مقالات
رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – * السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة * إعلام الداخل الفلسطيني: بين التوجيه والتضليل (1)(3)(4)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* الإعلام في الداخل الفلسطيني: الواقع والتحديات
بعد أن انتهينا مع حضراتكم من سلسلة: (الاغتراب في الأوطان)، نبدأ سلسلة جديدة مكونة أيضًا من إثنتي عشرة مقالة، نهدف من خلالها إلى تسليط الضوء على الإعلام في الداخل الفلسطيني وأهميته في رفع الوعي والوقوف إلى جانب قضايا الأمة، وليس مجرد نقل الأخبار أو تعبئة الصفحات بأخبار لا تؤثر في صناعة القرار،
– يُشكل الإعلام في الداخل الفلسطيني نافذة أساسية للتعبير عن الهوية الوطنية، ورصد قضايا المجتمع، والتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية. ورغم دوره المحوري، يواجه الإعلاميون تحديات تمنع تطوير هذا القطاع واستقلاليته المهنية.
* واقع الإعلام في الداخل الفلسطيني
المشهد الإعلامي في الداخل الفلسطيني متنوع، حيث يضم وسائل إعلام مكتوبة، مسموعة، ومرئية، بالإضافة إلى المنصات الرقمية التي أصبحت منافسة للإعلام التقليدي، ورغم ذلك، يعاني الإعلام الفلسطيني من نقص في وجود مؤسسات إعلامية كافية، ما يحدّ من قدرته على الوصول لجمهور أوسع، فبعض الصحفيين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي لنقل الأخبار، في ظل تحديات التمويل والاستقلالية.
* التحديات التي تواجه الإعلام في الداخل الفلسطيني
1- قلة الكفاءات الإعلامية المتخصصة:
يعاني القطاع الإعلامي من نقص في الخبرات الأكاديمية والعملية، ما يؤدي إلى ضعف تطوير المحتوى الإعلامي المحلي.
2- القيود القانونية والسياسية:
الإعلام في الداخل يخضع لقوانين تحد من حرية التعبير، ما يعرض الصحفيين للملاحقات القانونية، مما يضطرهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية، خصوصًا بعد أحداث السابع من أكتوبر وفي ظلّ هذه الحكومة المتطرّفة
3- التمويل والاستقلالية:
تعاني وسائل الإعلام المحلية من ضعف التمويل، ما يجعلها عرضة للتأثيرات السياسية والاقتصادية، ويؤثر على جودة المحتوى.
4- التحديات التقنية:
رغم تزايد الإعلام الرقمي، تواجه المؤسسات صعوبة في مواكبة التطورات التكنولوجية بسبب نقص التدريب الإعلامي المتخصص.
5- المنافسة مع الإعلام العبري:
يواجه الإعلام في الداخل الفلسطيني تحديات جمّة بسبب الهيمنة الإعلامية العبرية التي تسيطر على معظم مصادر الأخبار، ما يحد من انتشار الرواية الفلسطينية.
6- التضييق على الصحفيين:
يواجه الصحفيون تحديات في ممارسة عملهم بحرية، خاصة في القضايا الحساسة. القوانين المحلية تفرض قيودًا على نشر بعض المعلومات، مما يؤثر على قدرتهم على تقديم صورة شاملة للأحداث.
*الخاتمة
رغم هذه التحديات، يظل الإعلام في الداخل الفلسطيني صوتًا مهمًا في معركة الوعي، ويسعى بعض الإعلاميين لتطوير محتوى يعكس قضايا المجتمع بواقعية ومهنية، والمأمول هو لا بد من تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية ودعم استقلالية الصحافة لتجاوز هذه التحديات.
• عنوان مقالة الغد مع المشيئة: (كيف يصنع الإعلام وعي المجتمع؟).
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
* السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة
* إعلام الداخل الفلسطيني: بين التوجيه والتضليل (3)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* التضليل الإعلامي: أساليبه وأثره على الرأي العام
يُعَدُّ الإعلام أداةً فعّالة في تشكيل الوعي المجتمعي وتوجيه الرأي العام، إلا أن هذه القوة قد تُستغلُّ بطرقٍ غير نزيهة لتحقيق أجندات معينة، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومن أخطر هذه الاستغلالات ما يُعرف بـ”التضليل الإعلامي”، وهو ممارسة تهدف إلى توجيه الجمهور نحو قناعاتٍ مغلوطة تخدم أهدافًا محددة، مع تغييب الحقيقة أو تحريفها، أو العبث بها، فكيف تُمارَس أساليب التضليل الإعلامي؟ وما أثر ذلك على الرأي العام، خصوصًا في سياقات مجتمعية حسّاسة كالداخل الفلسطيني؟
* أساليب التضليل الإعلامي
1- التحريف والتزييف
يعدّ التحريف من أكثر أساليب التضليل شيوعًا، حيث يتم تقديم جزءٍ من الحقيقة مع إخفاء أجزاء أخرى، مما يؤدي إلى خلق صورة مشوّهة لدى الجمهور، وقد يصل الأمر إلى فبركة الأخبار والصور والفيديوهات لاستخدامها في خدمة روايات معينة.
2- التكرار الممنهج
تعتمد وسائل الإعلام المضلِّلة على تكرار الرسائل نفسها مرارًا، حتى تصبح أشبه بالحقيقة المُطلقة لدى المتلقي. هذه التقنية تُستخدم لإقناع الجماهير بأفكار قد تكون في الأصل واهية أو غير مدعومة بأيّة أدلة وتكرارها يخلق قناعات بأنها صحيحة وملفّقة.
3- التلاعب بالعناوين
كثيرًا ما تكون العناوين مُضلّلة، إذ يتم اختيار كلماتٍ مثيرة أو منحازة توحي بمعانٍ غير دقيقة، مما يدفع القارئ إلى تبنّي فكرة معينة قبل حتى قراءة المحتوى الفعلي.
* إختلاق الأعداء وتوجيه الانتباه
من أساليب التضليل الشائعة خلقُ أعداءٍ وهميين أو تضخيم الأخطار الخارجية، وذلك لصرف الانتباه عن قضايا جوهرية، وغالبًا ما يُستخدم هذا الأسلوب في سياقات سياسية لإشغال الرأي العام بقضايا هامشية.
* إثارة العواطف على حساب الحقائق
يعتمد التضليل الإعلامي على توظيف العواطف عبر قصص إنسانية مؤثرة، قد تكون صحيحة في ظاهرها، لكنها تُستخدم في غير سياقها، بهدف تحريك المشاعر والتأثير على المواقف بعيدًا عن أي تحليل منطقي.
* استغلال الرموز والمرجعيات
تستخدم بعض الجهات المضللة شخصياتٍ مؤثرة أو مرجعيات دينية وثقافية لترويج رسائلها، فتكتسب مصداقية زائفة لدى الجمهور، مما يجعل التشكيك بها أمرًا صعبًا.
* أثر التضليل الإعلامي على الرأي العام
1- تشويه الحقائق وإضعاف الوعي
حيثُ يؤدي التضليل الإعلامي إلى إضعاف قدرة الجمهور على التمييز بين الحقيقة والخيال، مما يخلق حالة من الضبابية الفكرية وعدم القدرة على تكوين مواقف مبنية على أسس صحيحة.
2- تفكيك النسيج المجتمعي
من أخطر آثار التضليل الإعلامي أنه قد يُستخدم لإحداث شرخ في المجتمع، سواء عبر زرع الفتن الطائفية أو العرقية أو الأيديولوجية، مما يؤدي إلى تصاعد الانقسامات الداخلية.
3- إضعاف ثقة الجمهور بالإعلام النزيه
عندما يُكتشف حجم التضليل في بعض الوسائل الإعلامية، يصبح الجمهور أكثر تشككًا في جميع المصادر، حتى تلك التي تتسم بالمهنية، مما يخلق أزمة ثقة إعلامية شاملة.
4- توجيه السلوك الجماهيري
يستطيع التضليل الإعلامي أن يحوّل مسار اهتمام الجماهير نحو قضايا ثانوية، أو يخلق رأيًا عامًا مساندًا لسياسات معينة دون وعي كافٍ بحقيقتها، مما يؤدي إلى قرارات مجتمعية خاطئة على المدى البعيد.
5- التأثير على القيم والمعتقدات
لا يقتصر التضليل الإعلامي على الأخبار السياسية فقط، بل يمتدّ إلى القيم الثقافية والاجتماعية، حيث يتم إعادة تشكيل المفاهيم بطريقة تخدم أجندات معينة، مما يهدد الهوية والقيم الأخلاقية للمجتمعات.
* كيف نواجه التضليل الإعلامي؟
1- التربية الإعلامية والنقدية
حيث يتوجّب تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الجمهور، بحيث يصبح قادرًا على تحليل المعلومات وعدم تصديق كل ما يُنشر دون تحقق.
2- الاعتماد على مصادر موثوقة
على المتلقي أن يتحرى المصداقية عبر الرجوع إلى وسائل إعلامية موثوقة ومقارنة الأخبار بين مصادر مختلفة.
3- فضح أساليب التضليل
من المهم كشف أساليب التضليل وشرحها للجمهور من خلال حملات توعية، مما يساعد في تقليل تأثيرها.
4- تعزيز الإعلام البديل
يمكن مواجهة التضليل عبر إنشاء منصات إعلامية نزيهة تسلط الضوء على الحقائق بعيدًا عن الأجندات المشبوهة.
* وأخيرًا وليس آخرًا
التضليل الإعلامي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو أداة تستخدم في صراعات متعددة، مما يفرض علينا جميعًا مسؤولية التصدي له، فالإعلام إما أن يكون وسيلة للوعي والتّحرر، أو أداة للهيمنة والتضليل، والرهان الأكبر يبقى على وعي الجمهور ومدى قدرته على التمييز بين الحقيقة والزيف، حتى لا يصبح ضحية لهذه الأساليب الخفية التي تحرك الرأي العام نحو اتجاهات لا تخدم مصالحه الحقيقية… تابع! راقب! دقق! سوف ترى الحقيقة جليّة حولك مع تحياتي والسلام
• عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ( من يملك الإعلام؟ قراءة في مراكز التأثير والتوجيه ).
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
* السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة
* إعلام الداخل الفلسطيني: بين التوجيه والتضليل (4)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* من يملك الإعلام؟ قراءة في مراكز التأثير والتوجيه
يُعد الإعلام اليوم من أكثر الأدوات تأثيرًا في تشكيل الوعي العام، وصياغة الرأي الجمعي، وتوجيه الاتجاهات الاجتماعية والسياسية، ولأن الداخل الفلسطيني يعيش تحديات خاصة، فإن الإعلام بالنسبة له ليس مجرد أداة لنقل الأخبار، بل هو ميدان للصراع على الهوية والرواية، بين من يسعى إلى طمسها أو تشويهها، ومن يعمل على ترسيخها وتعزيز حضورها، وهنا يبرز السؤال الجوهري: من يملك الإعلام؟ ومن يتحكم في مضامينه؟ وكيف تُدار مراكز التأثير والتوجيه داخله؟
* الملكية والإدارة: بين الاستقلال والتبعية
في الداخل الفلسطيني، تتعدد مصادر الإعلام وتتفاوت في درجة استقلاليتها وتأثيرها، يمكن تصنيفها ضمن الفئات التالية:
1- الإعلام الرسمي الإسرائيلي:
يشمل القنوات الإخبارية والإذاعات والصحف الممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية، هذه الوسائل تتبنى الرواية الرسمية للدولة، وتعكس سياساتها وأجنداتها، وهي تهمّش القضايا الفلسطينية أو تقدمها بمنظور يتماشى مع المصالح الإسرائيلية.
2- الإعلام الخاص التجاري:
يضم محطات تلفزيونية وإذاعية وصحفًا محلية يمتلكها رجال أعمال فلسطينيون أو شركات تجارية، ورغم أن بعض هذه الوسائل تُظهر استقلالية نسبية، إلا أن ارتباطها بالتمويل الإعلاني يفرض عليها قيودًا، حيث تعتمد على إعلانات من شركات إسرائيلية أو مؤسسات دولية، مما قد يؤثر على طبيعة المحتوى المطروح.
3- الإعلام الحزبي والمؤسساتي:
وهو الإعلام الذي تديره الأحزاب أو الجمعيات الأهلية، ويعتمد على أجندات محددة تخدم مصالحه السياسية أو الفكرية. يتميز بوضوح توجهه الأيديولوجي، لكنه يواجه تحدي الوصول إلى جمهور واسع بسبب الاستقطاب السياسي.
4- الإعلام الشعبي والرقمي:
مع تطور التكنولوجيا، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة إعلامية مفتوحة تتيح للأفراد التأثير المباشر على الرأي العام، لكن هذه المساحة ليست محصنة من الاختراق، حيث تُستخدم الخوارزميات للحد من انتشار محتوى معين، كما يتم توظيفها أحيانًا لخدمة أجندات مضادة.
* مراكز التأثير والتوجيه
رغم تعدد الجهات الإعلامية، فإن السيطرة الفعلية على الإعلام تُمارَس عبر عدة أدوات خفية وظاهرة، منها:
1- الإعلانات التجارية والتمويل:
تتحكم الشركات الكبرى والمعلِنون في توجيه المحتوى الإعلامي، حيث يفرض الممولون خطوطًا حمراء تحول دون تناول قضايا معينة قد تؤثر على مصالحهم الاقتصادية أو علاقاتهم السياسية.
2- السياسات الحكومية والتشريعات:
تستخدم إسرائيل القوانين والتراخيص كأداة للضغط على الإعلام الفلسطيني، سواء من خلال التضييق القانوني أو فرض الغرامات أو إغلاق المؤسسات الإعلامية بحجج أمنية.
3- النفوذ الأيديولوجي والتأطير الثقافي:
بعض وسائل الإعلام تعمل على غرس تصورات معينة تخدم جهات بعينها، فتُبرز قضايا وتُهمل أخرى، أو تُعيد صياغة الأحداث بما يتناسب مع رؤيتها.
4- الخوارزميات والمنصات الرقمية:
تتحكم الشركات المالكة لمنصات التواصل في مدى انتشار المحتوى الفلسطيني، حيث يتم تقييد بعض الحسابات أو حذف منشورات بحجة “مخالفة المعايير”، ما يجعل الإعلام الرقمي خاضعًا لمعايير ليست دائمًا محايدة، وجميعنا تم التشويش على صفحاته أو الغاءها أو منع أصحابها من التعليق في الفيس والانستا والتك توك وغيرها من المنصات الرقمية
* بين التحديات والفرص
الإعلام في الداخل الفلسطيني يواجه تحديات جمّة، منها:
1- التهميش الإعلامي:
حيث يتم التعامل مع قضايا فلسطينيي الداخل كمسائل ثانوية، ويتم تجاهلها في كثير من التغطيات الإعلامية العربية والدولية.
2- الرقابة والتضييق:
سواء عبر القوانين أو السياسات التحريرية أو من خلال الضغوط المالية.
3- ضعف التمويل المستقل:
مما يجعل المؤسسات الإعلامية مضطرة للبحث عن مصادر تمويل قد تؤثر على استقلالية خطابها.
لكن في المقابل، هناك فرص يمكن استثمارها لتعزيز الإعلام الفلسطيني:
4- استقلالية الإعلام الرقمي:
من خلال بناء منصات إعلامية بديلة لا تعتمد على تمويل خارجي مشروط.
5- تعزيز الوعي الإعلامي:
بحيث يصبح الجمهور قادرًا على التمييز بين الإعلام الموضوعي والموجه.
6- دعم المبادرات الإعلامية الشبابية:
التي تسعى إلى تقديم رواية فلسطينية أصيلة بعيدًا عن التأثيرات المشوهة.
الخاتمة
إن الإجابة عن سؤال “من يملك الإعلام؟” لا تتعلق فقط بملكية القنوات والصحف، بل تمتد إلى السيطرة الفكرية والتوجيه المعنوي، فالمعركة ليست مجرد منافسة على الأخبار، بل هي صراع على الرواية والهوية، ومن هنا، فإن بناء إعلام فلسطيني قوي ومستقل يتطلب وعيًا، وتمكينًا، ودعمًا مستمرًا للمبادرات التي تعزز الصوت الفلسطيني في الداخل، بعيدًا عن الهيمنة والتأثيرات المشوهة.. ولكم مني التحية والسلام
• عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ( الإعلام العبري وتأثيره على مجتمع الداخل الفلسطيني ).
* طاب صباحكم ونهاركم، وسائر أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا.
* مقالة رقم: (1882)
* 25. شعبان . 1446هـ
* الأثنين . 24.02.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)