب وهو وجود الحلفين.

٤- من الطبيعي بعد مرور ١٠٠٠ عام أن تتغير الأسماء، فلم يبقى إسم كنعان وظهرت أسماء أخرى.

٥- النظريات التوراتية التي حرفت التاريخ، فمثلا قامت بنقل نسب الأدوميين الكنعانيين إلى عيسو أخ يعقوب، وقام المؤرخون بإعتماد هذا الأمر رغم أنه خاطئ.

٦- ذكر المؤرخ هشام بن الكلبي أن أهل فلسطين وعلى الرغم من إعتناقهم للمسيحية بقوا يحتفظون ويؤمنون بقطع لآلهة وثنية قديمة.


استمرار الثقافة الكنعانية حتى اليوم


ما زالت فلسطين إلى اليوم تحافظ على الكثير من الموروثات الثقافية الكنعانية، فمثلا فوق الكثير من أبواب البيوت شعار كوكب الزهرة وهذا الأمر كان مطبق زمن الكنعانيين، وكذلك نجد الكثير من المساجد والكنائس مقامة على مواقع كانت لمعابد كنعانية، مما يدل على أن السكان الفلسطينيين قاموا بتحويل معابدهم إلى مساجد أو كنائس بناء على الديانة الجديدة التي إعتنقوها،

وكما نجد الثقافة الكنعانية في الملابس المطرزة التي تلبسها النساء في فلسطين، بما تحمله هذه الملابس من ألوان وشعارات تعود للعصر الكنعاني، وغيرها الكثير الكثير من الأمثلة التي تؤكد أن الشعب الفلسطيني إلى اليوم يعتبر إستمرارية للحضارة الكنعانية التي كانت قبل آلاف السنين.

***** المصادر:

١- أنساب العرب: ابن الكلبي
٢- الإستيعاب:ابن عبد البر.
٣- الهيئة الإجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية: هتون الفاسي
٤- جمهرة أنساب العرب: ابن حزم.
٥- تبيان الحدود في العصور القديمة: هشام أبو حاكمة.
٦- أديان العرب قبل الإسلام: جرجس داود.
٧- تاريخ فلسطين: مناحم ستيرن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق