مكتبة الأدب العربي و العالمي
عيشة_بنت_الصياد . الجزء الثالث والاخير
《وبينما كان ابن السلطان في زورق يصيد السمك ،ورأى شيئا أبيض تجرفه الأمواج ،فإلتقطه ،ولما رآه وجدها قطعة من الحرير عليها زخارف بديعة لم ير مثيلا لجمالها ،وكان عليها عطر فواح ،قرّبها من أنفه ،وإستنشقها ،فأسكرته رائحتها ،وقال في نفسه ،سأبحث عن صاحبتها ،وأتزوج منها سواء كانت من الإنس أو الجن أو حتى من حوريات البحر》 …
قالت السّمكة لعيشه بعدما وجدتها على شاطىء تلك الجزيره :سأحضر لك أحد خيول البحر ،وسيوصلك إلى داركم ،وعليك أن تحذري من زوجة أبيك، فهي لن تتردد في التخلص منك مرة أخرى !!! أجابت عيشة :لم أكن أتخيّل أنها بمثل هذه القسوة، يجب أن أصارح أبي بما يحدث ،لقد كنا سعداء بدونها . الآن لدينا المال، وبإمكانه أن يتزوّج جارية أجمل وأصغر منها . بعد دقائق جاء حصان وردي اللون ،وقالت لها السمكة : هذا هدية لك ،سيسبح قرب الشّاطئ ،وبإمكانك الرّكوب عليه والتّجول بين الجزر الصّغيرة في البحر .ولقد أعطاك أبي ملك الأسماك شيئا لك ،وأخرجت لها صرّة صغيرة فيها جواهر ،ففرحت به عيشة ،ووضعتها في جيبها ،ثمّ ودّعت السّمكة ،ورجعت إلى الدّار .
رأتها زوجة أبيها، وقالت :لا أفهم كيف رجعت ،لكنّها لا يجب أن تبقى هنا !!! ثم أخذت عصا ،وضربتها ،وجاءت إبنتها ،وشدت شعرها ،لكن المسكينة عيشة أفلتت منهما ،وهربت في الغابة ،ثم شرعت في البكاء ،ولم تعرف أين تذهب.فالليل بدأ في النزول .ما رجع الأب في المساء قالت له زوجته :إن عيشة يسكنها الجن ،فلقد ضربت أختها ،وكادت تقتلها ،نظر إليها الصياد وإندهش لكثرة العضّ والقرص في جسمها ،وصاح: كيف تفعل ذلك ؟ الويل لها إن وجدتها أمامي !!! أين هي الآن ؟ أجابته : لقد هربت إلى أصدقائها الجن في الغابة ،إسمع يا رجل لا أريدها أن ترجع إلى هنا هل فهمت ؟ صمت الصياد ،ثم قال الآن أريد أ أتعشى وأنام ،وفي الصّباح سأذهب للبحث عنها ،وأحملها لأحد الشيوخ ليقرأ عليها القرآن .
هامت عيشة على وجهها في الظلام، وبدأت تشعر بالبرد والرهبة ،وفجأة رأت نورا خافتا فإتجهت ن،وكان يصدر من كوخ صغير، ولمّا دقت الباب خرجت لها مرأة قبيحة المنظر ،فخافت منها، وهمت بالهرب ،لكن وصل لأنفها رائحة طعام شهي ،وأحسّت بالجوع ،فتمالكت نفسها ،وقالت :لقد ضعت في الغابة، وأريد أن أبيت عندك هذه الليلة !!! كانت تلك المرأة غولة ،وخاطبت نفسها : غدا أجعل منك قديدا ،فليست لي عولة للشتاء ،دخلت عيشة ،وأكلت حتى شبعت ،ثم نامت حتى الصباح ،ولمّا إستيقظت وجدت ساقيها مربوطتين ، والمرأة تشحذ سكينا ضخما، وتغني :
أعدّ عولة
مثل كلّ مرّة
قديدة فيها شحمة وعظمة
أغطها بالزّيت
وأخفيها في جرّة
لكي لا تأكلها الفأرة
فهمت عيشة أنّ تلك المرأة غولة ،و تريد أن تأكلها ،ففكّرت قليلا ،ثم قالت لها : كما ترين فأنا بنت صغيرة أعاني من الجوع ،ولا أنفع لطعامك ،لكن أمنحك صرّة فيها جواهر، تشترين بها قطيعا كاملا من الثيران والكباش ،وسأساعدك في عولة القديد، والكسكسي ،والزّيتون المملح !!!
لمّا سمعت المرأة ذلك لوّحت بسكينها ،وقالت: إرمي الصّرة، وإياك أن تحاولين خداعي ،وإلا دققت عظامك !!! أخرجت عيشة الصرّة، ورمتها لها ،ولمّا فتحتها ظهر السرورفي عينيها ،وقالت من أين حصلت على كلّ هذا المال أيتها الماكرة ؟ أجابتها : فكّي وثاق الأول، وسأروي كل شيئ . لم تشأ عيشة أن تبوح لها بسرّ السّمكة ،وأخبرتها أنها تطرز الحرير بخيوط الذهب والعدس الملون، وتبيعه في السوق للأعيان ،و الزخارف التي تقوم بها بديعة جدا لا يوجد لها نظير إلا عند الجن .
قالت المرأة : مدهش ،والآن هيا بنا نشتري طعامنا ،ونعد عولتنا ،أعرف ضيعة قريبة كنت أسرق منها ،لكن صاحبها ملأها بالكلاب وقطع رزقي ،أمّا اليوم سأدفع لذلك اللعين ثمن ما آخذه ،وسينقل كلّ شيئ حتى باب الكوخ،أمّا نحن سنرتاح قليلا في الظلّ ..
#عيشة_بنت_الصياد
الجزء الخامس
غرام إبن السّلطان ……
غطت الغولة رأسها وذهبت مع عيشة للّضيعة واشريا أربعة أبقار سمينة وأكياسا من القمح والشعير وجرارا من الزيت ،وكثيرا من الدجاج ،ولما رجعا ذبحت الغولة عجلا ،وطبخت كسكسي باللحم والفلفل الحار،وأكلت عيشة ونامت ،بينما الغولة تعدّ القديد ، ،كانت قوية ،وتعمل بنشاط ،ولمّا نهضت البنت من النوم ،وجدتها قد أتمّت تقطيع كلّ العجل ووضعه في الشّمس ليجفّ ،وخزنت العولة في الدهليز ،وكلّ شيئ كان مرتّبا في مكانه ،ثمّ خرجت من الكوخ فوجدت الماشية ترعى والدّجاج ينقر الحب، فأحسّت بالراحة بعيدا عن زوجة أبيها وإبنتها اللعينة ،وقالت في نفسها والله لن أرجع لدارنا ما دامت تلك المرأة تعيش فيه ،والغولة أحنّ منها .
في المساء أعدّت عيشة برّاد شاي على الكانون، وجلست أمّها الغولة على حصيرة ،وقالت لها :الآن قصّي علي حكايتك فإنّي أحبّ سماعها !!! بدأت عيشة تروي ما حلّ بها بعد موت أمّها ،وكيف حاولت امرأة أبيها إغراقها في البحر ،وكيف ضربتها وطردتها . غضبت الغولة ،وقالت : أعدك بالإنتقام منها ،لقد كان لي إبنة في مثل سنك، لكن مرضت ،و بعد بضعة أياّم ماتت،ومنذ ذلك الحين ،وأنا أعيش بمفردي ،إسمعي !!! من اليوم أنت إبنتي ،ولن أسمح لأحد أن يمسك بسوء، تعالي واجلسي في حضني ،أحسّت عيشة بإطمئنان لم تحسّ بمثله منذ زمن طويل ،وأغمضت عينيها ونامت .
في الصّباح وجدت حليبا طازجا وخبز طابونة وزيتونا ،فلما أكلت ومسحت يديها جاءتها الغولة ،وقالت أنظري ماذا أحضرت لك من السّوق !!! صاحت عيشة بفرح ،فلقد مدّت لها سلة فيها حرير، وإبر وخيوط الذهب والفضة ،وكل ما يلزم للتطريز .
جلست البنت أمام باب الدّار ،وأخذت قميصا من الحرير وزينته بأحد بالزخارف التي رأتها في مملكة الجن ،وفي المساء نادت الغولة ،وأرتها القميص الذي طرزته فإندهشت ،وقالت :لم أر في حياتي شيئا أجمل من ذلك سنكسب كثيرا من بيع شغلك ،وسننشأ مزرعة صغيرة قرب الدار .كانت الغولة تجمع كل أسبوع ما تطرزه البنت ،وتنزل إلى السّوق لتبيعه ،وسرعان ما أصبح التجار يتنافسون على بضاعتها ويشترونها بأغلى الأثمان.
ذات يوم كان إبن السلطان يتجول في السوق ورأى ذلك الشّغل في يدها، فتذكر القطعة في البحر ،إقترب من الغولةوسلم عليها ، وسألها هل إبنتك هي من صنع هذه الأشياء الجميلة ؟،تردّدت قليلا ،وأجابته: نعم يا مولاي وهي في خدمتك،قال لها :أريد أن أراها ،حاولت الغولة أن تتهرب ، وقالت له إنها ليست جميلة ،لكنه أصرّ،فلم تجد بدا من إستدعائه إلى دارها ،وهي تبالغ في إخفاء وجهها ،ولما وصلت إلى الكوخ ،صاحت: تعالي يا عيشة، أحدهم يريد رؤيتك !!!
جاءت البنت تجري، ولما رأت الأمير واقفا ،ويحيط به الحرس غطت رأسها بقطعة الحرير التي في يدها ،فتعجّب الجميع من جمالها وحيائها ،وقال الأمير كنت متأكدا أن الأيادي التي عملت كل ذلك لا بد أن تكون صاحبتها جميلة !!!: سيأتي أبي لخطبتك من أمّك فلقد أمضيت أياما طويلة أحلم بك حتى وجدتك ،ستكونين أميرة قلبي وأعطي أمّك ما تشترطه من مهر …
قالت عيشة: لا بدّ أن تخطبني إذا من أبي ،وهو يعيش على حافّة البحر ،ولقد تزوّج امرأة أخرى تكرهني، لذلك أعيش في الغابة مع أمّي !!! قال إبن السّلطان :لا بأس ،غدا نجيئ مع الهدايا ،ونذهب إلى داركم . لم تنم البنت ليلتها من شدّة السّعادة ،فالأمير كان لطيفا جدّا معها ،ويعشق كلّ ما تعمله من زخارف ،لكنّها لم تكن مطمئنّة إلى زوجة أبيها ،فهي امرأة حقودة ،ولا تريد لها الخير .
في الصّباح جاء موكب السّلطان ،فأقبلت الجواري على عيشة، وأعددن لها حمّاما ،ومشطن شعرها، وألبسنها ثوبا من الحرير الوردي ،ووضعن عقود اللؤلؤ في رقبتها ،والأقراط في آذانيها، وخلاخل الذهب في رجليها ،ولمّا خرجت لتركب في هودجها ،بهت كلّ من رآها من الأعيان ،وأوّلهم السّلطان ،الذي كان منزعجا من أنّ عيشة ليست إبنة ملوك ،لكنّه سكت لمّا شاهد حسنها البديع ،وتحوّل إنزعاجه إلى غبطة ،فقبّل رأسها ،وقال: أهلا بإبنتي ،سترفعين قدرنا لمّا يأتي جيراننا من السّلاطين لحضور عرسك ،فلا أحد منهم له جارية مثلك في قصره .
كانت امرأة صيّاد السّمك تكنس أمام بيتها حين رأت موكب السّلطان، قالت في نفسها : لا شكّ أنّ زوجته أو إحدى بناته داخل الهودج ،فهو مجلّل بالحرير والدّيباج، لكنّها تعجّبت لماّ رأت الموكب يقترب منها ،والتفتت يمينا وشمالا فلا يوجد غير دارها الصّغيرة ،فماذا جاء السّلطان يفعل هنا ؟ قطع عليها حبل أفكارها أحد العبيد يسألها عن زوجها ،أجابت : إنّه بالدّاخل !!! قال لها : أطلبي منه أن يجيئ لاستقبال مولاي السّلطان ،هيا أسرعي يا امرأة ،ولا تدعينا ننتظر !!! زاد تعجّبها، لكنّها جرت إلى داخل الدّار، وقالت لزوجها هناك ضيف في انتظارك ،سألها ومن هذا الذي جاء ليقلق راحتي ؟ أجابته: إنه السّلطان، قال: ويحك، هل هذا وقت المزاح ؟ ردّت عليه : إنها الحقيقة ،أخرج ،وانظر بنفسك إن لم تصدّقني .
لمّا خرج ،قال له العبد: تعال سلّم على سيّدك !!! ولمّا رأى السّلطان واقفا أمامه، اعتقد أنه جاء لجمع الضّرائب ،فأخرج صرّة من المال ،وقال له: أعذرني يا مولاي أنّي تأخرت في الدّفع ،ضحك السّلطان ،وقال: لم أجئ لأخذ مالك بل لخطبة ابنتك عيشة ،إحتار الرّجل ،وقال : لقد اختفت في الغابة . ولا أعرف مكانها !!! أجاب السّلطان: لا تقلق ،إنها معي في الهودج ،ثمّ ناداها ،وقال: تعالي يا عيشة ،جاءت البنت إلى أبيها ،وهي في أحلى زينة ،فعانقها ،وقال: كيف تذهبين وتتركينني ؟ أجابت: سأخبرك بكل شيئ فيما بعد ،لا بد أن نتكلم ،قال: بالطبع، لكن لنقود أوّلا ضيوفنا إلى الداّخل ،ونقدّم لهم شيئا يأكلونه، ويشربونه .
دخل السّلطان وإبنه والغولة ،وجلسوا ،ثمّ قال لهم الصّياد: سأشوي لكم سمكا طازجا ،وستنضج إمرأتي خبز الشّعير والمرق على الحطب ،أمّا عيشة ستقدم لكم شراب الورد !!! لمّا سمعت زوجة الأب بالحكاية، أحسّت بالحقد، وأظلمت الدنيا في عينيها، وقالت :كلّ مرة أطردها ،ترجع منتصرة ،لا أعرف ما الذي عليّ فعله للقضاء عليها ؟ لمّا حضر الطعام أكل الجميع ،وانبسطوا ،وسرّ السلطان لهذه الضّيافة ،وقال : سأطلب من طباخي أن يعدّ لي مثل طعامكم فلقد كان مذاقه جيدا .
أمّا الآن فماذا تريد مهرا لعيشة ؟ رد الصياد: لا شيئ، فقط أتمنى أن أراها كل يوم ،قال السّلطان: لك هذا بإمكانك أن تأتي للقصر متى شئت، وسأمنحك مائة بقرة ،ومثلها من الخرفان والماعز ،وعشرة من العبيد ،وهذا ليس كثيرا على عيشة !!! لم يصدّق الصّياد نفسه، فلقد أصبح بفضل إبنته غنيّا ،ونسيب السلطان .
كانت زوجة الأب تفكّر في حيلة لإفساد زواج عيشة ،فهي لا تطيق أن تتزوج تلك اللعينة إبن السّلطان، وتبقى إبنتها بائرة ،وفجأة خرجت الغولة أمام الدار ،وكانت تعتقد أنها وحدها ،فرفعت الغطاء عن رأسها، وقالت : ما أشدّ الحرّ هذا اليوم ،فرحت المرأة لما رأتها ،وقالت في نفسها: الآن أعرف كيف سأفسد زواجك ..
#عيشة_بنت_الصياد
الأخيرة
إنتقام القطّة…….
في المساء حملت زوجة الأب إبنتها، وتبعتا عيشة من بعيد حتّى عرفتا دار الغولة ،وإنتظرتا حتى خرجت مع عيشة للسّوق ،ثم دخلت المرأة ،وقيّدت إبنتها في دهليز العولة ،بعد ذلك جرت إلى قصر السّلطان،وقالت للأمير : أنصحك بالإبتعاد عن إبنة الصّياد فهي ساحرة ،وأمّها غولة، وهما يخطفان الأطفال و يأكلونهم !!! لم يصدّق الأمير ،وقال لها : ويحك ،لو كنت تكذبين لضربت عنقك .
قالت له تعال معي وسترى بعينك ،سار الأمير في حرسه ،ولما وصلوا لدار الغولة ،وجدوا بنتا مقيّدة في الدهليز، وبجانبها سكاكين كبيرة ، ولم دخلوا غرفة النوم رأوا حذاءا أكبر من كل أحذية المدينة، وجميع الأشياء كانت ضخمة. إنتظر الأمير حتى رجعت الغولة من السّوق ،ثمّ وقف. وقال لها :إرفعي هذا الغطاء ،وأرني وجهك !!!
تفاجأت عيشة من وجود الأمير هنا ،وسألته: لماذا لم تعلمني يا مولاي بنزولك ضيفا علينا ؟ أجاب :بغضب : لقد حاولت خداعي ،فما أنت إلا فتاة سيّئة ،تعاشرين الجن والأغوال، و تتضاهرين لي بالطيبة !!! إسمعي ، لا أريد رؤيتك بعد الآن ،فقد عرفت كلّ شيء،ورمى إليها بالمنديل الذي وجده في البحر، وقال : الآن عرفت لماذا لا نجد لزخارفك نظيرا عند الإنس !!! بكت عيشة لمّا سمعت هذا الكلام ،ولم تردّ عليه .
لمّا إنصرف موكب الأمير،إحتضنتها أمّها الغولة ،وقالت :إني أشمّ رائحة امرأة وفتاة كانتا في داري !!! مسحت عيشة دموعها ،وأجابت: دون شكّ هما : زوجة أبي وإبنتها.لقد فهمت لماذا تغيّر فجأة الأمير . هذه المرّة لن تمرّ فعلتها دون عقاب والويل لها منّي .في الليل لم تنم عيشة ،ولمّا تذكرت الأمير أصابتها الحسرة ،وسالت دموعها ،وبينما هي كذلك أحسّت ،بشيئ دافئ بجوارها ،كانت صديقتها القطة ،وقالت لها :لقد سمعت بكائك فجئتك ،قصي على ما حدث ،وما هو سبب حزنك ؟ حكت لها عن امرأة أبيها وكيف نغصت عليها ،عيشتها، وأفسدت عرسها.
هزّت القطة رأسها وأجابت : يبدو أنّ تلك اللعينة لم تفهم الدّرس، المرّة الفائتة ،أمّا الأمير فاتركه لي ، وسيجيئ لحدّ قدميك يطلب رضاك ،الآن هيا نامي ، فالصّباح أوشك على الطلوع . في الغد طلبت القطة من الغولة أن تصنع طبقا من الحلقوم بالفستق وماء الورد طيّب الرائحة. ثم أخذت عشبة ،ورمتها في القدر ،وقالت: السّحر لن يصيب إلا الأمير ،.
لمّا حضر الطّبق ،تنكرّت عيشة ،وذهبت للقصر، ولما سألها للحرس عن سبب مجيئها أخبرتهم أنها زوجة صيّاد السّمك ،وبما أنّ إبن السلطان يحب الحلقوم فإنها اجاءته بهدية . لمّا رأى الأمير الطبق إشتهى أن يأكل منه ،وكالعادة جاء الطباخ ،وتذوّق قطعة ،ثمّ قال : والله لم أذق في حياتي أطيب منه طعما ،ثم أكل الأمير ،حتى شبع لكن في المساء أصبحت أذناه طويلتان مثل الأرنب،فإختفى في حجرته، ولم يعد يخرج منها ،وأمر بزوجة الصّياد وابنتها فجائوا بهما ،وضربهم العبيد بقسوة ،ورموهما في سرداب مظلم مليئ بالخنافس عقابا لهما .
وفي أحد الليالي أخذت القطة شكل جارية جميلة ،ولمّا فتح الأمير عينيه وجدها أمامه ،فصاح : من أنت ؟ ومن سمح لك بالدّخول ؟ أجابته: ما حلّ بك ،هو جزاء من الله على ظلمك بنيّة يتيمة ،فعيشة تحبّك ،وتلك الغولة تعتبرها إبنتها ،و لقد تغيّر طبعها ،وأصبحت مثلكم ،أمّا رأيته في الدّهليز هو من كيد زوجة أبيها !!! وإعلم أيّها الأمير أنّ بنات ملوك البحر والجنّ هن صديقات عيشة، وهي الوحيدة التي بإمكانك أن ترفع عنك السّحر .
كان الفتى يستمع بدهشة ،وقال : لقد كنت مغفلّا ،وقسوت على تلك البنت هيا بنا نذهب إليها ،ولمّا إنهض من فراشه نظر حوله، لكن الجارية اختفت ، وقال في نفسه : ما أغرب ما رأيت ، ثم غطى رأسه بعمامة كبيرة، وركب جواده ،وسار إلى كوخ الغولة .وحين وصل ،طرق الباب، فخرجت له عيشة ،وطلب منها أن تسامحه على غلظته ،فلقد خدعته تلك اللئيمة .
أجابت : لقد عانيت منها ،قال الأمير لن تزعجك بعد الآن ،فهي في سرداب ،و لن تخرج منه ،بعد ما فعلته بي ،وخلع العمامة ،لم تتمالك عيشة نفسها من الضحك ،وقالت :كلّ من يظلمني يعاقبه الله ،فلتعلم ذلك ،لكني أسامحك ،وأخرجت من جيبها حشائش غلتها في الماء ،وقالت: إشرب ،وسيزول السحر ،وما كاد يرشف الأمير من القدح حتى رجعت أذناه كما كانتا .
ففرح، وقال : الأسبوع المقبل موعد عرسنا لا تنسين ذلك !!! ردّت البنت مازال هناك شيئ يجب أن أقوم به ،ثم ذهبت إلى أبيها ،وقالت له :في نفس اليوم الذي أتزوج فيه أريدك أن تتزوج من الغولة ،رد عليها :ويحك يا إبنتي، ألم تجدي إمرأة غيرها، إبتسمت عيشة، وقالت: لن تندم يا أبي ،و حتما ستشكرني !!!أجاب : سأفعل وأمري لله ،ما دام هذا يسعدك ،وأرجو أن لا تأكلني لو أغضبتها يوما ما
ليلة العرس جاء السلطان لتهنئة العرسان، فغمزت عيشة أباها ،وقالت : ارفع يا أبي النقاب عن وجه امرأتك ،هيا لا تخف . تردّد ،ولما رفعه، توقّف مدهوشا ،ودهش أيضا السّلطان ،وكلّ الحاضرين ،فلم ير أحد في حياته أجمل من تلك المرأة ،كانت القطة تنظر من أحد الأركان، ثمّ ضحكت ،فلقد جعل سحرها الغولة أجمل ممّا كانت تعتقد ،وقالت :الآن بإمكاني الإنصراف وترك العرسان يمضون ليلتهم بهدوء …
…
إنتهت الحكاية أرجو أن تكون قد نالت إعجابكم
…