مكتبة الأدب العربي و العالمي

قِصَّةٌ شَعْبِيَّةٌ قَصِيرَةٌ الْواوي وَالْفَخُُُّ

أ. د. لطفي منصور

لِهَذِهِ الْقِصَّةِ جُذُورٌ في كِتابِ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ لَكِنَّها تَخْتَلِفُ في الْمَكانِ والزَّمانِ ، وَتُرْوَى شَعْبِيًّا بِاللُّغَةِ الدّارِجَةِ. يَتَمَثَّلُونَ بِها، فَهِيَ تَنْطَوِي عَلَى حِكْمَةٍ جَمِيلَةٍ مُهِمَّةٍ. وَلِلْمَعْرِفَةِ فَإنَّ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ مِنْ بَناتِ آوَى. وَضَعَ بَيْدَبا الْفَيْلَسُوفُ الْهِنْدي عَلَى لِسانَيْهِما حِكَمًا وَمَواعِظَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْحَيَواناتِ وَالطُّيُورِ ، يُحَذِّرُ بِها دَبْشَليمَ مَلِكِ مِنْ مَغَبَّةِ الظُّلْمِ لِلرَّعِيَّةِ، وَنَجَحَ في هَذا نَجاحًا تَامًّا.
أَصْلُ الْكِتابِ بِالْهِنْدِيَّةِ ثُمَّ تُرْجَمَ إلى الفارِسِيَّةِ الْفَهْلَوِيَّةِ عَلَى يَدِ الطَّبيبِ بَرْزَوَيْهِ بِأَمْرٍ مِنْ كِسْرَى أنو شِروان، وَنَقَلَهُ الْكاتِبُ عَبْدُ اللَّهِ بنِ الْمُقَفَّعِ إلى الْعَرَبِيَّةِ في القَرْنِ الثّاني الْهِجْرِي، وَهُوَ إنْجازٌ عَرَبِيٌّ عَظِيمٌِ.
وَبَناتُ آوَى عِنْدَنا في حِكاياتِنا الشَّعْبِيَّةِ يَتَكَلَّمْنَ وَيَرْمُزٍنَ وَيَكِدْنَ وَيَغْدُرْنَ.
قِصَّةٌ شَعْبِيَّةٌ تَحْكُي ما حَدَثَ بَيْنَ واوي السَّهْلِ وَواوِي الْجَبَلِ .
كانَ واوِي السَّهْلِ إذا جاءَ الصَّيْفُ يَعِيشُ رَغَدًا، فَهُناكَ التُِّينُ الذّابِلُ، وَمَقاثِي الْبِطِّيخِ وَالشِّمامِ، وَكُرُومِ الْعِنَبِ والْفَواكِهُ، يَأْكُلُ ما يُريدُ وَيَسْمَنُ، وَكانَ عالِمًا بِجَغْرافِيَّةِ الْمَكانِ بِالشِّبْرِ، حَذِرًا مِنَ الْفَلّاحينَ، يَعْرِفُ مَكائِدَهُمْ، في نَصْبِ فِخاخِهِمْ لِصَيْدِهِ فَيَتَجَنّبُها، وَيَعْرِفُ حُفَرَهُمُ الْعَمِيقَةَ لِإيقاعِهِ بِها فَيَبْتَعِدُ عَنْها، وَيُحْدِثُ خَسارَةً كَبيرَةً في تَخْرِيبِهِ لِلْكُرُومِ وَالْمَزارِعِ .
أَمّا في الشِّتاءِ فَيَتَضَوَّرُ جُوعًا، فَيُهْرَعُ إلى نِفاياتِ الْقُوْمِ يُفَتِّشُ عَنْ كِسْرَةِ خُبْزٍ يَأْكُلُها، أَوْ بَقايا عِظامِ دَجاجَةٍ يَقْضُمُها
وَعِنْدَما يَغْلِبُهُ الْجُوعُ يَتَوَجَّهُ إلى الْجَبَلِ ، فَيَجِدُ واوِي الْجَبَلِ لَمْ يَتْرْكْ لَهُ شَيْئًا يَسُدُّ رَمَقَهُ، فَيَذْوِي وَيَنْحَلُ وَيَنْتَظِرُ الصَّيْفَ بِفَراغِ الصَّبْرِ.
وَصَدَفَ أَنْ تَلاقَى في – أَحَدِ الْأَوْدِيَةِ – واوِي الصَّيْفِ مَعَ واوِي الْجَبَلِ ، وَكانَ الْفَصْلُ صَيْفًا، وَبَعْدَ السَّلامِ وَالتَّحِيَّةِ لاحظَ واوِي الصَّيْفِ صاحِبَهُ هَزِيلًا، فَقالَ لَهُ:
– ما خَطْبْكَ؟
– إنِّي أَكادُ أَهْلَكُ جُوعًا وَعَطَشًا.
– إنِّي أَدْعُوكَ إلى السَّهْلِ في ضِيافَتِي، حَيْثُ الْخَيْرُ الْوَفِيرُ، وَالنِّعَمُ الَّتي لا تُحْصَى.
– اُتْرُكْنِي يا صَدِيقِي مِنَ الْمَخاطِرِ وَالْمَهالِكِ وَفِخاخِ الصَّيّادِينَ.
– لا تَخْشَ وَأَنا مَعَكَ أَعْرِفُ الْأَرْضَ شِبْرًا شِبْرا.
أَرادَ واوِي السَّهْلِ إهْلاكَ واوِي الْجَبَلِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ
اقْتَنَعَ واوِي الْجَبَلِ الْجائِعِ وَسارَ مَعَ صاحِبِهِ إلى مَقاثِي الْبِطِّيخِ وَكًُرومِ الْعِنَبِ وَالتِّينِ ،
وَأَخَذَ يَهْشُمُ وَيَأْكُلُ حَتَّى امْتَلَأَ.
وَكانَ واويِ السَّهْلِ يَقُودُهُ إلى فَخِّ الْفَلّاحِ ، يَمْشيِ حَتَّى وَقَعَ في الْفَخِّ، وَكُسِرَتْ ساقُهُ، فَأخَذَ يَصِيحُ مِنَ الْأَلَمِ وَيَتَوَسَّلُ لِصاحِبِهِ أَنْ يُنْقِذَهُ.
– لِماذا غَدَرْتَ بي سَأَلَ واوِي الْجَبَلِ صاحِبَهُ.
– أَرَدْتُ أَنْ أسْتَريحَ مِنْكَ شِتاءً لِأَنَّكَ لا تَتْرُكُ لٍي طَعامًا.
وَقَبْلَ أَنْ يُغادِرَ واوِي السَّهْلِ صاحٍبَهُ سَألَهُ الْجَرِيحُ:
مَتَى تَقُومُ الْقِيامَةُ؟
– الْقِيامَةُ بَعِيدَةٌ، أمّا قِيامَتُكَ فَعِنْدَما يَأْتِي الْفَلّاحُ صاحِبُ الْفَخِّ.
مُلاحَظّةٌ:
اسْتَعْمَلْتُ كَلِمَةَ واوِي اخْتِصارًا بَدَلَ ابْنِ آوَى، لِأَنَّها الدّارِجَةُ في لُغَتِنا. وَهِيَ اسْمٌ صَوْتِيٌَ اشْتُقَّتْ مِنْ وَلْوَلَةِ ابنِ آوَى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق